صنعاء – لم يطرأ الكثير من التغيير على المشهد اليمني خلال الأسبوع الماضي، فلم يفقد الشارع إصراره على إسقاط النظام، ولم يتراجع إصرار الرئيس علي عبدالله صالح بتمسكه بمنصبه الذي يرى ما تبقى من مؤيديه أحقيته في ذلك.
ولكن الجديد على الساحة اليمنية، هو تبلور دعم واشنطن لصالح الى بشكل فج وصريح على عكس رغبة التظاهرات التي تجتاح كافة أنحاء البلاد منذ أسابيع، ورغم “التفنن” بأنواع القمع التي يتعرض لها المتظاهرون التي كان أجددها استخدام الغازات السامة.
وتسعى الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ على حكم الرئيس صالح، رغم إجماع الشارع والمعارضة على ضرورة رحيله. دعم له ما يبرره، ولا يمكن فصله عمّا يمكن أن يمثّله اليمن المضطرب أو المجزّأ من مخاطر على المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، كذلك تريد الإدارة الأميركية أيضاً من خلال دعم صالح دحض تهمة التخلي عن حلفائها من الحكام العرب.
ميدانياً، استمر تساقط القتلى والجرحى في ميادين المدن اليمنية على يد مؤيدي صالح ورجال الأمن. تواصلت الاحتجاجات في صنعاء وعدة مدن يمنية للمطالبة برحيل نظام علي عبد الله صالح، بينما بدأ التحقيق في القضية التي رفعها محامون ضد السلطات يتهمونها باستخدام غازات محرمة في هجوم قوات الأمن على المعتصمين بـ”ساحة التغيير” في صنعاء التي لا تزال المركز الرئيسي للمتظاهرين في العاصمة والتي أصبحت تذكر بمشهد “ميدان التحرير” في القاهرة.
ولم تقتصر مواجهة المحتجين من قبل النظام على قمع وتفريق التظاهرات، فقد كشفت مصادر أمنية لوكالات أنباء متعددة عن وجود عشرات من شباب ثورة التغيير في زنازين داخل معسكر قوات الأمن المركزي بصنعاء بعد اختطافهم في الأيام القليلة الماضية على خلفية الاعتصامات المطالبة برحيل النظام منذ قرابة الشهر.
وحذر شباب الثورة الشعبية اليمنية من مغبة الاستمرار في اختطاف وتعذيب زملائهم، مؤكدين أنهم سيلاحقون الجناة ويقدمون للعدالة.
انضمام القبائل
تصاعدت حدة التوتر في اليمن بعد مقتل زعيم قبلي في اشتباكات اندلعت الثلاثاء الماضي بين المحتجين وأنصاره. وقد انضم عدد من رجال القبائل في اليمن إلى المعتصمين في “ساحة التغيير”، وأبرزهم من قبائل حاشد وباكيل. ويصر المعتصمون على الاستمرار في مظاهراتهم السلمية إلى أن يرحل نظام الحكم القائم.
ويذكر أن ما لا يقل عن أربعين متظاهراً لقوا حتفهم مند اندلاع الاحتجاجات.
التمسك الأميركي بصالح
منذ خروج التظاهرات الضخمة إلى الشوراع للمطالبة بتنحّي الرئيس صالح، تتخذ واشنطن موقفاً داعماً للنظام، رافضةً أي حديث عن احتمالات سقوطه. مساعي واشنطن لتعزيز موقع صالح يمكن ملاحظتها من خلال الضغط على معارضيه للقبول بالحوار معه، في محاولة للحفاظ على أحد أبرز حلفائها الباقين في “حربها على الإرهاب”، بعد سقوط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، اللذين اتّهمت بأنها سارعت إلى التخلي عنهما تحت وطأة الضغوط الشعبية المطالبة برحيلهما.
والموقف الأميركي الداعم لصالح تجلّى في العديد من التصريحات، أحدثها قبل ثلاثة أيام، عندما رحّب البيت الأبيض بالمبادرة التي أطلقها الرئيس اليمني لحلّ الأزمة السياسية في البلاد. وبالتزامن، حثّ مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الإرهاب جون برينان، الذي أجرى اتصالاً هاتفياً بصالح، كل أطراف المعارضة اليمنية على “الاستجابة بطريقة بنّاءة” لدعوة الرئيس اليمني لبدء “حوار جدّي” يضع حداً للأزمة، معتبراً أن المعارضة والحكومة تتشاركان المسؤولية في التوصل إلى حلّ سلمي.
موقف برينان جاء ليكمل ما كان قد بدأه السفير الأميركي في صنعاء، جيرالد فايرستاين، عندما رأى أن “السبيل الأمثل لحل مشاكل اليمن يتمثل في الحوار لا في التظاهرات، وإسقاط النظام لا يحل الإشكالات والتحديات التي تواجه اليمن في الوقت الراهن”، فيما لم يتأخر صالح في ترجمة الدعم الأميركي استباحةً لأرواح المحتجين المعتصمين في ساحة التغيير، مرتكباً في حقهم مجزرة جديدة، اكتفت واشنطن بالتعليق عليها، مشيرةً إلى “قلقها من العنف”، ومتجاهلةً أن قنابلها السامة التي منحت لقوات مكافحة الإرهاب اليمنية تحولت إلى سلاح يفتك بأرواح المعتصمين.
ويذكر أنه مع انطلاق “الثورة اليمنية”، سارعت وزيرة الخارجية الأميركية لزيارة صنعاء فجأة، في أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى اليمن منذ أكثر من ٢٠ عاماً. اجتمعت بصالح وأفهمته أن محاولات توريث حكمه أو تأبيده لم تعد وصفة تصلح في زمن الثورات إذا ما أراد الحفاظ على منصبه، فيما الإصلاحات تحولت إلى فريضة يجب أن يؤديها سريعاً، وهذا ما حاول صالح الإيحاء به مع اندلاع التظاهرات.
وزاد واشنطن تمسكاً بصالح، اجتماع كلينتون بأركان المعارضة، فخرجت متيقنة من أن بديل علي عبد الله صالح ليس جاهزاً. فالمعارضة التي التقتها كلينتون لم يكن خيار إسقاط صالح على أجندتها، وجلّ ما كانت تصبو إليه هو المشاركة في الحكم، ما جعلها عاجزة عن تقديم تصور مقنع للفترة المقبلة من تاريخ اليمن، خاصة مع تيقنها من أن الخلافات بين مكونات المعارضة عديدة
والسبب الإضافي الذي يدفع واشنطن إلى الخشية من انهيار اليمن، وهو موقع البلد الاستراتيجي من الناحية البحرية، ولا سيما بعدما طالت تهديدات “القاعدة” مضيق باب المندب.
وجهة نظر إسرائيل
والتمسك بصالح لا يقتصر على واشنطن فحسب، فقد حذر الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يوئيل جوجانسكي، في مقال بعنوان “في اليمن: انهيار مرتقب خطر”، من مخاطر سقوط النظام في اليمن وتأثيراته السلبية على الأمن الإقليمي والدولي. ورأى أن “العنف بين القبائل، والجريمة، والقرصنة في البحار، ونسبة شبان غير تناسبية، والجوع والأمراض، جزء فقط من التحديات التي يواجهها اليمن في الحياة اليومية”. وأشار إلى أن “إضعافاً آخر لسلطة أجهزة الدولة، يجب أن يقلق من يريدون إيقاف تأثير إيران المتنامي في المنطقة، التي اتهمها بتحويل اليمن إلى ساحة لزيادة تأثيرها”.
وخلص الكاتب إلى إن إسقاط نظام علي عبد الله صالح قد يفضي إلى “مس آخر بالقاعدة الإقليمية التي تؤسسها الولايات المتحدة في السنين الأخيرة، وإلى الإضرار بمكافحة الإرهاب العالمي، وهي مكافحة كانت حكومة اليمن مشاركة فيها”.
Leave a Reply