عماد مرمل – «صدى الوطن»
ليس خافـيا ان الرئيس نبيه بري يتمنى فـي قرارة نفسه وصول صديقه الوزير الاسبق جان عبيد أو صديقه الآخر قائد الجيش العماد جان قهوجي، الى رئاسة الجمهورية، لكن بري الذي يتقن أصول اللعبة الداخلية ويفهم قواعد اللعبة الدولية تجنب المجاهرة بما يتمنى، للأسباب الآتية:
عدم إحراق الإسمين «لعل وعسى»، تفادي تحريك الحساسيات المرهفة لدى المرشحين الموارنة الآخرين، النقص فـي الظروف السياسية الملائمة، وتجنب إعطاء اي انطباع بأن المسلمين يحاولون اختيار رئيس الجمهورية وفرضه على المسيحيين.
فـي هذا الوقت، كان الاقطاب الموارنة الاربعة (ميشال عون، سمير جعجع، أمين الجميل، وسليمان فرنجية) يلتقون برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، فـي بكركي، حيث تفاهموا كما أكد المطران «العارف» سمير مظلوم لـ«صدى الوطن»، على حصر الترشيح بهم كأصحاب قواعد شعبية وصفات تمثيلية، انطلاقا من ان المطلوب انتخاب رئيس قوي للجمهورية، مع إعطاء الافضلية من بينهم للإسم الذي يتمكن من تأمين الارجحية النيابية، فـينسحب له الآخرون ويدعمون انتخابه متى استطاع الحصول على هذه الأرجحية.
ترك بري الأمور تأخذ مجراها. ترشح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى رئاسة الجمهورية فنال فـي الجلسة الانتخابية الاولى 48 صوتاً فقط، بسبب رفض قوى آذار والوسطيين له، وترشح العماد ميشال عون فلم يتمكن بدوره من الحصول على الاكثرية النيابية التي تؤهله للوصول الى الرئاسة بسبب رفض «14 آذار» والوسطيين له.
وأمام حالة الاستعصاء التي طالت، قرر بري أن يملأ الوقت الضائع بطاولة حوار، أمضت ساعات طويلة فـي مناقشة مواصفات الرئيس، فـي انتظار نضوج الإسم فـي مطابخ القرار الاقليمي والدولي. لكن ما لفت انتباه بري خلال جلسات الحوار ان الشخصيات المسيحية المشاركة فـيها كانت تحرص على تأكيد ضرورة أن يتحلى المرشح الرئاسي بحيثية شعبية ذاتية مستمدة من بيئته، على أن يكون مقبولا من البيئات اللبنانية الاخرى، علما أن رئيس المجلس يعتقد أن أي مرشح يجري التوافق الوطني عليه، يصبح تلقائياً صاحب شرعية شعبية، خصوصاً على الصعيد المسيحي، لان موافقة الاقطاب عليه تجعل الشارع يقف الى جانبه.
ومع طرح الرئيس سعد الحريري مبادرة ترشيح فرنجية، خلال اللقاء الباريسي الشهير بين الرجلين، بغطاء خارجي، تلقف بري المبادرة على طريقته، بل لعله كان شريكا وراء الكواليس فـي نسج خيوطها، الى جانب النائب وليد جنبلاط.
فـي كل الحالات، كان لافتاً للانتباه أن بري، وبرغم حماسته لخيار فرنجية، لم يعلن بصوت مرتفع عن تأييده، فـي انتظار الإعلان الرسمي من قبل الحريري عن مبادرته واتضاح مسار الخيارات لدى فريقي «8» و«14 آذار»، خصوصاً لدى «الحليف» «حزب الله» الذي يتسلح بالصمت منذ أن تسرب خبر لقاء باريس.
إلا ان ما استفز بري كثيراً، هو لجوء بعض الجهات الداخلية المعترضة على ترشيح فرنجية الى ضخ مكثف لمقولة أن الزعماء المسلمين، وتحديداً بري والحريري وجنبلاط، يريدون فرض رئيس الجمهورية الماروني على المسيحيين وإخضاعهم لنوع من الوصاية السياسية-الطائفـية.
انتفض بري على هذه المقولة وقرر أن يكسر صمته للرد عليها، باعتبارها مخالفة للوقائع والحقائق.
وقال بري لـ«صدى الوطن» إن الاتهام الموجه من قبل البعض الى الأطراف الاسلامية بمحاولة تسمية رئيس الجمهورية هو اتهام مرفوض ولا يمت الى الواقع بصلة. ويضيف: «ليس خافـيا انني أفضّل اسما معيّنا للرئاسة، وكذلك الامر بالنسبة الى الرئيس الحريري، وهذا متداول ومعروف فـي الوسط السياسي، لكن لا أنا ولا الحريري أعلنا عن هوية المرشح الذي يفضله كلٌ منا، حرصا على مراعاة المزاج المسيحي الحساس حيال هذه المسألة، وبقيت أنا شخصيا أنادي بضرورة ان يتفاهم القادة المسيحيون على مرشح، مبديا استعدادي لدعم اي اسم يتوافقون عليه، لكن مضى حتى الآن قرابة سنة ونصف السنة على الشغور من دون ان ننجح فـي انتخاب رئيس، فكان لا بد من خرق ما لكسر حالة الجمود المتمادية وما يترتب عليها من اهتراء فـي جسم الدولة.
ويلفت بري الانتباه الى ان الاقطاب الموارنة الاربعة كانوا قد اتفقوا قبل شهور على انهم أصحاب الاحقية والافضلية فـي الرئاسة، باعتبارهم الاقوى حضورا فـي الشارع المسيحي، كما تفاهموا على ان المرشح الذي يتبين لاحقا انه أوفر حظا يخلي له المرشحون الآخرون الطريق، للإفساح فـي المجال امام وصول رئيس وازن فـي طائفته الى قصر بعبدا.
ويتابع بري: أما وقد جرى اختزال الموارنة بهذا التمثيل الرباعي، وتقيداً بالقاعدة التي وضعها أقطاب لقاء بكركي، جرى طُرح اسم فرنجية وحظي بدعم أطراف اسلامية، من دون أن يعني ذلك انها هي التي تولت تسميته، إذ أن اجتماع بكركي هو الذي رشح عمليا فرنجية الى جانب عون وجعجع والجميل الذين لم يحالفهم الحظ على مدى سنة ونصف السنة تقريبا من الشغور، وبالتالي فإن ما فعله فريق من المسلمين هو أنه قرر دعم، وليس فرض، مرشح سبق أن صنفه الاقطاب المسيحيون كواحد من الذين يملكون حيثية مسيحية ورئاسية. ويشير بري الى أن العديد من الشخصيات المسيحية طلبت، فـي سياق مناقشة المواصفات على طاولة الحوار، أن يكون الرئيس المقبل صاحب حيثية فـي طائفته ومقبولاً من الطوائف الأخرى، وتأييد فرنجية يصبّ فـي هذه الخانة، وليس فـي خانة التفسيرات المغلوطة التي يروج لها المعترضون على انتخاب رئيس «تيار المردة».
Leave a Reply