عماد مرمل – «صدى الوطن»
.. وأخيراً صار للبنان رئيس للجمهورية. بالنسبة الى الكثيرين لم يعد مهما من يكون، بل أن.. يكون.
الرئيس عون مستقبلاً الحريري في قصر بعبدا الأربعاء الماضي (دالاتي نهرا) |
ما هو بديهي في الدول الأخرى، احتاج هنا الى قرابة سنتين ونصف من الشغور حتى يتحقق.
صحيح، أن ولادة الرئيس كانت قيصرية، وربما قسرية.. لكنها تمت في نهاية المطاف، ليُسدل بذلك الستار على واحدة من أكبر الازمات التي مرت على لبنان، وهددت نظامه السياسي بالتداعي والانهيار، بعدما راحت المؤسسات الدستورية تتحلل، الواحدة تلو الأخرى.
وإذا كان انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية يشكل انتصاراً للبعض وهزيمة للبعض الآخر، بمعزل عن تواضع المنتصرين ومكابرة المهزومين.. إلا أن الرابح الأساسي يبقى الجنرال الذي استطاع بعد 26 عاماً من الصبر والعناد أن ينتزع موقع الرئاسة من بين «أنياب» الداخل والخارج.
لم ييأس عون ولم يتراجع، برغم أن الرئاسة بدت في لحظة من اللحظات شبه مستحيلة، خصوصاً عندما رشح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية، مع ما شكله هذا الترشيح الذي كان يحظى بغطاء إقليمي-دولي من إحراج للناخب اللبناني الأساسي المتمثل في «حزب الله»، كون فرنجية يشكل أحد أبرز أركان فريق «8 آذار» وواحد من أهم الحلفاء القدامى للمقاومة وسوريا.
تمكن عون من احتواء التهديد الحقيقي المستجد، واستطاع مع الوقت الانتقال من الدفاع الى الهجوم، مرتكزاً على تقاطع المصالح مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي سارع الى ترشيح الجنرال ومنحه قوة دفع مسيحية، لقطع الطريق على خصمه اللدود، سليمان فرنجية.
على المقلب الآخر، كان تصلّب «حزب الله» في خياره الرئاسي وإصراره على المضي في دعم عون حتى النهاية -برغم ممانعة الرئيس نبيه بري وفرنجية- يدفعان الحريري مضطراً الى مراجعة حساباته والتراجع المتدرج في ترشيحاته من جعجع الى أمين الجميل ففرنجية وصولا الى الهبوط الاضطراري على مدرجات الرابية وبالتالي تأييد وصول خصمه السياسي الشرس -أي الجنرال- الى قصر بعبدا. وهذا قرار لا يقلل من وطأته ومرارته، بالنسبة الى جزء واسع من قواعد «تيار المستقبل»، أن يكون الحريري هو رئيس الحكومة المقبل.
إنها «ميني» تسوية، وفق ما شاع في بيروت. حدودها المعلنة تمتد من قصر بعبدا الذي رجع اليه عون، الى السرايا الحكومية التي استعادها الحريري، من دون أن تشمل قانون الانتخاب وتركيبة الحكومة الجديدة.
اتصالات تهنئة عابرة للحدود
وبدا لاحقاً، مع تلقي عون العديد من اتصالات التهنئة العابرة للحدود، أن هذه التسوية المصغرة تحظى بقدر كاف من الغطاء الاقليمي-الدولي، سواء أتى في سياق التمهيد لها أو اللحاق بها تحت شعار دعم ما يتفق عليه اللبنانيون.
والمفارقة، أن رموز المحورين المتصارعين على امتداد المنطقة، «التقوا» في قصر بعبدا عبر مسارعتهم جميعا الى تهنئة عون بانتخابه رئيساً للجمهورية. أول المهنئين كان الرئيس الايراني ثم الرئيس السوري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وهؤلاء هم أركان محور المقاومة والممانعة.
لم يتأخر «الخصوم» في الرد الدبلوماسي، إذ تلقى الجنرال المنتخب أيضاً اتصالات تهنئة من الملك السعودي وأمير قطر ووزير الخارجية الاميركية، وهؤلاء يمثلون الخط الأمامي للمحور المضاد.
ولئن كان من الطبيعي أن ترحب دمشق وطهران بانتخاب عون، وهو المعروف بأنه قريب في خياراته الاستراتيجية منهما، فإن اللافت للانتباه كان الموقف المرن للرياض التي لطالما وضعت «فيتو» على اسم عون، خصوصاً في أيام وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل وصولاً الى الأمس القريب، حتى قيل أن الحريري يخوض مغامرة الموافقة على انتخاب عون من دون أن ينال موافقة صريحة من السعودية التي تردد انها اكتفت بمنحه الضوء الأصفر القابل للتأويل والاجتهاد، فإذا باتصال الملك سلمان بالجنرال وما تضمنه من مواقف إيجابية يؤشر الى أن المملكة كانت أقله غير معترضة على مبادرة الحريري.
كما أن الولايات المتحدة المعروفة بعدم حماستها تاريخياً للجنرال، كانت تعارض وصوله الى الرئاسة، لاسيما بعد توقيعه وثيقة التفاهم مع «حزب الله» عام 2006، وليس خافياً أن واشنطن حاولت الضغط على عون لفك تحالفه مع الحزب، ملمحة الى أن من شأن ذلك أن يسهل قبوله رئيساً للجمهورية.
لكن الجنرال بقي متمسكاً بتحالفه الاستراتيجي مع حارة حريك والذي تبين انه كان بمثابة الرافعة الاساسية لترشيحه والمساهم الأساسي في فوزه بالرئاسة. وأمام هذا الواقع، تعاطت الولايات المتحدة بمرونة مع فوز عون، وسارع وزير خارجيتها جون كيري الى الاتصال به مهنئاً، في انعكاس للبراغماتية الشهيرة التي تُعرف بها السياسة الأميركية.
وبرغم أهمية الانجاز الذي تحقق بانتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور دام سنتين ونصف تقريباً، فان التحدي الأدق بدأ منذ الآن، حيث تُفترض المباشرة في استنهاض مؤسسات الدولة وإعادة تكوين السلطة بدءاً من تشكيل حكومة موثوقة ووضع قانون انتخاب عادل وعصري يمهد لانتاج طبقة سياسية مغايرة .. فهل سينجح العهد الجديد في تجديد شباب الجمهورية؟
مسؤول رفيع في «حركة أمل» يكشف لـ«صدى الوطن»:
هكذا أُسقط الاتفاق الثلاثي الذي كان سيكرّس الثنائية
بيروت - كشف مسؤول رفيع في «حركة أمل»، لـ«صدى الوطن»، عن جانب من كواليس المفاواضات الرئاسية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، ذاكراً أن الأخير زار الرئيس بري ووضعه في جو تحركه باتجاه دعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية واتفقا بأن يقوم الحريري بمسعاه وأن لا يتخذ أي قرار أو يعقد أي تسوية قبل التشاور مع رئيس المجلس. لكن الحريري لم يلتزم بالإتفاق وعقد صفقة مع كل من الرئيس ميشال عون والنائب سمير جعجع.
وأضاف المصدر بأن الرئيس بري علم بإقدام الثلاثي «العوني-الحريري-القواتي» على تقاسم الحصص وتوزيع الوزارت في الحكومة وعلى تسمية قائد الجيش من خلال «ورقة تفاهم» قام بتوقيعها كل من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، والوزير جبران باسيل. وهذا ما دفع الرئيس بري الى تصعيد موقفه ورفض الاتفاق الثلاثي الذي «كان سيكرّس نهجاً سياسياً إقصائياً»، فجاء تمنّعه عن استقبال الحريري، لأنه أراد إبلاغ الرئيس بري بالمضي بالتسوية دون مناقشة الكيفية التي قطعها له العماد ميشال عون، وفي المقابل ماهية التعهدات التي قطعها له الحريري.
إلَّا أن الأخير أنكر حصول أي تسوية بالرغم من ثقة الرئيس بري من حصولها. وقد وضع رئيس مجلس النواب معلوماته بتصرف «حزب الله» الذي قام بمفاتحة الوزير جبران باسيل بشأنها.
وكما الحريري، أنكر باسيل حصول أي اتفاق، عندها أبلغ الحزب باسيل بأنه يلتزم فقط بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وبالحريري رئيساَ للحكومة من غير أن يسميه في الإستشارات النيابية الملزِمة وبالتالي أُبطِلت مفاعيل «الإتفاق الثلاثي» وهذا ما جعل موقف الرئيس بري يلين بالرغم من عدم رضاه عن أداء الحريري وامتعاضه من تصرفه وانفراده بالمفاوضات.
Leave a Reply