خليل إسماعيل رمَّال
قُضي الأمر الذي كُنتُم فيه تماطلان وتجرَّع سعد الحريري السم معلناً من خلال تسمية الجنرال عون مرشَّح كتلته، ولادة عهد رئاسي جديد وموت التحالفات الآذارية البغيضة التي لم تفعل شيئاً ما عدا الإمعان في الشرذمة كما كل شيء في لبنان. لكن لا شيء طبيعي أبداً في الكيان الجهيض من مجرَّد اختيار بوَّاب في مبنى حكومي إلى انتخاب رئيس للجمهورية الناقصة بفضل السياسيين الذين تعاقبوا على السلطة وتوارثوها ثم تناتشوها فيما بينهم. قلنا أكثر من مرة في السابق أنَّ هذا البلد «الطُرح» غير قادر تاريخياً على حكم نفسه بنفسه وهو يستحق أنْ يُدرَّس في جامعة هارفرد قسم العلوم الاثرية بسبب قدرة كيان وُلِدَ ميتاً وبقي على حافة الهاوية طيلة هذا الزمن وبسبب غرابة أطوار سياسييه السلاليين الوحوش الضارية المتسلطة على أمور البلاد والعباد وكل هذا على قلب الشعب مثل السمن والعسل!
حتى لبنَنَة الرئاسة التي حصلت بمعجزة لأول مرة تمت بالمقلوب!
وبالرغم من أنَّ الإنتخابات الرئاسية الأميركية الحالية هي أكثر ابتذالاً في تاريخ أميركا بوجود مرشَّحَين غير مؤهَّلَين لقيادة سيارة لا دولة عظمى والمفاضلة بينهما هي كمحاولة الإختيار بين بشير الجميِّل وسمير جعجع لأنَّ المرشحة الأولى سياسية فاسدة ستعيد عهد أوباما السيِّء الذكر، والثاني فتى لعوب لا يعرف «كوعه من بوعه» لكن عرف كيف يُحدِث هزات في النظام الأميركي ستبقى ارتجاجاتها إلى ما بعد بعد خسارته المدوِّية. لكن لا شيء يُشبه شبه الوطن اللبناني بسبب هذه الألغاز التي تستعصي على فهم أينشتاين:
١- شو عدا ما بدا؟ انتظر الحريري سنتين ونيف ليرضخ أخيراً ويرشِّح عون رغم أنه فتح البازار معه في البداية ثم قطعه منتصف الطريق لأنَّ سعود الفيصل كان يرفضه ويعشق جان عبيد! بالمناسبة لماذا هذا الغرام بجان عبيد وما مؤهلاته عدا كونه مارونياً وشهابياً عتيقاً؟ ربَّما «احتاج» سعد لخسارة «سعودي أوجيه» وموت الفيصل وحاجته للعودة الى رئاسة الحكومة ما دفعه إلى اتخاذ هذا القرار، الشجاع في ظاهره، والنفعي المصلحي في باطنه رغم الإنشاء العربي والكلام المعسول الذي أطلقه في بيت «الوسط» حول حماية النَّاس لا المركز. كما الذي ساعد الحريري على القرار هو عدم القرار والعجز المقيم عند آل سعود الذين هدتهم الحروب الخاسرة وهددت عروشهم.
٢- اختلط حابل ٨ آذار بنابل ١٤ وتفرق العشاق. ابتعد عن عون فرنجية وبري وأرسلان وميقاتي وجنبلاط (مع أنه في منزلة بين المنزلتين) ووقف ضده منذ البداية ميشال سليمان وبطرس حرب ودوري شمعون والعميد ادة والعماد قهوجي والسنيورة وصحبه والحليف السري لهما سمير جعجع والراعي وربَّما الكتائب والتابعون لهم، واقترب منه سياسياً الحريري ونصف جنبلاط بينما المقاومة كانت وظلت داعمة له منذ البداية ووفاؤها يجب أنْ يكتبه التاريخ بأحرف من ذهب وعلى عون أنْ يقدِّر هذا الوفاء كل لحظة وهو في قصر بعبدا، ويطهِّر «نيع» جعجع الذي بقي يحرِّض العونيين على المقاومة متهماً إياها بعدم الجدية بالسير بعون وكأنه كان يسير به بالمحدلة لا بسبب رد فعله على ترشيح فرنجيه عدوه اللدود باعتبار أنَّ فرنجية أغتال عائلته بأكملها!!
٣- فارس سعيد الدروندي العاطل عن العمل بعد فرط «الأمانة العامة» لقوى ١٤ الشهر، والذي هنأ الخائن محمود عبَّاس على «أخلاقه»، بحضور جنازة السفَّاح بيريز، أعلن فرمان أنَّ الحريري وجعجع استسلما لحزب الله! ما هذا الاكتشاف الفظيع من ديناصور سياسي لا يملك ظهراً ولا غطاءاً من دون سعد. لكن المشكلة ليست عند فارس سعيد بل عند الخزمتشي الإعلامي نديم قطيش الذي كان كيوضاس مزروعاً في تلفزيون «المستقبل» للتصويب على عون والحزب وماذا عن حسن صبرا يا تُرى الذي سب وشتم بعون ببذاءة قل نظيرها في الإعلام المعاصر؟
٤- لا عَجَب بعد ذلك أنْ تنشط وسائل التواصل الإعلامي لتُبرِز المفارقات الأخيرة التي هي غريبة الأطوار حتى بالمقاييس اللبنانية! فالطريق الجديدة سترفع إعلام حركة «أمل» الخضراء للوقوف مع بري ضد عون وكذلك وُجِّهت التحيات من معارضي عون إلى طرابلس التي طوَّبها أحدهم يوماً عاصمة السُنَّة وذلك لرفضها القرار الحريري، حتى أحمد فتفت القبضاي كاد يصبح معبود الجماهير المعارِضَة مع حبيس والمرعبي وغيرهم من الذين بدأوا تمويل الحرب السورية في البدايات وذلك لانهم وقفوا فقط ضد اختيار عون! أما الجمهور العوني فردَّ الصاع صاعين وبدا وكأنه منتسب حديث لتيار «المستقبل»! لكن المُستغْرَب أكثر انفجار الاحتقان وهذه الفورة والحماسة المتَّقدة بهذا الشكل لدى الجميع من مؤيدين ومعارضين والتي كانت كامنة ولم تظهر وقت التظاهرات من أجل قوت النَّاس وسلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والعمال والموظفين.
٥- حملة الرئيس بري على تصرف الحريري الإنفرادي الصفقوي الثنائي قد تكون لها مبرراتها، لكن ما هي مشكلة فؤاد السنيورة وتأزُّمه ومما هو خائف من مجيء عون؟! لقد بدا السنيورة الخاسر الأكبر من قرار معلِّمه إضافةً إلى رياض سلامة الذي حوَّل مصرف لبنان إلى مُلك خاص وفَعَل المستحيل لإرضاء السياسات المالية الخارجية على حساب الوطن والشعب طمعاً بالرئاسة. قد تكون خسارة السنيورة ربح للبنان وهذه ربَّما الحَسَنَة الوحيدة لكن معارضة الرئيس بري خسارة كبيرة للعهد. أما الرابح الأكبر بلا منازع في هذه المعمعة فهو سمير جعجع حيث ضَمِن مكاسبه بالتحالف مع عون في اللحظة المناسِبة. وهو على كُل حال رابح في الحالتين: إذا فشل عون أو نجح في الوصول الى بعبدا!
Leave a Reply