بيروت –
خلع سعد الحريري اخر قمصان المناورة الدبلوماسية وانتقل الى التصويب مباشرة على سلاح المقاومة، بعد أن باتت جميع أسلحته السياسية “عارية” أمام التكتيك الذي اتبعته قيادة “حزب الله” تحديدا في ملف المحكمة الدولية و”ضربة المعلم” في اكتشاف الوسطي نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة.
هذه المرة أيضا، أخطأ الحريري في حساباته، فلم يشفع له صفير المعجبين والمعجبات في احتفال الثالث عشر من آذار في استرداد أي من اوراقه السابقة، بل هو فتح الباب على مصراعيه امام مرحلة جديدة سيكون عنوانها محاكمته وفريقه المالي والسياسي عن المرحلة السابقة؛ وهي المرحلة التي بدأت ارهاصاتها فعلا بعد أقل من 48 ساعة من خطاب “الشلح” الشهير، بنشر وثائق نقلا عن “ويكيليكس” تفضح تآمر رموز قوى الرابع عشر من آذار إبان حرب تموز 2006، بالتوازي مع تصدّي الجنرال ميشال عون رسميا لملفات الفساد.
ولئن جاء احتفال قوى 14 آذار الأخير باهتا لجهة المواقف والحضور، الذي لم يتخطى بأفضل حالاته الستين الف مشارك بحسب مصدر رسمي لبناني، فإن الحريري استكمل حملة “الرمق الأخير”، فانتقل الى عاصمة الشمال طرابلس علّه يجد فيها موطئ قدم لإعادة انعاش أحلامه السياسية، بعد أن ملّ قسم كبير من أنصاره من أهل بيروت وصيدا الرهان على شعارات تيار المستقبل.
وبعد أن صار اللعب على المكشوف، أعلن الحريري موقفه الحقيقي برفضه سلاح المقاومة، تارّة عبر قراءة خطاب –بالعامية– عبر جهاز Teleprompter في احتفال ساحة الشهداء، وطورا في دردشات اعلامية من طرابلس، حيث دعا من يطالب اليوم بتطبيق اتفاق الطائف “بالبدء بأنفسهم وتطبيق المادة الاولى منه، والتي تقول بحصرية السلاح في يد الدولة”.
والمح الحريري مجددا الى عملية “اغتيال سياسي” يتعرض لها كأخر ورقة يمكن أن يرفعها في وجه خصومه، غير مبالٍ بتبعّات التسعير الطائفي والمذهبي، فقال أنه “إذا كان المطلوب منا كقوى 14 آذار أن نقبل بالإلغاء السياسي فإن هذا لن يحصل”، لافتا الى “اننا رأينا ما حصل مع رفيق الحريري عام 2004، يومها وافق على التمديد للرئيس السابق أميل لحود، ورغم ذلك لم يشكل حكومة من بعدها، ثم قال بيانه الشهير: إني أستودع الله هذا البلد الحبيب لبنان، واُتخذ بعدها قرارا باستبعاد ثلاثة من كتلته النيابية وقرر خوض الانتخابات في بيروت في أصعب دائرة من دون ودائع، وخوض الانتخابات في كل لبنان، ثم بدأ بالتقرب من قرنة شهوان ولقاء البريستول، ثم حدث ما حدث من اغتيال. ما يحصل اليوم مشابه تماما لما حصل عام 2004”.
حملة الحريري المستجدة على سلاح المقاومة تناولها الجنرال عون في خطابه الاسبوعي، فأشار الى أنه حاول فهم مضمون الخطاب والمشروع الذي حصلت لأجله مظاهرة قوى “14 آذار”، وذلك بصرف النظر عن حجمها، “ورأينا ان مضمون الخطاب لأ لأ لأ لأ للسلاح، انما لم نعرف ماذا نعم نعم للدفاع”، متسائلاً “كيف يجب ان ندافع عن انفسنا اذا لم يكن لدينا مقاومة، ومن قال اننا نرفض الجيش اللبناني، بالعكس نحن من نريده”.
عون وبعد اجتماع “تكتل التغيير والاصلاح”، قال “انظروا كيف فرحت اسرائيل بخطابهم”، في إشارة الى كلمات أفرقاء “14 آذار” في الاحتفال.
على صعيد اخر، شدد عون على أن “7 ايار كانت جوابا على 5 ايار، وعندما يُمس بالجهاز الدفاعي، الذي يطال المقاومة، طبعا سيحصل دفاع عن هذا السلاح، واذا لم يقم أحد بـ5 ايار فلن يحصل 7 أيار” جديد.
“ويكيليكس” تفضح المعلوم!
كشفت وثائق “ويكيليكس” التي بدأت وسائل الإعلام المحلية بتداولها، في توقيت سياسي مقصود، أن رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة محط تقدير خاص لدى قادة اسرائيل، نظرا لمواقفه وجهوده ضد المقاومة.
وأشارت احدى الوثائق الصادرة عن السفارة الأميركية في 13 تموز 2006، أي بعد يوم من بدء العدوان الاسرائيلي، الى أن السنيورة حملّ سوريا وايران مسؤولية نشوب الحرب لانهما “تريدان تدمير الحكومة اللبنانية ووقف انشاء المحكمة وتحويل الانظار عن الملف النووي الايراني”.
وفي موضوع اخر، وصف اعمال “حزب الله” بأنها “لا تغتفر”، مبديا “التفهم لواقع ان اسرائيل لا تريد مكافأة” الحزب على تلك الاعمال بتحرير مزارع شبعا، ويشدد على ان المكافأة اذا قدمتها اسرائيل ستكون من نصيب الحكومة اللبنانية.
وفي وثيقة صادرة عن السفارة الاميركية في بيروت بتاريخ السادس من آب 2006 المتضمنة اجتماع السنيورة مع سفراء دول مجلس الامن بحضور وزير الخارجية والمغتربين آنذاك فوزي صلوخ، حيث كان السنيورة يتحدث عن مشروع القرار المطروح على مجلس الامن، اوضح فيلتمان ان السنيورة أدلى بملاحظاته الصادقة بعد مغادرة صلوخ، فقال للوزراء ان اقرار المشروع كما هو سيعيد وضع لبنان تحت “السكين السوري-الايراني”.
وفي فقرة اخرى، يرى السنيورة أن مزارع شبعا “اختراع ايراني-سوري”.
وبموجب برقية بتاريخ الأول من آب 2006، حذر السنيورة فيلتمان من كون الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية “تغرقان في التفاصيل، وتوشكان على خسارة الهدف الرئيس: الامن والسلام لاسرائيل، والسلام وحزب الله منزوع السلاح للبنان”.
من جهتها، تعرب اسرائيل، بحسب وثائق “ويكيليكس”، عن تقديرها لمواقف قادة الرابع عشر من آذار إبان حرب تموز. وفي هذا السياق، اكد مدير عام وزارة الدفاع الاسرائيلية آنذاك غابي اشكنازي، في اجتماع مع السفير الاميركي في تل ابيب، ان السنيورة “يتشارك مع اسرائيل المصالح نفسها، أكثر مما يمكن الاخرين ان يدركوه”.
وشدد اشكنازي على ضرورة ان تساعد اسرائيل السنيورة “لان أي شخص اخر لا يمكنه ان يأخذ لبنان في الاتجاه الصحيح”.
وفي اجتماع مع مساعد الرئيس الاميركي لشؤون الامن الداخلي ومكافحة الارهاب، فرانس فراغوس تاوسند، عاود اشكنازي تأكيد موقف تل ابيب من حكومة السنيورة، موضحا ان “سياسة اسرائيل هي تعزيز السنيورة وقوى 14 اذار من أجل تمكينهم من الوقوف في مواجهة حزب الله”.
بدوره، اعرب رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق ايهود اولمرت، خلال حرب تموز بحسب احدى الوثائق، عن محبته لرئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة، لافتا الى انه سيكون سعيدا بلقائه في أي وقت.
وقال اولمرت انه يتفهم “ضعف حكومة السنيورة”، ويدرك ان هذا الضعف هو ما يحول دون وضع يدها على الجنديين الاسرائيليين الاسيرين للتفاوض معها على اطلاق سراحهما.
أما النائب مراون حمادة، فقد بذل مجهودا كبيرا في تقديم النصائح للأميركيين حول سبل نزع سلاح “حزب الله”، بحسب الوثائق، حيث تنسب احدى البرقيات الصادرة عن السفارة الاميركية عن حمادة قوله إنه لا يريد للحرب أن تنتهي، وأنّ الجيش اللبناني سيكون محرَجاً إذا سلّمه “حزب الله” صواريخه، لأنه سيكون مضطراً إلى تدريب جنوده على استخدامها!
كما اعتبر حمادة أن حركة “14 آذار” أخطأت حين سمحت لـ”حزب الله” بالمشاركة في الحكومة.
وفي وثيقة صادرة بتاريخ 29 تموز 2006، تحت عنوان “مروان حمادة يناقش احتمالات وقف إطلاق النار”، ينسب كاتب التقرير إلى حمادة قوله أنّ اجتماع مجلس الوزراء في 27 تموز، الذي أقرّ بالاجماع النقاط السبع الشهيرة، كان “أسطورياً” بسبب مواجهته الرئيس إميل لحود والوزراء الشيعة كلامياً. ورأى حمادة أنّ أمام “حزب الله” ثلاثة خيارات: تسليم الصواريخ إلى الجيش أو إلى القوات الدولية أو إعادتها إلى سوريا وإيران. وبحسب الوثيقة، قال حمادة إنه خاطب وزراء “حزب الله” بأن حزبهم ورّط لبنان في حرب من دون استئذان بقية أعضاء مجلس الوزراء، ولذلك على الحكومة أن تأخذ موقفاً الآن. ولفت إلى أنه قال لوزراء “حزب الله” إنه “إذا واصلتم مهاجمة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فستكون حرباً مفتوحاً مع حمادة أيضاً”.
ووفقاً للوثيقة، فقد أبلغ حمادة مضيفه جيفري فيلتمان مضمون حديث جانبي دار بينه وبين سعد الحريري على هامش مؤتمر روما في 26 تموز حيث نصحه بأن لا يعود إلى لبنان في هذا الوقت. وقال: “أبلغته أنه سيجد في قريطم 20 ألف لاجئ (مهجّر) يتسوّلون الطعام”. وفي وقت لاحق، قال حمادة أن الحريري كان مخدوعاً بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وكان العماد ميشال عون مخدوعاً أيضاً لكن لم يكن لديه مكان ليذهب إليه”.
ولئن كان التفصيل في استعراض مضمون وثائق “ويكيليكس” يستوجب فتح تحقيق قضائي رسمي، فإن تصريح السفير الفرنسي السابق في بيروت برنار ايمييه، إبان تموز 2006، يختصر حقيقة مشروع قوى “14 آذار”، حيث يقول ايمييه إن “14 آذار تريد من إسرائيل القيام بالعمل القذر”.
بطريرك جديد
بعد ثلاثة أيام من الانعقاد، انتخب مجمع الاساقفة الموارنة المطران بشارة الراعي بطريركا على انطاكية وسائر المشرق.
وما ان تم الإعلان عن اسم البطريرك المنتخب، حتى توافد السياسيون الى بكركي، بين مهنئ وساعٍ لاستشراف توجه الساكن الجديد للصرح، علما أن الخطوط العامة لمواقفه يمكن تلخيصها بأن الراعي “يخيفه سلاح حزب الله خارج الإستراتيجية الدفاعية” كما يقول. ويرى في السياسة اللبنانية “صراعا سنيا-شيعيا على حكم لبنان”. أما في موضوع الطائفية السياسية فيؤكد “وجوب توضيح التعابير” في هذا الإطار منعا لأي التباس. وفي ما يخص انتقاد بكركي، فيؤيد الراعي “الحرم”، بحسب القانون الكنسي، لمن “يتطاول على بكركي”.
البطريرك الجديد، الذي وُلد في بلدة حملايا قضاء المتن في العام 1940، معروف بقربه من الفاتيكان، وهو يشغل مسؤوليات دينية عديدة.
أبرز المواقف الصادرة من بكركي عقب انتخاب الراعي جاءت من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المعروف بانتقاداته السابقة للبطريرك الجديد، حيث تمنى فرنجية أن “لا نختلف دائما مع بكركي في السياسة، وأن يكون البطريرك الراعي منفتحاً على الجميع”.
وأعرب فرنجية عن إعتقاده بأنه “إذا أردات بكركي فرض موقف سياسي واحد على المسيحيين فهي تدخل في الطريق الخطأ
Leave a Reply