فاطمة الزين هاشم
بعد أن أرهقتنا كورونا بشهور ثقيلة من العزلة والتباعد، في صراع مرير مع الحقيقة القائمة التي تؤكد أن الإنسان كائن اجتماعي، بدأنا نتنفس الصعداء عبر تخفيف القيود والإجراءات الوقائية تدريجياً، كما عادت المجتمعات تمارس أنشطة الحياة كنعمة كبرى وكلها أمل بأن ليس هنالك من ظلام سديم إلا ومن ورائه انبثاق فجر.
شدت انتباهي منذ أيام قليلة، مجادلة عبر الراديو بين إعلامية أكنّ لها كل الاحترام والتقدير وبين البعض من جمهور المستمعين السلبيين، حيث أثارت موضوعاً مهمّاً جداً وحساساً في نفس الوقت، ألا وهو حقّ المُعاق في الحياة.
كان ضيف الحلقة شاب كفيف تزوج من صبية حسناء متعلمة، أحبّته رغم إعاقته وتزوجت منه لدماثة خلقه، وما أن بدأ النقاش بين الإعلامية وبين الضيف حتى انهالت الشتائم وإلقاء اللوم على تلك الفتاة، حيث اعتبرت أنها لم تحسن الاختيار، إذ كيف ترتبط بمثل هكذا شاب لا يتناسب مع وضعها السليم في حين أن بإمكانها الزواج من رجل يناسبها بدلاً من تأبطها ذراع الزوج الكفيف مدى الحياة؟
كانت التعليقات في منتهى الجهل والانحطاط والقسوة إذ لم تراعِ مشاعر الزوج الشاب الذي لم يكن له ذنب بما هو فيه.
لقد صُعقت بما سمعته من أولئك السلبيين، أوليس للمعاق حق في الحياة والدراسة والعمل والزواج كبقية خلق الله؟ ألا يكفي ما فعله به القدر؟
لديّ ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة، نذرت حياتي لها وهي مميزة عندي، أفعل كل ما بوسعي لإسعادها، فأحياناً يثير الواقع أفكارها فتبكي بصوت متحشرج بالغصات فأضمها إلى صدري وأربّت على كتفها فيتردّد إليّ صوت ضحكتها منتصراً على الجرح النديّ في دواخلها.
تقدّم شاب لخطبتها. حاله مشابه لحالها تربطهما علاقة حب بريئة، فطلبت مني أن أوافق وأساعدها على إتمام إجراءات الزواج، حاولت أن أعرف سبب اختيارها لهذا الشاب دون غيره؟ ففوجئت بجوابها المتعقل وكيفية تقديرها للأمور. قالت لي بالحرف الواحد: «ماما.. أنا اخترته لأن حاله كحالي، أتريدينني أن أتزوج من شاب سليم وأقع تحت وابل الاستهزاء والرفض من أهله؟». فشعرت بالارتياح الكامل، وقلت لها: كم أنت عظيمة يا ابنتي إنك تحملين عقلاً لا يحمله الكثير من الأصحاء.
قررتُ تزويجها رغم اعتراض العائلة لكي أجعلها تحيا كباقي البشر دون أن تشعر بالنقص أو تبعات الإعاقة، تمارس حياتها كما تشاء وتشتهي فذلك حق من حقوقها المشروعة.
ينتابني الشعور بالعجب من بعض الأهل ممن لديهم أبناء معاقون ويسيطر عليهم الخجل من وجودهم بينهم فيجعلون منهم أسرى البيت دون إتاحة الفرصة لهم بالاندماج في المجتمع والتمتع بالحياة الطبيعية التي هي حقهم، فهل الإعاقة عيب؟ هل هي وصمة عار كي يخجل منها الأهل؟ لو وضع كل إنسان نفسه موضع هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة فهل سيتقبل نظرة المجتمع القاسية له؟
ربما يكون لرجال الدين دور في التوعية بمثل هذا المجال الإنساني الحيوي، فالكثير منهم يصدحون على المنابر دون أن يتركوا فرصة إلا ويستغلونها في تذكير الزوجة بحقوق الزوج وغضب الله من التقصير بحقه متغاضين –في أغلب الأحيان– عن حقوق الزوجة. أليس الأجدى بهم توجيه الاهتمام إلى التوعية بحقوق المعاق والرفق به.
إن المعاقين فئة تستحق الاهتمام والمناداة بحقوقهم كباقي البشر وكفّ يد الظلم عنهم فهم يتمتعون بنفس الدرجة لدى الآخرين من عمق الأحاسيس التي يجب احترامها وعدم المساس بها، فالرحمة بهم جزء من استمرار الحياة، ذلك لأنّ الرحمة نسغ الحياة.
Leave a Reply