خليل إسماعيل رمَّال
قد يكون دخول البحَّارة الأميركيين إلى المياه الإقليمية للجمهورية الإسلامية ناجماً عن «خطأٍ مقصود» لتفحص المياه الإيرانية، كما يُقال بالتعبير الأميركي، وقد يكون فعلاً حصل عن غير عمد. ولكن مهما كانت الأسباب والخلفـيات إلاَّ أنَّ النتائج التي تمخَّضَتْ عنها أرست جملة من الحقائق على الأرض الخليجية هي فـي محصلتها النهائية، ليست فـي صالح الحلف السعودي الجديد:
١- لقد مُسِحَتْ إلى الأبد صورة الجمهورية الاسلامية الإيرانية المتهورة ذات الراديكالية الثورية التي تريد زعزعة الإستقرار فـي الخليج كما صوَّرها الغرب واتباعه من حكام الردَّة العرب خصوصاً مملكة آل سعود خلال ثلاثة عقود ونيٍّف، بعد أنْ حلَّت طهران موضوع البحَّارة الأميركيين فـي يومٍ واحد بعدما أظهر التحقيق أنهم فعلاً ضلُّوا طريقهم وقد أوصلت دبلوماسية كيري-ظريف الأزمة إلى بر الأمان بعد محاولة الجمهوريين الليكوديين فـي واشنطن الاصطياد فـي مياهها العكرة.
٢- تمت مقارنة التصرف الإيراني الحكيم مع هستيريا آل سعود، الذين كانوا يصوّرون أنفسهم بأنهم ملوك الاعتدال والتعقل (وكيف يستقيم العقل مع الفكر الوهَّابي الداعشي الظلامي التكفـيري؟!)، حيث أصبح هؤلاء مصدر الجنون والمجازفات الخطيرة والمكابرات التي وضعت المنطقة على كف عفريت فـي اليمن وسوريا والعراق.
٣- لم تتصرَّف إيران من منطلق ضعف أو بسبب تقيُّدها بأغلال الإتفاق النووي الذي أضحى تحصيل حاصل وسيجري تطبيقه خلال الأسبوع المقبل بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام طهران ببنود الإتفاق رغم أنف آل سعود وآل نتنياهو، بل تصرفت من موقع قوة بدليل قيام الحرس الثوري باتخاذ إجراءات سريعة مضادة لحاملة الطائرات الأميركية محذِّراً بأن أي فتح للنيران سيؤدٍّي لإطلاق صواريخ مضادة للسفن، من على متن بوارج حربية إيرانية، والأخطر من ذلك صواريخ بر ــ بحر البعيدة المدى، التي تنشر منها إيران الآلاف على طول سواحلها الجنوبية، فكان التلميح بأن أي اشتباك كان سيمثِّل أكبر خسارة عسكرية للولايات المتحدة، عبر ضرب قطعها البحرية بالصواريخ.
٤- لعل صورة البحَّارة وهم راكعون وأيديهم فوق رؤوسهم ثم وجودهم فـي غرفة وهم يتسامرون ويتناولون الطعام هي أفضل تعبير عن حذاقة ايران السياسية وتعاملها البارد والموزون والمنضبط مع وضع ساخن متوتر رغم أن إصبعها كان على الزناد، وقد هدف لتوجيه عدة رسائل استراتيجية للقريب والبعيد أولها أنَّ الأمر لها فـي منطقة الخليج وهي لن تتوانى فـي الدفاع عن نفسها حتى فـي وجه أميركا بإتفاق نووي أو بدونه، وثانيها موجَّه إلى مؤتمر «جبَّانة» الدول العربية الذي انعقد فـي القاهرة بأمر من حكام سعود لإدانة إيران الإسلامية بعد حرق السفارة والقنصلية السعودية فـي إيران اثر اغتيال الشهيد الشيخ نمر النمر (وهذه هي القضية الحقيقية)، رغم قيام الأخيرة باتخاذ إجراءاتٍ عقابية ضد الفاعلين. ولم يعترض على أوامر وإغراءات اَل سعود المالية إلا الوزير جبران باسيل صاحب الموقف المشرِّف بعد السقوط المدوِّي والمخزي للحكومة العراقية التي اختارت الركوع أمام آل سعود رغم حقد الوهَّابية الأسود وغضبها على العراق حكومةً وشعباً والتي لن ينفعها الارتزاق لها، كغيرها. لكن إيران قصدت تحذير من تحدثه نفسه من الحكَّام الجبناء الخانعين الراقصين الخدم لشاه ايران يوم كان سيدهم بلا منازِع، أنْ يقوم بمغامرة عسكرية ولو صغيرة لانها ستكون وخيمة العواقب عليه وعلى آله.
٥- مهما كابر آل سعود ومرتزقتهم وتصلب موقفهم فـي لبنان من خلال وضع حظر على حليف المقاومة العماد عون والايحاء بمعاقبة لبنان بسبب عدم خنوعه الكامل لهم، لكن المستقبل ليس فـي صالح محور الظلام وما الإنتصارات العسكرية السورية الأخيرة إلا مؤشر على المقبل من الأيام!
Leave a Reply