مريم شهاب
«النساء اللواتي يركضن مع الذئاب» هو كتاب رائع ومفيد لسيدات مجتمعنا، يتحدث عن موضوع إبداع المرأة، ليس فقط في مجال العمل والفن والأدب والسياسة، بل يتحدّث عن إبداع أهم وأكبر، هو إبداع الحياة ذاتها.
في الواقع عنوان الكتاب لا يتحدث عن ذئاب أو تحرش أو فساد، ولكن يتحدث عن المرأة عندما تقرّر أن ترفض شروط وقوالب المجتمع التي ترسم للمرأة حدوداً معينة لا يجوز لها أن تتعداها. ذلك المجتمع، الموجود في كل أصقاع العالم تقريباً، الذي قد يقتصر النظر إلى جمالها أو أنوثتها أو دورها في حياة الرجل أو دورها في المطبخ، ولا ينظر إليها كإنسانة مبدعة.
مؤلفة الكتاب تدعى «كلاريسّا بينكولا إستيس»، تعمل في طب التحليل النفسي، وقد اعتادت أن تقابل النساء اللواتي انفصلن عن حاستهن الإبداعية، ثم وجدن الحياة مستحيلة، ودخلن في المعاناة والاضطرابات النفسيّة وبعضهن وصل إلى الانهيار والانتحار.
وحسب الكاتبة الأميركية، الانفصال عن حاسة الإبداع هو حالة السيدة التي تجد نفسها محاصرة بين العمل والوظيفة والبيت. المرأة التي عليها أن تنجح كموظفة وتنجح كزوجة، وتنسى منابع الإبداع فيها، الإحساس بالجمال وبالشعر وبالأدب، فيُهمل الإيقاع الداخلي للعواطف السامية.
هذه المرأة التي تعمل في خدمة الزوج والأولاد حتى نهاية عمرها، فلا يكون لديها متسع من الوقت لتدرس فناً أو تنمي موهبة أو تجرب كتابة قصة أو قصيدة أو تتعلم العزف على آلة موسيقية.
تكتب «كلاريسّا» كتابها هذا، عن النساء اللواتي ترددن على عيادتها فوجدت أن أكثر الاضطرابات النفسية والزوجية التي يعانين منها تراكمت نتيجة إهمالهن لحاسة الإبداع في الحياة.
إحدى المريضات، امرأة بسيطة كانت تحب العزف على البيانو. بعد الزواج لم تجد الوقت الكافي للعزف. إحدى المؤسسات التعليمية، وبعد اختبارها، أعطتها منحة مجانية للتخصص بدراسة البيانو. رفض زوجها وهددها بترك المنزل وهجرها هي وأولادها. فرضخت الزوجة وفضلت الزوج والأولاد. وبعد فترة، لازمها اكتئاب حاد. استطاعت المحللة النفسية «كلاريسّا» أن تعثر على الخلل وأن تساعد المرأة على استعادة حبَّها للحياة وإقبالها عليها، بعد أن أقنعت الزوج بالسماح لها بقبول المنحة.
قصة أخرى عن زوجة ممتلئة بالحيويّة والنشاط، متزوجة من رجلٍ جامد الطبع قليل الحركة، ورغم غناه ومركزه المرموق وجدت حياتها معه لا تطاق. هي تحب الحياة وتريد الانطلاق وهو يعيش روتيناً محدداً بين مكتبه وبيته ويريد وضعها في قفص من ذهب.
هذا التناقض الصارخ بين الزوج والزوجة أدّى إلى سقوطها مريضة متوترة، رافضة للحياة.
إن عملية قهر المرأة هو الموضوع الأساسي في قصص «كلاريسّا» وما تسعى لقوله للعالم، وليس للمجتمع الأميركي فقط، أن اتركوا المرأة تعبِّر عن نفسها، اتركوها تضيف إلى الحياة بدلاً من أن تصبح عبئاً عليها.
لقد نشر كتاب كلاريسا في أكثر من عشرين طبعة خلال أقل من ثلاث سنوات. والنجاح ليس فقط في جمع المال والمنافسة للوصول إلى المراكز العالية، والبكاء ليلاً وتعاطي المهدئات من أجل ساعة نوم، بل يكمن النجاح في الإبداع الإنساني الإيجابي بهواية تريح النفس وتسمو بالروح.
Leave a Reply