لدى عرب ومسلمي أميركا ما يبرر مخاوفهم وقلقهم من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا سيما وأنه جعل من التخويف و«رهاب الأجانب» عناوين رئيسية في حملته الانتخابية، وقد كان ذلك سبباً مقنعا لكي يبدي العرب والمسلمون الأميركيون تخوفهم من انتصار المليادرير النيويوركي.
وعلى الرغم من ذلك فقد صوّتت أعداد قليلة من المسلمين الأميركيين لترامب في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على أمل منهم أن تخفت مواقفه العدائية ومقترحاته السياسية الراديكالية حالما يتمكن من تحقيق طموحه بالوصول الى سدة الرئاسة.. فيما تبقى الأغلبية في المجتمعين العربي والإسلامي في الولايات المتحدة قلقة ومتوجسة من الأيام القادمة لسببين رئيسيين هما:
أولا، الانتهاك الصارخ للدستور الأميركي، سواء من خلال السماح أو منع الأفراد من دخول البلاد على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.
ثانيا، إن المسلمين الذين كانوا مثل غيرهم عرضة للإهانات والتهديدات والتصريحات المسيئة من قبل ترامب، كانوا يأملون بعد خطاب النصر المعتدل أن تكون أولوية الرئيس الجديد هي الشروع في توحيد البلاد والتخلي عن الإيحاءات المثيرة للانقسام التي كانت تعج بها حملته الانتخابية، لكن الأسماء المتداولة لتولي مناصب حساسة في إدارته الجديدة لا توحي بأن الخطاب المعادي للأجانب والأقليات سيخفت في قادم الأيام.
إن المسلمين الأميركيين –كسائر المواطنين– يعلمون علم اليقين أن نظام الحكم في الولايات المتحدة يقوم على مبدأي المراقبة والتوازن، ويعرفون أن سلطة الرئاسة مهمة، ولكنها ليست السلطة الوحيدة التي ترسم وتفرض سياسة البلاد.
كما أن أكثر من نصف الناخبين الأميركيين قد صوتوا ضد الرئيس المنتخب، ويمكننا الافتراض أن معظم المسلمين الأميركيين هم ضمن هذه الفئة التي لم تكن ترغب برؤية قطب العقارات النيويوركي يتولى أعلى سلطة تنفيذية في المكتب البيضاوي. وحتى هؤلاء الذين صوتوا لترامب فليس من الضرورة أنهم يوافقون على سياساته وخطابه السياسي المتشنج، فالنزعة الخيرية في الروح الأميركية لم تستسلم أو تمت في 8 نوفمبر، بل تمثلت سريعاً من خلال الاحتجاجات والتظاهرات التي عمت أرجاء العديد من المدن الأميركية الكبرى غداة انتخابه، والتي حفزت المدافعين عن الحقوق المدنية والدستورية في كافة أنحاء أميركا ودفعتهم إلى التعهد بالكفاح والنضال من أجل صون كرامة جميع الأميركيين.
لقد أبلغ مواطنون أميركيون في مدينة لانسنغ جيرانهم المسلمين أنهم يرفضون تعصب ترامب، كما قامت العشرات من طالبات مدرسة ثانوية في ولاية مينيسوتا بالتعبير عن تضامنهن مع طالبة مسلمة كانت تشعر بأنها مرفوضة لكونها ترتدي الحجاب. وهذا يعني أن العرب والمسلمين الأميركيين ليسوا وحدهم في هذه المرحلة العصيبة، كما أنه لا يمكنهم أن يتنحوا جانبا وإنما ينبغي عليهم أن يكونوا في صلب هذه المعركة من أجل الدفاع عن حقوقهم وحمايتها من دون أن ينجرفوا في الجهود الرامية الى إفشال عهد ترامب حتى قبل ولادته.
فليس من مصلحة العرب والمسلمين في أميركا أن يظهروا بمظهر المعرقل وأن يضعوا العصي في دواليب مشروع إعادة بناء أميركا، الذي وعد به ترامب الناخبين، ولكن في نفس الوقت عليهم أن يكونوا مستعدين للدفاع عن حقوقهم المعرضة لمزيد من الانتهاك.
إنه لمن المحزن أن نرى بلادنا منقسمة هذا الانقسام العميق والخطير الذي لم تشهد له الولايات المتحدة مثيلا منذ ما بعد الحرب الأهلية الأميركية. فها هي المظاهرات تجتاح شوارع المدن الأميركية بعفوية، لا كما يحاول أنصار ترامب الإيحاء بأنها مدفوعة من القوى اليسارية والليبرالية المرتبطة بالحزب الديمقراطي.
هي حركة شعبية تتصرف من خلال رد الفعل على الفساد والسياسات المنهجية التي وضعت الأميركيين أمام مفترق خطير، ألا وهو مأزق «اختيار أهون الشرين رئيسا للبلاد».
بالنسبة للكثيرين لقد أصبح ترامب وجها للأمة الأميركية المشوهة. صحيح أنه الرئيس المنتخب وينبغي على جميع الأميركيين –بمن فيهم العرب والمسلمون– الامتثال للعملية الديمقراطية التي توجته رئيسا للبلاد، ولكن ذلك لا يعني الاستسلام للتعصب والكراهية والخوف ورهاب الأجانب، وعلينا بالتالي عدم الاستسلام لمن يعتزم تجريدنا من حقوقنا ودفعنا إلى الانزواء والامتهان. نحن مدينون لأميركا.. وعلينا أن نكون جزءاً دائماً في معركة الحقوق والمساواة بين جميع المواطنين.
إن خيارات ترامب الأولية لعضوية إدارته قد بددت بسرعة آمال من كانوا يعتقدون أن خطاب ترامب العدائي كان مجرد خطاب لاجتذاب الناخبين، وهذه الخيارات تؤجج نيران الخوف والتوجس من أخذنا إلى أماكن مجهولة وخطيرة، قد تعود بنا مئة عام إلى الوراء.
إنها بلا شك أوقات عصيبة وحافلة بالتحديات، ولكننا في الوقت ذاته نعرف أن الدستور يحمينا جميعا، ولكن ثمة مسؤولية كبيرة اليوم تقع على عاتق العرب والمسلمين الأميركيين توجب عليهم مضاعفة جهودهم في بناء التحالفات مع الأقليات والمجموعات الإثنية الأخرى، على المستويين المحلي والوطني، مع الحفاظ على علاقات طيبة مع مواطنينا البيض.
إنه لمن المحتم علينا أن نبحث عن أرضية مشتركة مع الأفارقة الأميركيين واليهود الأميركيين واللاتينيين والآسيويين وغيرهم. وعلى جاليتنا أن تقوي أواصر علاقتها مع نشطاء ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية والدستورية، مثل «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» (أي سي أل يو) و«المركز القانوني للفقر في الجنوب» (أس بي أل سي) وغيرها، كما يجب على العرب الأميركيين أن يدعموا منظماتهم الحقوقية العربية التي تقع على عاتقها مسؤولية الدفاع عن حقوقهم وصونها في الأيام القادمة.
Leave a Reply