في حرب تمُّوز (يوليو) ٢٠٠٦ إضطُرَّتْ إسرائيل الى الرَّد على عار الكمين الذي نصبته لها المُقَاومة اللُّبنانيَّة وأسَرَت فيه جُنوداً لها فتصرَّفتْ كالثَّور الهائج واندفعَتْ للحرب من دون وعي وقبل أنْ تَسْتكْملَ خطَّتها التي كانت تُعدُّها وتتدرَّبُ عليها سرَّاً للقضاء على المُقَاومة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام ٢٠٠٦ وهو الموعد الإسرائيلي لشنِّ الحرب على لبنان. وبسبب عَدَمْ جُهُوزَّية العدوِّ وفُقدانه لعُنصُر المفاجأة المشهور به مقابل استعداد المقاومة، فُضِحَ «حريم إسرائيل» في حرب تموز بهزيمةٍ مُزلزلة مُجلْجلِة ما زالَتْ تداعياتُها مستمرَّةً حتى اليوم. السيِّد حَسَن نصرالله كشَفَ هذه المعلومة الخطيرة التي جعلَتْ عملية المُقَاومة من حُسنِ الصُدف والفِطن والألطَاف الإلهية، لكنَّ الزرقاويِّين والذيْليِّين «تنْحَروا» على جُملةٍ واحدة قالَها السيِّد بسبب رِقَّة قلبه وحُزْنه على وقوع، ولو أَدْنى خسَارة في البلد العاقّ، حول تمنِّيه عَدَمَ وقوع الحرب، فحملوها مُجْتزأةً من النَّص ودَاروُا بها يكرِّرونها بمناسَبةٍ أَو بدون مُناسَبة.
مناسبةُ هذا الكلام الآن هي بروز ظاهرة «العناترة» الذين يريدون أَنْ ترُدَّ سوريا وبسرعة من دون تفكير وكيفما اتَّفق على الضربة الإسرائيلية المُجرمة الأخيرة في جَبَل قاسيون وجمرايا ومطار دمشق، التي جاءَتْ لمُساندة الجماعات التكفيريَّة الإرهابية العَرْعورية.
البعض من هؤلاء هم من المؤيِّدين لسوريا وحتّى من السوريين أنفسهم من الذين «احترق» وغليَ دمَّهم لتجرُّؤ العدوِّ مجدَّداً على ضرب عمق الجمهورية العربية السوريَّة من دون أنْ يُحرِّك النظام ساكناً الَّا بالكلام عن الرَّد «في الوقت المناسب» الذي يبدو أنَّه لن يأتي أبداً ممَّا يُطلقُ يدَ العدوّ في استباحة سوريا بعد أنْ كفَّت المُقَاومة شرَّه وردعَتْه عن لبنان. لدى هذه المجموعة من المطالبين بالرد تساؤلٌ مُحِّق ومشروع. وبالفعل يتوجَّب أنْ يصدرَ الرَّد السوري من أجل رسم الخطوط الحمر لأنَّ إسرائيل لا تفهم إلا لغة القُوَّة. لكن الذين لا يحقُّ لهم الكلام هم الشامتون والمتهكِّمون و«الليبراليون» من صغار الكَسَبة من الإعلاميين و«المحللين» المُرتزقة لدى الصحف السُعُوديَّة والحريريَّة الذين كانوا حتَّى الأمس القريب يُسخِّفون فكرة المُقَاومة ويدعُون إلى مصالحة العدو وبيع القضيَّة لكنَّهم الآن يريدون من سوريا أنْ تحمِلَ لوحدِها وِزرَا لحرب مع عدوٍّ شرسٍ وراءَهُ أقوى دولة في العالم بكل إمكاناتها وطاقاتها. هدفُ هؤلاء هو أنْ يتخلَّصوا من النِّظام لا مُحاربة إسرائيل الَّتي أصبحَتْ في حِلفٍ علنيٍّ معهم بدليل أن كاميرات محطات الصرف الصُّحي التلفزيوني مثل «العبرية» و«التزويرة» كانت موجودة ومثبتة باتجاه في مواقع القصف وكانت أوَّلَ من نَقَل الخبر كما إنَّ الدول المتآمرة على سوريا علِمَتْ بالعُدوان مُسبقاً وهذا ما يُفسِّر ردَّ الجيش العربي السوري تسعَ هجماتٍ ارهابيَّة سلفِيَّة مُتزامنة مع العُدوان، على مواقع الجيش في مطار دمشق والعاصمة.
لقد أبدت المُقَاومة وسوريا وإيران ضبطاً شديداً للنفس من اجل إحباط الخُطَّة الجهنمية التكفيريَّة الصهيونيَّة المُشتَرَكة والتي تتلخَّص بالآتي:
قامت إسرائيل بضربتها المحسوبة بدقَّة والَّتي اعتبرتْ أنَّها لا مفرَّ منها بعد انكشاف أمر الطائرة الغامضة من دون طيَّار التي قالتْ كذِباً أنَّها أسقطتها في داخل فلسطين المُحتلَّة الأسبوع الماضي مُتَّهِمةً «حزب الله» بإرسالها لكن الحزب الذي لا يخجل من إعلان إنجازاته العظيمة ضدَّ إسرائيل نفى ذلك. وحسبَ المصادر الاعلاميَّة الوثيقة فان الطائرة هي إسرائيلية أرسلها العدو من أجل التجسُّس على لُبنان وسوريا فخرَقَتْها المُقَاومة كما فعلَتْ عندما كشفَتْ عملية «أنصارية» وكما حلَّلتْ شيفرة طائرات الاستطلاع التي كانت تُرسل الى القيادة داخل الكيان، وأعادتْ الطائرة الى داخل فلسطين حيث تحدَّتْ إسرائيل في أرقى تقنياتها وفجَّرتها بوجه نتنياهو الذي كان على متن طائرة ثانية فأُجبرَ على الهبوط الاضطراري. لذا سارعت إسرائيل الى العدوان على سوريا حتَّى لا تُكشْفْ خُطّتُها العسكرية نتيجة خرق المقاومة.
حسبتْ إسرائيل أنَّ النِّظام سيقومُ بردِّ فعلٍ عشوائي كانت إسرائيل مُتهيِّئَةً له ممَّا سيستتبع قصفاً جوِّياً متواصِلاً لكل الأراضي السورية (carpet bombing) وعزْلِها عن بعضها البعض بحجَّة الدِّفاع عن أمن اليهود ومنع استخدام السلاح الكيميائي، بالتوازي مع هجومٍ بريٍّ لإِرهابييٍّ الداخل للسيطرة على المدن الحيوية التي أُجتُثُّوا منها وإعلان مناطق حظر جوِّي وبدء السيطرة على الحُكم. وهكذا توجِّهُ إسرائيل الضربة القاتلة لخصمها الأوحد، لكنَّ تفويت النظام الفرصة على إسرائيل أفشَلَ هذا الانقلاب والاستنزاف لقدرة النظام وتجنَّب الخطأ الصهيوني في تمُّوز (يوليو) ٢٠٠٦ عندما جُرّ إلى المعركة بسبب صلَفه وعنجهيته. فإذا كانت إسرائيل التي تملك كل الإمكانات وقعَتْ في فخ ردِّ الفعل وانكسَرَتْ، فما بالك بالنِّظام الذي يُحارب ١٤٠ دولة في العالم رصدتْ حتَّى الآن أكثر من مليار دولار لتخريب سوريا، ناهيك عن كل شُذَّاذ الآفاق الَّذين -يا للعار- هلَّلوا وكبَّروا من المآٓذن للقصف الصهيوني من دون خجلٍ أو وازعٍ من ضميرٍ أو دِين؟!! هذا عدا عن دعوة مفتي «الناتو» يوسف القرضاوي الغرب، عشيَّة الإجرام الصهيوني، الى التدخُّل العسكري في سوريا ثمَّ تحمُّله عناء السفر الى غزَّة في هذا الظرف بالذات (وبحماية من؟) من أجل تدجين «حماس» نهائياً بعد أنْ نسِيتْ أنَّ القرضاوي وأسياده تركوا غزَّة تُذبح مرَّتيَن لولا مساعدة سوريا وإيران والمقاومة. على كلٍّ أثبتَتْ «حماس» عن حسن سلوكها بقمع التظاهرة المؤيَّدة لسوريا ضدَّ إسرائيل بأمرٍ ربَّما من خالد مشعل الساكن في قصرٍ في قطر متناسياً فضل سوريا وعاملاً على إطفاء القضية لولا أشخاص نبلاء مثل الزهَّار وشَلَح.
كانت الخطَّة الإسرائيلية تتضمَّن توسيع المعركة الى لبنان من أجل القضاء على المُقاومة الّْتي تظنُّ إسرائيل أنَّها مُنهَكَة ومشغولة في الحرب السورية لكنها ذُهلت عندما قام بعضُ «كشَّافة حزب الله» وهم ذات كشَّافة «تأديبة ٧ أيَّار» في بيروت، بتطهير المدن الُّلبنانية والحدودية السورية الاستراتيجية من التكفيريِّين وبسرعةٍ قياسيَّة رغم القدرات الهائلة لجحافل (!) المليشيات الشبحيَّة الطاحونيَّة التابعة لمفتي الطرب فضل شاكر وأحمدالأسير والرافعي وفستق الناكر للجميل والذي آواه «حزب الله» بعد أنْ «زحَّطَه» السلفيون. بالمُناسبة، مبروك للأسير والرافعي على السباب والشتائم التي كالها لهما شيخٌ في القصير بسبب جُبنِهما وبيعهما «الثوَّار» في سوريا الكلام الأجوف عن الجهاد فقط، رُغم إنَّ الأسير بن شدَّاد أصَدَر فيديوهات عن مغامراته في القصير وغيرها تبيَّن أنَّها صُوِّرتْ ربَّما في أحد استوديوهات فضل شاكر الفنِّية! فعلاً إنَّ طابخ السُّم آكله.
كان باستطاعة سوريا تشتيت قواتها واطلاق بعض الصواريخ طالما إنَّ الحرب الشاملة مُستبعدة، لكن الرَّد السوري الصائب يكون بالاعلان الذي أكَّد فيه الرئيس إنَّ سوريا أصبحت دولة مقاومة وبالاستمرار في الحفاظ على النَّظام ورأسه ثم تطهير باقي المناطق من فلول التكفيريِّين لأنَّهم والصهاينة عملة واحدة. ولعلَّ الفعل السوري المدروس والموزون والمُتعقِّل بالتفاهم مع المقاومة وإيران، قلب السحر على الساحر وفتح كل الخيارات أمام المقاومة من ضمنها تحريك جبهة الجولان وامتلاك كل الأسلحة النوعيَّة الكاسرة للتوازن من المخازن السورية. الرد السوري بعدم الرد حوَّل نصر إسرائيل الى هزيمة خصوصاً بعد الاتِّفاق بين روسيا وأميركا حول مؤتمر جنيف وتراجُع مطالب الغرب برحيل الأسد، وكذلك في تحوُّل الموقفيَن الأردني والمصري وافتضاح دور «القاعدة» في سوريا وهذا ما لا يستسيغه العالم، لاسيما بعد انكشاف لُعبة السلاح الكيميائي الذي ذكرَتْ أعلى سُلطة أممية مُخوَّلة النظر فيه إنَّ المُعارضة هي الَّتي استخدمته وليس النَّظام، وعلى ما يبدو فإنَّ الدول الحاقدة على الشعب السوري تريد القضاء عليه بأيَّة وسيلة فأعطتْ الارهابيِّين غاز «السارين» فلم يعرفوا كيف يستعملوه وانقلبَ عليهم لانَّ السلاح بيد هؤلاء… يجرح!
Leave a Reply