«كول –من أكل– من إيد صاغت وباعت، ولا تأكل من إيد سلَقت وجاعت» المثل الجميل الذي ذكرني وأنا في جلسة نسائية احتفاءً، بصبية لطيفة، قدمت إلى ديربورن كخطيبة لشاب «حليوى وأفندي».
والصبية الحلوة ولثقتها بنا، نحن صديقات ومعارف والديها في لبنان، أحبت أن تأخذ رأينا في خطيبها التي يدعوها باستمرار للغداء أو العشاء «على الماشي» في مطاعم «مكدونالد» أو «بيرغر كينغ»..
في إحدى المناسبات «زركته» فدعاها لتناول الطعام في مطعم فاخر. بعد العشاء أتى النادل ليرى طلباتهما من الحلويات. ولأن الصبية الحلوة مهتمة برشاقتها طلبت للتحلية قطعة بطيخ فقط، ولكن خطيبها ألغى الطلب قائلاُ لها: «إن ثمن حز البطيخ في هذا المطعم الفاخر يساوي ثمن أربعة بطيخات من السوق». الصبية محتارة في أمرها هل تكمل مشوار الزواج مع هذا الخطيب البخيل أم لا؟؟.
هذا الحديث فتح شهية السيدات الموجودات للفضفضة وللكلام عن أزواجهن، وحلم حياتهن. فهذه زوجها يطلب منها استخدام ما تبقى من طعام في اليوم التالي بدل أن تعطيه لجارهم العجوز والذي يعيش وحيداً.
وتلك زوجها لا يعطيها مصروفاً شخصياً في يدها، بدعوى أنه يتكفل بجميع نفقات البيت، فلا داعي لأن يكون لها مصروف خاص حتى لشراء حاجاتها النسائية الضرورية.
ثم تناولت الحديث إحدى السيدات وقالت: بعد سنوات عديدة مديدة لم أتلق هدية في حياتي من زوجي، لا أيام الخطوبة ولا أيام الزواج، فهو يعتبر أن الهدايا نوع من الإسراف لا يقع فيه الرجل العاقل، ودائما يردد على مسامعها: ما قيمة أن أشتري لك ورداً أو عطراً أو –لا قدر الله – خاتماً ذهبياً، مبرراً بخله بأنه يدخر قروشه البيضاء لأيامه السوداء.
إحدى الموظفات قالت أن زوجها يستولي على مرتبها كل أول شهر، ثم يحدُد لها مصروفاً ًبالكاد يكفي لتملأ خزان سيارتها بالوقود، وهي محرومة حتى من شراء كوب قهوة أو قنينة ماء بارد، هذا مع العلم أن زوجها يشغل وظيفة مرموقة تدر دخلاً كبيراً. وسيدة أخرى قالت إن منزلهم لم يشهد دعوة غداء أو عشاء سواء للأقارب أو الأصدقاء. لماذا؟؟ لأن زوجها يجد في هذه الدعوات إسرافاً لا مبرر له وتضييعاً للوقت.. و«أصلاً العالم منها فاضية».
سيدة جميلة قدراً وسناً شاركت الحاضرات بتجربتها، فقد كانت تحب زوجها وتعتبره مثلها الأعلى وتعرف قبل الزواج منه إنه حريص، لكن بعد الزواج اكتشفته أحد بخلاء الجاحظ. تحملت بخله على أمل أن تصلح من حاله، ولكنه تمادى وتجاوز كل الحدود حتى أنه كان يمنع المصروف عن أولاده ويقول: ما داموا يتناولون طعامهم في البيت، فلماذا يأخذون مصروفاً يبددونه في «كلام فارغ».
ونعود للمثل في أول المقال، بعض هؤلاء الأزواج بخلاء بالوراثة وهؤلاء من الصعب أن يتغيّروا حتى لو صار لديهم مال قارون. والبعض الآخر، ربما نشأوا في بيئة فقيرة وعانوا من الفقر فهم في خوف منه رهيب، فيجمعون المال ويحرمون أنفسهم وأهاليهم من متع الحياة خوفاًُ من الفقر، والبعض يبخلون على ذويهم وعائلاتهم على سبيل القسوة، فهم بخلاء وقساة في نفس الوقت.
وللأسف، إن البخيل ليس بالمال فقط، بل بالعواطف والمشاعر أيضاً، لأن من يبخل بماله يبخل بعواطفه، وهذا هو أشر البخلاء.
أما العروس المخطوبة.. فربما عليها مناقشة خطيبها في مسألة المال من الآن، وعليها أن تلومه على ما فعل مع حزّ البطيخ. فما أوله شرط آخره نور.. أما ما أوله عتمة فآخره بطيخ.
Leave a Reply