فاطمة الزين هاشم
تعيش المرأة المطلّقة وكأنّها قد ذهبت إلى الخطيئة وليس إلى عشّ الزوجية حين تعود إلى بيت أهلها بعد خراب ذلك العشّ الذي أرادته أن يكون ذهبيّاً وآمناً، لتلاقي بعد طلاقها المعاملة القاسية وتصبح أشبه بمرض بين أهلها لا بدّ من استئصاله.
لا ينتبه الجميع إلى أنّ ما تتعرّض له الزوجة قبل طلاقها هو أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق، إذ أن الغالبية العظمى من نسائنا يتزوّجن وفق رغبة الأهل وأحياناً دون موافقة الفتاة التي عليها أن تتحمّل تبعات ذلك، مهما اشتدت المذلّة والإهانات التي تتعرّض لها دون اعتراض، وعندما تطلب الطلاق يضع الجميع اللومَ عليها دون النظر إلى مواقف الزوج الظالمة وسوء معاملته للزوجة، ومن دون أن يعوا أنّ المرأة هي إنسان لها ما للرجل من الحقوق في التعامل الإنساني، على الأقل هنا في الولايات المتحدة.
ولكن المرأة هنا أيضاً إذا عادت إلى بيت أبيها تُعامل كخادمة دون مراعاة لمشاعرها وتخفيف وطأة الظلم عنها.
وعندما تحاول المرأة المطلّقة الخروج إلى سوق العمل لتعيل نفسها وتتستقل في حياتها، تتعرّض في بعض الأحيان إلى التحرّش من قبل رئيسها أو زملائها أحياناً، لسبب بسيط هو أنّها مطلقة.
وإزاء مثل هذا التصرّف الشائن ينسون أنّ المرأة هي أمّهم أو أختهم وأمّ كلّ الرجال، كما قد تكون ابنتهم يوماً ما مطلقة، ربما لأن هناك نسبة من المطلقات غير المحترمات اللواتي تبدر منهنّ تصرّفات مريبة لا تنمّ عن الإلتزام الخلقي أو الديني.
بعض الرجال بخاصة لا يفكرون في المرأة سوى كونها أداة لتحقيق مآربهم فيعتقدون بأنّ كل فتاة مطلقة هي لقمة سائغة المنال متى ما راودتهم أنفسهم في استغلالها.
أعرج هنا على نظرة النساء المتزوجات إلى المرأة المطلّقة، حيث ينظر البعض منهن إلى المطلّقة على أنها مشروع لخطف أزواجهن، ويخشين من ذلك فيقمن بتشويه سمعة المطلّقة القريبة منهن، ويمنعنها من دخول بيوتهن.
أنا لا أنكر وجود بعض الاستثناءات من المطلقات اللواتي يتلاعبن بحياتهنّ كما يتلاعبن بحياة الآخرين، وأذكر هنا قصة رجل كأن يأتي بإحداهن إلى زوجته قائلاً لها إنها مسكينة وليست لها أقارب وتعمل معه زميلة في العمل، فتشفق عليها الزوجة وتكرمها عن طيب خاطر، ويكبر الخداع إلى أن ينجب منها أطفالاً.
ومن المظاهر الأخرى التي نعايشها في جاليتنا النساء اللواتي يعشن في بيوت أزواجهنّ حياة شبيهة بحياة المطلقات خشية أن تصبحن مطلقات، فيرتضين بمرارة الحياة على أن يتعرّضن للنظرة الدونية في نظر العائلة وحتّى أمام أطفالهنّ.
وما يجبر العديد من النساء المتزوجات على تحمّل ظلم أزواجهن هو المحافظة على قربهنّ من أبنائهنّ، حيث يضطررن إلى أن يصبرن على الذلّ والضيم والضرب أحياناً لكي لا يعشن بعيداً عن أولادهنّ، وأيضاً لأنهنّ لا يردن أن ينادى على بناتهنّ بـ«بنات المطلّقة» لأنّ ذلك قد يؤدي حسب العادات والقاليد إلى الإحجام عن طلب أيديهنّ، وفي أحيان كثيرة قد تجبر المرأة نفسها على النظر إلى وجه زوجها الخائن أو الظالم، وفي قلبها جرح تأتّى منه لا يندمل، كلّ هذا من أجل أن تزوّج أبناءها وتحفظ قدرهم في المجتمع، لتكون في النهاية هي لوحدها الضحيّة.
ومن المعروف أنّ المرأةَ غالباً لا تقدم على طلب الطلاق إلا إذا استحالت الحياة مع الشريك، وفي كثير من الأحيان يقدم الزوج على الطلاق لأسباب أهون من ذلك، فيختلق المشاكل ليذهب إلى مبتغاه، ويضرب العائلة بعرض الحائط دون خوف من الله.
إذاً ما ذنب المطلّقة كي تلاقي الاضطهاد من المجتمع فوق هذا الظلم؟
Leave a Reply