قمع المتظاهرين الرافضين لنتائج الانتخابات .. ومحاولة فاشلة لاغتيال الكاظمي
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تتزاحم الأحداث المتلاحقة على الساحة العراقية، ولا يقل أحدها أهمية عن الآخر. فبعد الأزمة الناشئة عن اعتراض شريحة واسعة من الشعب على نتائج الانتخابات، توسّعت الاحتجاجات وبلغت مشهداً دموياً، ووقعت محاولة اغتيال فاشلة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
لا شك أن تراكم الأحداث والمواقف أنتج احتقاناً كبيراً في الشارع العراقي، فنتائج الانتخابات التي مثلت ما يشبه الصدمة لقوى كانت تعتبر نفسها رقماً صعباً على الساحة الداخلية، دفعت المعترضين عليها للنزول إلى الشارع في عدد من المدن والمحافظات ونصب الخيام أمام بوابة «المدينة الخضراء»، حيث ساد التوتر الشديد، وانزلق المشهد نحو مواجهات دامية بين المتظاهرين والقوات الأمنية، ما أدى إلى سقوط قتيلين من المتظاهرين ونحو مئة جريح.
وكانت الاعتراضات قد تعالت على خلفية رفض نتائج الانتخابات وسط شكوك بحدوث عمليات تزوير واسعة، استدعت تقديم العديد من الطعون، وهو ما أدى إلى تأجيل الإعلان عن النتائج النهائية إلى حين البت بالطعون المقدمة.
وقدرت وكالة أنباء الإعلام العراقي وجود 948 ألف ورقة اقتراع باطلة خلال الانتخابات الأخيرة، كما قال مدير الإجراءات والتدريب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، داوود سلمان، إن عمليات العد والفرز اليدوي ستجري في حال عدم اقتناع الهيئة القضائية بها. ويُذكر أن هناك أكثر من 20 محطة حدث فيها تغيير في النتائج بعد إعادة عد وفرز الأصوات.
قمع المتظاهرين
وفي مشهد دراماتيكي، تحوّل مكان الاعتصام أمام «المدينة الخضراء»، يوم الجمعة الماضي، والذي أٌطلق عليه «جمعة الفرصة الأخيرة» إلى ساحة مواجهات مع القوات الأمنية التي استخدمت العنف المفرط والرصاص الحي.
على الأثر، ساد التوتر أجواء الساحة العراقية، وأُضيف إلى مطلب إعادة الانتخابات مطلب التحقيق في مقتل المتظاهرين وسقوط الجرحى وسَوق الفاعلين إلى العدالة. وفي اليوم الذي تلا المواجهات مع القوات الأمنية، نُصبت خيمة عزاء للضحايا، فيما وعدت حكومة الكاظمي باحتواء الموقف، وأكدت توجهها لفتح تحقيق عادل. كما أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، يوم الأحد الماضي، عن تشكيل هيئة تحقيق في الاعتداءات على المتظاهرين، لكن هذه التطمينات قُوبلت بالتشكيك من قبل المحتجين.
وقد زار خيمة العزاء الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» الشيخ قيس الخزعلي، ورئيسا الوزراء السابقين عادل عبد المهدي وحيدر العبادي.
وأدانت غالبية القوى العراقية استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين. فقد طالب رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري بمحاسبة من أصدر الأمر بإطلاق الرصاص الحي، وكذلك فعل الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، فيما دعا رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، المتظاهرين إلى عدم التصعيد واتباع سياقات قانونية للطعن في نتائج الانتخابات.
من جهته، غرّد زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، خارج السياق –كالمعتاد– قائلاً إنه ينبغي ألا تتحول التظاهرات السلمية الى تظاهرات عنف واستصغار للدولة.
محاولة اغتيال أم سيناريو مفبرك؟
وبعد أقل من يومين على حادثة مقتل المتظاهرين، استفاق العراقيون على محاولة اغتيال رئيس الحكومة المنتهية ولايته بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة استهدفت منزله في قلب المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد. وفي التفاصيل، فإن طائرة مسيّرة حلّقت في محيط منزل الكاظمي لأكثر من ثلاث دقائق، وقام طاقم الحماية بإطلاق النار عليها لإسقاطها، لكنه لم يتمكن من ذلك. فيما طُرحت علامات استفهام حول عدم تفعيل منظومات الاستشعار في السفارة الأميركية.
على الأثر، عُقد اجتماع أمني، توعّد الكاظمي على أثره، في بيان نشره مكتبه، بملاحقة مرتكبي الجريمة، مؤكداً أنهم «معروفون، وسيتم الكشف عنهم»، واصفاً الاعتداء على منزله بطائرات مسيّرة بالعمل «الجبان».
بالتزامن، عقد الإطار التنسيقي للقوى السياسية في العراق اجتماعاً بحضور رئيسي الجمهورية والوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى. وفي بيان صدر عن الإطار التنسيقي أكد المجتمعون إدانة جريمة استهداف المتظاهرين، كما رفضوا الاعتداء على منزل رئيس الوزراء، واتفقوا على خفض التوتر، وإيقاف التصعيد الإعلامي من جميعِ الأطراف، وإزالة جميعِ مظاهر الاستفزاز في الشارع، والذهاب نحو التهدئة، والبحث عن معالجات قانونية لأزمة الانتخابات.
المجتمع الدولي بدوره، أدان بشدة محاولة اغتيال الكاظمي، حيث أصدر البيت الأبيض بياناً وصف فيه الهجوم بالعمل «الإرهابي»، مؤكداً إدانته الشديدة للهجوم ومطالبته بمحاسبة المرتكبين، وأشار البيان إلى أن الرئيس جو بايدن وجّه بمساعدة العراق في التحقيق.
أما طهران، فقد اعتبرت أن العملية تصبّ في صالح من ينتهك سيادة العراق واستقلاله، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وقد اتصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره العراقي فؤاد حسين للاطمئنان على صحة رئيس الوزراء العراقي، ونقل تحيات رئيس الجمهورية الإسلامية إلى رئيس الوزراء الكاظمي.
كذلك، أدان مجلس الأمن الدولي استهداف الكاظمي، وطالب بضرورة محاسبة مرتكبي هذه الأعمال ومنظّميها ومموّليها وتقديمهم للعدالة. كذلك تلقى الكاظمي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مديناً ومستنكراً.
وفي لبنان، أدان «حزب الله» بشدة، الهجوم «الغادر» الذي استهدف الكاظمي ودعا إلى تحقيق دقيق وحاسم لكشف ملابسات هذا الاعتداء ومَن يقف خلفه وأهدافه المشؤومة.
وعلى الصعيد المحلي، انقسمت الساحة العراقية بين مدين ومشكّك في الحادثة، حيث شجب الصدر، استهداف منزل الكاظمي، واصفاً الهجوم بأنه محاولة لإرجاع العراق إلى الفوضى والعنف. ورأى زعيم تحالف «الفتح» أن «طرفاً ثالثاً» يقف وراء محاولة اغتيال الكاظمي، مطالباً بكشفه «أياً كان».
كذلك أصدرت الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية بياناً أدانت فيه محاولة اغتيال الكاظمي واعتبرته استهدافاً للدولة العراقية. أما الشيخ قيس الخزعلي، فقد دعا الى تشكيل لجنة فنية متخصصة وموثوقة للتحقق من الحادثة، ملمِّحاً إلى شكوك حولها، لكنه أكد إدانته لهذا الفعل بكل صراحة، وإلى وجوب البحث بجدّ عن منفذي هذه العملية ومعاقبتهم وفق القانون، في حال كان الأمر صحيحاً وغير مفتعل.
وذكّر الخزعلي بتحذير كان قد أطلقه قبل أيام حول نية أطراف على صلة بجهات مخابراتية بقصف المنطقة الخضراء وإلقاء التهمة على فصائل المقاومة.
«کتائب حزب الله–العراق» رفعت سقف اتهامها إلى الحد الأقصى واعتبرت أن العملية عبارة عن «مسرحية» رُسمت فصولها في دهاليز المخابرات الأميركية، والكاظمي هو أحد منفّذي هذه المسرحية، في محاولة لإنقاذه من جريمته الكبری التی ارتكبها بحق المتظاهرين وللالتفاف علی الضغط الجماهيري الكبير الرافض لمؤامرة تزوير الانتخابات التي قادها بنفسه مع الولايات المتحدة وأطراف إقليمية ومحلية. واتهمت «الكتائب»، الكاظمي نفسه بأنه في كل مرة يختلق الأزمات، وبأنه «خبير» في صناعتها، وفي خلق كل ما من شأنه أن يلفت الأنظار باتجاهات بعيدة عن مطالب الشعب العراقي.
قاآني يحط في بغداد
وبعد ساعات من محاولة الاغتيال، حط قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، في بغداد، حيث اجتمع مع غالبية كبار المسؤولين وفي مقدمتهم الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء الكاظمي وقادة فصائل المقاومة، إضافة إلى رئيس تحالف «تقدم» محمد الحلبوسي، وقيادات سياسية سنية في بغداد. ولاحقاً توجّه قاآني إلى أربيل للقاء زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، وقادة القوى السياسية الكردية.
زيارة اللواء قاآني جاءت في سياق محاولة رأب الصدع الحاصل بين المكوّنات العراقية، ولاسيما الشيعية، والذي طفا على السطح بعد أزمة الانتخابات وقمع المتظاهرين ومحاولة اغتيال الكاظمي.
أتون الفتنة
على الرغم من محاولات البعض لصق تهمة محاولة اغتيال الكاظمي بإيران، إلا أنه لا يمكن في المقابل استبعاد ضلوع الأميركيين في الحادثة بهدف إعادة خلط الأوراق على الساحة العراقية، لتبرير بقاء القوات الأميركية لفترة أطول في بلاد الرافدين حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى إشعال حرب أهلية، ولو بين المكونات الشيعية نفسها.
وبينما يذهب البعض إلى اعتبار حادثة الاغتيال المزعومة بأنها حادثة مفبركة أميركياً بالتنسيق مع الكاظمي للتعمية على قتل المتظاهرين ووضعهم في موقع المتهَم الذي يريد تخريب العراق.
في الختام يمكن القول إن تشكيل لجان للتحقيق في الحادثتين (قتل المتظاهرين ومحاولة اغتيال الكاظمي) لا يعني انتهاء الأزمة، لأن السقف العالي في الكلام الذي استخدمه البعض يشي بمزيد من التوتر، ولاسيما في ظل الإصرار على حل «الحشد الشعبي» ودمجه بالجيش، تلميحاً أو تصريحاً.
Leave a Reply