فاطمة الزين هاشم
لقد اختلفت الآراء حول معرفة أوّل ساحر في الوجود، ولكنّ الرأي الغالب يؤكّد أنّ ذرية هابيل الأوائل هم من أوائل السحرة، كما أنّ الكنعانيين أنجال هام حذوا حذوهم وكذلك سيدون وغيرهم، حيث اتخذوا السحر وعبادة الشياطين والاتصال بهم ديناً لهم.
ولمّا كانت أعمال السحر من أولى الأمور التي اهتم بها الانسان واعتقد بحقيقتها ووجودها فنقشها على الصخور، وعندما ارتقى إلى الكتابة والقراءة ترك مخلفات كثيرة مابين مخطوط ومكتوب ومنقوش تدلنا جميعها على اهتمامه بالسحر ومازال حتى يومنا هذا.
هناك السحر الأسود الذي كانت بدايته في بلاد فارس من حوالي خمسة آلاف سنة قبل الميلاد على يد ساحر يسمّى (زورستر) حيث يعتبر واضع طرق السحر وأسسه التي سار عليها الكنعانيون والمصريون والهنود وغيرهم، وقد استُعمل السحر في الزواج مثلما حدث مع الليدي (اليانور كوبهام) التي استطاعت بقوة السحر أن تجبر دوق «همفري» على الزواج منها، وعلى العكس، هناك من يستعمل السحر في تفريق الزوجين وتشتيت العائلة وكره الزوج لزوجته بدون سبب، كما أنّ هناك سحراً لقطع الرزق.
ومعظم زعماء العالم لجأوا إلى السحر، حيث كان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران يستفسر عن أبراج الزعماء قبل مقابلتهم، كما كان ضمن مستشاري الرئيس رونالد ريغان الرسميين ثلاثة منجمين إذ استدعت زوجته منجّماً خاصاً من الهند، ولا تخفى عليكم قصة المرأة التي تابعتها وسائل الاعلام حين ذهبت إلى الحج ولم تر الكعبة، وعندما سئلت عن ذلك اعترفت بأنها كانت تضع السحر في أكفان الموتى سيّما وأنها كانت تقوم بتكفين النساء، وهناك نوع من السحر يوضع في البيوت لعدم تزويج الأبناء وخاصة البنات أو بالعكس، وإليكم هذه القصة الحقيقية التي عاصرتها بنفسي:
منذ أربعين سنة وفي إحدى الليالي الرمضانية كنت أجلس بعد الفطور في بيت عمي رحمه الله نشاهد برنامج «بيروت في الليل» للمطربة طروب آنذاك على القناة اللبنانية، طرق باب بيت عمي شاب من قرية مجاورة لبلدتنا، تظهر عليه علامات البؤس والخيبة، والمعروف عن هذا الشاب أنّه قليل الدراية والإدراك وبإمكان أي طفل أن «يضحك عليه»، وبحكم المجاورة بين أهل القرى الصغار عادةً كانت هناك معرفة بكل تفاصيل حياة بعضهم البعض، جلس ذلك الشاب بالقرب من عمي وقال له: أريد أن أتزوّج (فلانة) لأنّي أحبّها ولا استطيع العيش بدونها، صعق عمي لهذا الخبر وأخذ يضحك بملء فمه وهو مستغرب لهذا الطلب غير الممكن حصوله، لأنّ تلك الصبية كانت في غاية الجمال كأخريات من بنات القرية اللواتي يتمتعن بجمال أخّاذ وملفت رغم فقرهنّ. سأله عمي: هل فاتحتها؟ قال: لا ولكني أحبها وأريدك أن تفاتحها أنت عنّي يا سيّد، وقف عمي حائراً أمام هذه المعضلة، فالفتاة وأهلها يعلمون بوضع هذا الشاب وموضعه من السخرية، وعدا عن ملاحقة الأطفال له بهذا القصد فإن الناس يعملون به (مقالب) لأجل الفكاهة والضحك، فكيف يصدق أي عاقل أن ترضى هذه الفتاة به؟
ذهب عمي وتكلم معها وهو يضحك بملء فمه لمعرفته سلفاً بالجواب، استنكرت الفتاة وأخذت تصرخ وتقول: هل هذا معقول؟ هل أنا مجنونة مثله لأتزوجه؟ غير أنّ الشاب المسكين لم يفارق عمي وأحياناً يجلس ويبكي ويتوسّل إليه كي يساعده.
دخل في إحدى السهرات صديق لعمي يمتلك سيارة أجرة (تاكسي) فعلم بالموضوع، فما كان منه إلا أن عرض عليه أن يأخذه إلى أحد المنجمين ويكتب لها أن تحبّه أي يعمل لها «سحر» وكان ذلك المنجم معروفاً لدى أهل بلدات البقاع آنذاك وأذكر أنّ اسمه كان «درغام»، وفعلاً حصل ذلك وقد تمّ وضع السحر في طعام الفتاة عن طريق زوجة السائق، ولم يمضِ أسبوع إلّا وكانت الفتاة الجميلة تركض وراء ذلك «الأهبل» وتترجّاه أن يتزوّجها، وفعلاً تمّ الزواج رغم معارضة الجميع واستغراب أهل القرية من هذا الموضوع الذي لم يكن ليحصل حتى في الخيال.
عاشت معه وأنجبت منه أطفالاً، لكنها مرضت بعد ذلك وتوفيت وهي في ريعان الشباب، وبعد هذه القصة أصبح ذلك المنجم مقصداً لأهل المنطقة وجوارها، يقصدونه كلّاً لغايته، للمحبّة أو التفريق بين الأزواج وغير ذلك.
أهدي هذه القصة للزميلة الغالية مريم شهاب ربما تعيد نظرها بوجود السحر مع محبتي وتقديري.
Leave a Reply