مريم شهاب
قامت صحيفة «تايمز» اللندنية باستطلاع شمل آلاف الأطفال في المرحلة الإبتدائية من الدراسة، وسألتهم عن الأشياء التي يعتقدون أنها ستجعل «العالم أكثر سعادة». وأتى الأطفال بأفكار ومقترحات تنم عن ذكاء عالٍ. أكثرهم لا بل معظمهم ركّز على حماية البيئة لأن سعادة البشر تتوقف عليها. علّق أحدهم أن حماية البيئة لا تهم الكبار، لأنهم فاشلون في حماية بعضهم ولن ينجحوا في حماية البيئة.
اللافت للنظر هو اقتراح طفلة رأت أن عدم الإسراف في استخدام المياه يخدم البيئة وطلبت أن يتوقف الناس عن الغناء أثناء الإستحمام، لأن ذلك يجعل وقوفهم تحت الدوش يستهلك وقتاً أطول، وهو اقتراح جميل ومعقول.
فكّروا في هذا الأمر تجدوا أشخاصاً عديدين في عائلاتكم يقضون وقتا في الإستحمام يكفي لإرواء عطش آلاف في دولٍ أخرى. وهذا أمر يدعو للحيرة، معظم البشر يملكون أجساماً متشابهة نغسلها عند الإستحمام، تقول ذلك لابنك أو ابنتك، فما هو الداعي للمكوث نصف ساعة أو أكثر تحت دوش الماء؟ البرهان من وجهة نظر الطفلة التي تربط بين حماية البيئة والغناء أثناء الإستحمام هو أن الإستغراق في الغناء أو الإستماع للغناء من خلال الآي فون أو اليوتيوب، يجعلك تستهلك مياهاً أكثر بينما موارد المياه على الأرض محدودة.
طفلٌ آخر اقترح أن السعادة تكمن في تناول العائلة معاً لوجبات الطعام المعدّة في البيت. هذا الإقتراح سيكون برأيي أثمن لو يكتب ويعلّق مثل لوحة في البيوت ليقرأها ويراها أولادنا وأحفادنا الذين يعتقدون أن «أكل البيت» موضة قديمة وبلا طعم. لا بل يعتقدون أن السعادة تكمن في شراء الأكل من المطاعم ومحلات الوجبات السريعة.
الكثيرات منا نحن الأمهات تشعرن بالإحباط حين تقضي وقتاً متعبا في تحضير أكثر من طبق عالي الجودة والطعم وتدعو أولادها للجلوس معاً وتناول الطعام كعائلة فتسمع منهم نفس المواويل المعتادة؛ اشتريت سندويش، أكلت علبة لبن يوناني (Greek Yogurt)، ما بدي آكل الآن، رفاقي ناطرين لناكل سوا، أو يا ماما أكلك «كلّو فات» (Fat) وأنا عامل «دايت»!!
لكن الاقتراح الذكي والذي أعجبني هو قول أحد الأطفال أن السعادة تكون عندما نتخلّص من «الكراكيب» المتراكمة في كراج البيت. وبالفعل هذا أمر تعاني منه معظم الأسر العربية الأميركية. ترى معظم الكراجات ممتلئة بالأثاث القديم والمعدات الرياضية غير المستعملة والصناديق المحشوة بالألعاب والدمى والملابس وغيرها من «الكراكيب» المكدسة بشكل غير مناسب، إلى جانب الصور والأحذية الملقاة هنا وهناك لدرجة انه لا يوجد ممر من وإلى الكراج، والطفل الذي لا يجد مكاناً في كاراج بيته ليركن دراجته، تكمن سعادته في التخلص من تلك الأشياء القديمة التي لم يعد بحاجة لها.
أشياء عديدة ذكرها الأطفال ستجعل العالم أكثر سعادة. منها مثلاً الاستيقاظ باكراً ومرافقة الأصدقاء مشياً إلى المدرسة. أو أن لا يكون هناك مدارس على الإطلاق، أو اللعب في طين الحديقة دون صراخ وتأنيب الماما.
تبقى سعادة الأطفال أنهم أطفال وسعادة الطبيعة وبهاؤها، والطبيعة هي خارج الغرف المعتمة الباردة مع «الآي فون» و«الآي باد». وخلاصة دراسة «التايمز» هي أخذ ملاحظات الأطفال الباهرة بجدية.
Leave a Reply