نبيل هيثم
لم يكن ينقص المشهد العبثي فـي المنطقة العربية لكي يكتمل سوى أن يخرج تنظيم «داعش» ببيان يعلن فـيه تشكيل تحالف جهادي ضد الإرهاب.
تلك النكتة السوداء التي قالها احد الصحافـيين الغربيين فـي وصف الحماسة الكلامية لبعض الدول الإقليمية تجاه الحرب على الإرهاب، تحوّلت قبل أيام إلى أمر واقع بعد إعلان السعودية عن تشكيل «تحالف إسلامي» لمحاربة الإرهاب.
الخطوة السعودية بدت مرتبكة، تماماً كارتباك عرّابها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكنها تحمل فـي الآن ذاته الكثير من الدلالات التي تدلل على محاولات المملكة السعودية استعادة دورها الإقليمي المفقود، منذ أشهر، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ 5+1، وبعد دخول العامل الروسي بشكل مباشر فـي الصراع العسكري الدائر فـي سوريا، وتعثر كل محاولات الأمير الشاب، الطامح إلى خلافة والده، إثبات حضوره على الساحة الداخلية والدولية بعد إخفاقات حربه على اليمن.
يمكن النظر إلى الخطوة السعودية المثيرة للسخرية، حتى لدى اقرب حلفاء المملكة النفطية، فـي سياقات عدّة، أولها محاولات تلميع الصورة، بعد فشل «عاصفة الحزم» فـي تحقيق أهدافها، وتصاعد الانتقادات الغربية للسعودية بدعم الجماعات التكفـيرية وتمويلها.
من ناحية أخرى، لا يخفى على احد أن السعودية ظلت منذ سنوات طويلة مصدر دعم و تمويل الجماعات الإرهابية، وهي حقيقة ظلت لفترة طويلة من المحرّمات التي لا تجرؤ الجهات الرسمية فـي الدول الحليفة على التطرّق إليها، لكنها باتت اليوم موضوع حديث علني، بعدما تجاوزت المملكة النفطية كل الخطوط الحمراء فـي دعمها لـ«داعش» وأخواتها. وانطلاقاً من هذا التحوّل صار كثيرون فـي الغرب يتحدثون علناً عن الدعم الذي يصل للإرهابيين، والذي ينقسم إلى قسمين: رسمي وشعبي.
ولعل المحاولات المتكررة من قبل المسؤولين السعوديين لغسل اليد من جهود دعم الإرهاب فـي المنطقة العربية لم تعد تقنع أحداً، فالحملات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل شخصيات سعودية لجمع التبرعات لـ«المجاهدين» فـي سوريا باتت مكشوفة، وصور الأسلحة والمساعدات التي ترسل إلى الفصائل المتشددة أسقطت كل التأكيدات الرسمية بأن مسألة دعم الارهابيين فـي سوريا والعراق هي مجرّد «مبادرات فردية».
وليس سرّا تصاعد الاتهامات الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، إلى دول إسلامية عدّة، أبرزها السعودية وقطر تركيا، بتغذية الإرهاب واحتضانه، ودعمه، وخصوصاً بعد حادث الطائرة الروسية فـي شرم الشيخ الروسية، وتفجيرات باريس، وهجمات لندن والولايات المتحدة.
هذا الواقع ربما فرض على السعودية أن تقدّم أوراق اعتماد جديدة لدى الغربيين بأنها «شريكة» فـي الحرب على الإرهاب، لا بل الذهاب أبعد من ذلك، عبر العزف على الوتر الذي يطرب آذان الولايات المتحدة على وجه الخصوص، عبر كلمة السر التي نطق بها محمد بن سلمان، حين قال إن الهدف من هذا التحالف الإسلامي لا يقتصر على تنظيم «الدولة الإسلامية». وفـي ظل استبعاد إيران، الدولة الإسلامية النووية الكبرى، عن التحالف الإسلامي، يمكن تفسير عبارات ولي ولي العهد السعودي بأن المقصود بالحديث هنا جماعات تناصبها الولايات المتحدة العداء، وأبرزها «حزب الله» وربما الجمهورية الإسلامية!
بذلك تسعى السعودية إلى القول إنها جاهزة ليس للتدخل ضد المعركة القائمة ضد «داعش» فحسب، وإنما ضد أي قوة مناهضة للمصالح الأميركية فـي الشرق الأوسط، أو بمعنى آخر القول لباراك اوباما، وربما لخلفه فـي البيت الأبيض، إن التحالف السعودي-الأميركي هو الأكثر ثباتاً من التحالفات المرحلية التي يمكن تنتهي بزوال «داعش»، وان السعودية مستعدة للعب دور الشرطي الإقليمي ضد المحور الإيراني-السوري-العراقي المدعوم من روسيا، وان نظام آل سعود هو الضمانة «السنّية» الوحيدة لمرحلة ما بعد «داعش».
ولا يمكن فصل تشكيل «التحالف الإسلامي» عن مجموعة عوامل تدلل على تلك الرغبة الأميركية فـي تقديم أوراق اعتماد للأميركيين، أولها إعلان رئيس اللجنة العسكرية فـي الكونغرس جون ماكين عن سعي الولايات المتحدة توفـير مئة ألف جندي من دول «سنّية» لمؤازرة عشرة آلاف جندي أميركي فـي قتال «داعش»، والحديث عن حتمية إقامة «دولة سنّية» على أنقاض «الدولة الإسلامية» فـي شرق سوريا وغرب العراق، وهو ما كشف عنه جون بولتون فـي مقالته الاخيرة فـي «نيويورك تايمز»، وكذلك تسارع الخطوات العسكرية والديبلوماسية لحل الأزمة السورية، خصوصاً بعد اجتماع «فـيينا-2»، وتكليف الأردن مهمة إعداد لائحة «التنظيمات الإرهابية» التي يفترض ألا تكون شريكة فـي التسوية السياسية، وهي جهود قابلتها الرياض بتشويش متعمّد تمثل فـي الخروج على التوافق المبدئي بإمكانية مشاركة الرئيس بشار الأسد فـي المرحلة الانتقالية، وباستضافة مؤتمر للمعارضة السورية فـي محاولة لفرض أجندة جديدة على طاولة الحوار.
ولا يمكن أيضا فصل التحالف الإسلامي عن صراع الأجنحة داخل العائلة المالكة فـي السعودية.
وليست صدفة أن يأتي الإعلان عن تشكيل هذا التحالف من قبل محمد بن سلمان تحديداً، برغم حربه الفاشلة فـي اليمن. وللمفارقة فإن المؤتمر الصحافـي الذي عقده الأمير الشاب الطامح إلى خلافة والده لرمي قنبلة «التحالف الإسلامي» قد تزامن مع بدء سريان وقف إطلاق النار فـي اليمن، والذي يجمع المراقبون على اعتباره بمثابة إعلان هزيمة ضد الحوثيين، الذين تمكنوا خلال الأيام السابقة من التوغل فـي العمق السعودي على أكثر من نقطة حدودية. ومعروف أن حرب اليمن كان الهدف منها تعويم ولي ولي العهد فـي مواجهة ولي العهد محمد بن نايف، صاحب النفوذ الكبير فـي الداخل والخارج على حد سواء.
ولعل سبب حماسة محمد بن سلمان لفكرة تشكيل التحالف الإسلامي هو انزعاجه الشخصي من احتفاء الغرب بمحمد بن نايف باعتباره «بطل محاربة الإرهاب»، وهو ما يعني عملياً قبولاً دولياً بتوليه الحكم بعد وفاة الملك سلمان، واستياء الأمير الصغير من التقارير التي تتحدث عنه كطفل متهور يشكل خطراً على السعودية خاصة بعد ما صدر من قبل الاستخبارات الألمانية وبعض الصحف الأميركية من جهة أخرى.
ولعل هذا ما دفع بالمغرّد السعودي الأشهر «مجتهد» إلى القول إن التحالف الإسلامي هو «حركة استعراضية بائسة تعكس استماتة محمد بن سلمان فـي إثبات أنه أقدر من محمد بن نايف على إرضاء الغرب فـي الانتصار على الإرهاب… وكأنّ بن سلمان يقول بهذا الإعلان لأميركا والغرب: إن كان بن نايف انتصر على الإرهاب فـي المملكة، فأنا سأنتصر على الإرهاب فـي كل العالم الإسلامي». ومعروف أن محمد بن سلمان قد نجح فـي تجريد محمد بن نايف من كل الملفات، فـي ما عدا الملف الامني، الذي لا يمكن ان يسحب من الامير القوي بسبب الحماية الأميركية.
وايّا تكن الحيثيات، فإن الاعلان عن تشكيل «التحالف الاسلامي» هو فـي واقع الامر مغامرة سعودية جديدة على درجة كبيرة من الخطورة، تعكس تسرعاً فـي الانتقال من حرب الى أخرى، حتى لو يتم الانتصار أو الحسم فـي الحرب الاولى، مما يؤشر الى احتمالات توسع نطاق الحرب الجديدة فـي الشرق الاوسط.
ومع دخول تحالف عسكري جديد، يتضمن وجوهاً قديمة وجديدة، غمار الحرب على الإرهاب فـي المنطقة ما تزال تكهنات المراقبين غير واضحة إزاء كون هذا التحالف منافساً أم مشاركاً فـي مكافحة الإرهاب. وما هو نوع القيمة المضافة التي سيجلبها؟
وفـي غمرة التساؤلات المثارة، فإن ثمة حقائق ثابتة لدى كثيرين بشأن الخطوة السعودية، وهي تدفع الى القول أن التحالف الاسلامي المزعوم سيدعم الإرهاب ولن يحاربه.
Leave a Reply