نبيل هيثم
يقترب العدوان السعودي على اليمن من اتمام شهره الثالث. الحصيلة المؤكدة ان «جار السوء»، كما وصفه زعيم «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي يعيش خيبة كبرى بعدما اخفقت آلة الموت فـي تحقيق اي انجاز عسكري، عدا عن تدمير اليمن بصواريخ اميركية لم يسلم منها البشر ولا الحجر، ولا حتى الارث الحضاري والمقدسات الدينية.
وفـيما عدّاد الموت السعودي يحصد آلاف المدنيين، ويهدد مئات آلاف بالتجويع، يبدو واضحاً ان «عاصفة الحزم» لم تكن سوى مغامرة صبيانية قادها وزير دفاع، ومن ثم ولي ولي عهد، طائش، انخفضت معها سقف الاهداف/الاوهام من فرض هيمنة على اليمن، إلى مجرّد درء «الخطر» الحوثي عن العمق السعودي!
لا يحتاج المرء إلى كثير من التعب لاكتشاف حجم الهزيمة / الخيبة السعودية: غاب «النجم الإعلامي» لقوات «التحالف السعودي» أحمد عسيري عن شاشات الفضائيات، لم تحقق آلاف الغارات الأهداف المعلنة لـ«عاصفة الحزم» فـي إسقاط الحوثيين، بات وهماً الحديث عن السيطرة على مدينة عدن، تمهيداً لجعلها العاصمة «الشرعية» للرئيس المتراجع عن استقالته عبد ربه هادي منصور، لتنتقل المعارك إلى المنطقة الحدودية، التي بات جانبها السعودي عرضة لصواريخ يومية من «أنصار الله».
ولعل المعطيات الميدانية التي شهدتها اليمن خلال الايام الماضية تعكس حجم الهزيمة. والتحول الاهم فـي هذا الإطار، ليس فقط اخفاق الغارات المكثفة لـ«التحالف» السعودي فـي احداث تغيير على الارض، وانما ايضاً الانتصارات التي يحققها الحوثيون، الذين نجحوا، برغم القصف الجوي والحصار، فـي السيطرة على مدينة الحزم، وهي عاصمة محافظة الجوف، الواقعة على بعد 120 كيلومتراً من الحدود السعودية، ويقطنها مليون يمني، معظمهم من الزيديين.
ورغم تدمير معظم الأسلحة الثقيلة فإن مقاتلي الحوثي وقوات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح تسيطر على أغلب الجزء الغربي ذي الكثافة السكانية العالية من اليمن ومازالت تشن هجمات على طول الحدود اليمنية – السعودية باستخدام الصواريخ وقذائف الهاون.
هكذا يبدو واضحاً ان الحوثيين قد نجحوا فـي توجيه الحرب نحو الشمال، وتحديداً إلى الداخل السعودي، حيث قاموا بإطلاق صواريخ «سكود» وأخرى محلية الصنع على مراكز الجيش السعودي فـي المنطقة الحدودية، بما فـي ذلك القاعدة الجوية السعودية فـي خميس مشيط. وبالرغم من ان الحوثيين ليسوا قادرين على احتلال إقليم داخل السعودية، ما لم يتحرك موالون لهم هناك، الا انه بات بإمكانهم جعل الحدود السعودية-اليمنية جرحاً نازفاً.
وفـي موازاة ذلك، تكشف الهجمات الانتحارية وحوادث إطلاق النار التي وقعت داخل السعودية فـي الآونة الأخيرة الخطر الذي يمثله الجهاديون السنة الذين استغلوا الفوضى الضاربة أطنابها فـي اليمن لتعزيز وجودهم على الجانب الآخر من الحدود الطويلة المليئة بالثغرات.
وبنظرة سريعة إلى الخريطة الميدانية لليمن، يمكن القول، وبكل ثقة، ان الحوثيين يحكمون قبضتهم على معظم انحاء البلاد، اذا ما استثنينا المنطقة الشرقية، وتحديداً محافظة حضرموت، التي تعد بؤرة لتنظيم «القاعدة فـي شبه جزيرة العرب» منذ سنوات.
ويبدو أن السعودية، وبرغم الإنكار الذي تعيشه قيادتها لهزيمتها فـي اليمن، ووراءها الدول الداعمة لها اقليمياً ودولياً، وفـي طليعتها الولايات المتحدة، قد ايقنت أن المغامرة اليمنية قد تكون كلفتها كبيرة، فـي حال سارت الامور على هذا النحو فـي الميدان. وربما هذا ما يفسّر نزول السعوديين، ومعهم عبد ربه منصور هادي عن شجرة التعنت، وقبولهم بعقد مؤتمر سلام فـي جنيف يجمع مختلف القوى اليمنية للخروج بصيغة، يمكن ان تعيد بعض التوازن لليمن.
وبرغم كل التشويش، فإنّ مؤتمر جنيف قد بات مطلباً سعودياً، بوصفه طوق النجاة للخروج من المستنقع اليمني، خصوصاً اذا ما اقرّت الهدنة الرمضانية، التي ستعني من الناحية الشكلية وقف العدوان، تحت عنوان انساني، فـيما سيعني من الناحية العملية وقف الحرب من دون اعلان الهزيمة، وهو ربما يكون المخرج الذي تسعى الرياض وواشنطن إلى بلورته، بما من شأنه حفظ ماء وجه المملكة النفطية.
ولكن من الواضح أن «الصبيانية العسكرية» لدى القيادة السعودية الجديدة قد باتت تقابلها، او بمعنى اصح توازيها، «صبيانية ديبلوماسية» تتمثل فـي سلة الشروط التي يحاول السعوديون فرضها، عبر وكلائهم اليمنيين، فـي اروقة الامم المتحدة فـي جنيف، من بينها التمسك بقرار مجلس الامن الدولي رقم 2216، وتثبيث «شرعية» عبد ربه منصور هادي، بما يناقض روحية الاجتماعات الاممية، التي تأتي تحت مسمّى «من دون شروط مسبقة».
وكما خسرت السعودية الحرب عسكرياً، ها هي اليوم تخسرها ديبلوماسياً، بعدما جاء بيان المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ احمد بمثابة صفعة قوية لكل محاولات التعطيل السعودية. وفـيما كان السعوديون يحاولون تكريس فكرة الحوار بين «الشرعية» (عبد ربه منصور هادي) و«الانقلاب» (الحوثيون)، كان بيان المبعوث الاممي واضحاً وهو المحادثات التي يفترض ان تتم بين «المكونات السياسية اليمنية». ولعلّ هذا ما يفسر الجنون السعودي الذي تبدّى فـي محاولة نسف حوار جنيف من اساسه، من خلال عرقلة سفر ممثلي «أنصارالله» و«المؤتمر الشعبي»، باختلاق عراقيل امام اقلاع الطائرة التي كانت تحاول نقلهم إلى جنيف، حتى تم تاخير الطائرة نحو 24 ساعة، فـيما كان ممثلو عبدربه منصور هادي قد وصلوا جنيف قبل ثلاثة ايام، وبذلوا جهوداً بائسة لتكريس الموقف السعودي من الازمة اليمنية.
مسار الخيبات السعودية ليس جديداً: خسرت السعودية صفة الراعي للحل اليمني الذي انتج مبادرة خليجية اخرجت علي عبد الله صالح من الحكم حين تحولت إلى طرف لا وسيط. ثم خسرت الحرب/العدوان الذي سقطت اهدافه امام المقاومة التي ابداها الشعب اليمني. وها هي اليوم تخسر نفوذها الديبلوماسي فـي جنيف.
وفـيما يبدو ان الصراع اليمني فـي طريقه إلى تهدئة رمضانية، وفـي ظل الفشل السعودي على المستويين العسكري والديبلوماسي، ستجد المملكة النفطية نفسها قريباً فـي مواجهة خيار غير مستساغ يتمثل فـي قبول سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، بما فـي ذلك صنعاء، وإبرام اتفاق داخلي لانهاء الصراع، أو مواصلة القتال والمجازفة بانزلاق اليمن إلى فوضى شاملة بحيث يصبح خطرا دائما على الأمن السعودي.
وفـي الحالتين يمكن للحوثيين ان يقولوا لسلمان بن عبد العزيز «كش ملك».
حوار عن بعد
فـي مقر الأمم المتحدة فـي جنيف ولأول مرة منذ هجوم التحالف السعودي، يتحاور اليمنيون، ولكن من دون الجلوس وجهاً لوجه.
وفـي قاعتين منفصلتين يتحاور اليمنيون عبر المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي يجول بين الوفدين المؤلف كل منهما من سبعة أشخاص. وفـي حال نجاح المسعى الأممي ستتحول المشاورات إلى مباشرة وفـي قاعة واحدة.
وفـي المرحلة الاولى، سيجري التركيز على هدنة إنسانية طويلة الأمد، ربما طوال شهر رمضان المبارك، قبل الدخول فـي المرحلة الثانية، مرحلة مفاوضات الحل السياسي.
وفـي هذا السياق قال أحمد فوزي المتحدث باسم الأمم المتحدة فـي جنيف إنه ليس هناك اي حل عسكري لهذه القضية، لافتاً إلى أن «الحل الوحيد هو الحل السياسي»، ومؤكداً على ضرورة التوصل إلى حل سياسي بين الأطراف لوقف القتال وتوفـير المعونة الإغاثية لكل المحتاجين فـي اليمن.
مسار يرسم ويحدد الاحداث فـي الشهر المقبل حيث سيكون شهر رمضان كافـياً لاثبات تفاهم ينتج حكومة توافقية فـي اليمن ولإيقاف الحرب السعودية.
ضربة جديدة لـ«القاعدة» في اليمن
يشكل مقتل زعيم فرع تنظيم «القاعدة» فـي اليمن ناصر الوحيشي ضربة للشبكة المتطرفة العالمية سيما انه كان الرجل الثاني فـيها.
وبرغم التهليل الغربي للقضاء على أخطر المطلوبين فـي شبكة الجهاد العالمية، والذي تم عبر غارة شنتها طائرة أميركية، إلا ان التطوّر قابله قلق من إحتمال أن يصب هذا الامر فـي مصلحة تنظيم «داعش».
البيت الأبيض وصف مقتل الوحيشي بانه «ضربة قوية» لتنظيم «قاعدة الجهاد فـي جزيرة العرب»، ولتنظيم «القاعدة» العالمي بشكل اوسع.
ويجمع خبراء كثر على ذلك، خصوصا ان رجلين اساسيين آخرين فـي التنظيم المتشدد المتحصن فـي اليمن قتلا بضربات نفذتها طائرات اميركية من دون طيار فـي نيسان الماضي، وهما منظر التنظيم ابراهيم الربيش ونصر الانسي الذي تبنى الهجوم على صحيفة «شارلي ايبدو».
كما يشكل مقتل الوحيشي ضربة لـ«القاعدة» على المستوى العالمي، اذ شغل منذ 2013 منصب نائب ايمن الظواهري الذي خلف اسامة بن لادن.
ومع ذلك، فإن التجارب الاخرى تظهر انه كلما ضعفت «القاعدة»، ازداد التحاق المقاتلين المتطرفـين بتنظيم «داعش». وبحسب مجموعة «صوفان» التي تقدم تحليلات استراتيجية حول الشؤون الامنية فإنّ مقتل الوحيشي «سيزيد من مشاكل القيادة» فـي تنظيم «القاعدة»، وهي مشاكل «تصبح اكثر وضوحا كلما ازداد صعود داعش فـي الاعلام وعلى ارض المعركة».
ووفقاً لـ«صوفان» فإن «القاعدة مهددة بان تصبح تجمعا مبهما لمجموعات محلية» … وفـي ظل الصراع على النفوذ بين «القاعدة» و«داعش» على الساحة الجهادية العالمية، فإن ثمة مخاطر فـي ان تجد تلك المجموعات المحلية ضالتها عند أبي بكر البغدادي.
Leave a Reply