نبيل هيثم
هكذا يمكن وصف الحرب الضارية التي اطلقها التحالف الاقليمي الذي تقوده المملكة العربية السعودية على «انصار الله» فـي اليمن.
هو وصف لا يندرج فـي اطار الامنيات، بقدر ما هو مبني على نتائج الاسبوع الاول لعملية «عاصفة الحزم»، والذي انتهى بتحقيق الحوثيين مكاسب ميدانية على الرغم من اشتداد الغارات السعودية على الاراضي اليمنية، ما يشي باحتمال تكرار سيناريو «الحرب السادسة» فـي العام 2010، حين كسر المقاتلون الزيديون فكي الكماشة اللذين فرضا عليهم من قبل قوات علي عبد الله صالح وجيش آل سعود، عبر هجمات غير مسبوقة اخترقت الحدود اليمنية-السعودية «الآمنة».
ولعل الحصيلة الاولية للأسبوع الاول من عملية «عاصفة الحزم» تبدو مثيرة للاهتمام، فمن جهة تمكن الحوثيون من بسط سيطرتهم على مناطق عدة، ليفتتح الاسبوع الثاني بوصولهم الى باب المندب الاستراتيجي.
ومن جهة ثانية، فإن سقف التوقعات لدى قيادة «التحالف» السعودي بدأ فـي الانحسار، بعدما اقر ضمناً بمخاطر التدخل البرّي، الذي تم التبشير به عبر اصدار قرار تشكيل القوة العربية المشتركة فـي القمة العربية فـي شرم الشيخ.
وفـي حصيلة اولية لـ«عاصفة الحزم»، فإنّ سبعة أيام من القصف الجوي السعودي فشلت فـي طرد الحوثيين من المدن أو الاراضي الاخرى التي يسيطرون عليها، لا بل ان المعلومات الميدانية تشير الى تقدم حققوه على جبهات عدن والضالع، فضلاً عن تمددهم باتجاه ايجاد موطئ قدم على بحر العرب فـي مدينة شقرة فـي ابين، ومن ثم على البحر الاحمر، مع سيطرتهم على قاعدة عسكرية للّواء السابع عشر عند مضيق باب المندب، الممر المائي الحيوي، الذي يتم من خلاله نقل حوالي ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا إلى اوروبا واسيا والولايات المتحدة.
وفـي الوقت الذي كانت فـيه السعودية تهدد باجتياح بري، كان ملفتاً ان احداث الاسبوع الاول قد اختتمت على قصف متبادل عابر للحدود استخدم فـيه الحوثيون القذائف والصواريخ ضد مواقع الجيش السعودي فـي العمق، فـي ما يعد مجرّد اختبار لفكرة التدخل البري.
ويبدو ان هذا الواقع الميداني، ناهيك عن احداث الماضي القريب المتمثلة فـي احداث «الحرب السادسة»، وربما احداث الماضي البعيد المتمثلة فـي حرب الاستزاف التي خاضها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فـي الستينات، قد دفع بالمتحدث الرسمي باسم التحالف الاقليمي الذي تقوده السعودية احمد العسيري الى القول انه «فـي الوقت الراهن اي تدخل بري ليس ضروريا»، برغم تأكيده ان مثل هذه الضرورة قد تبرز «فـي اي وقت»، ومطالبته بعدم التركيز على العملية البرية باعتبارها ضرورة «طالما امكن تحقيق الاهداف عبر وسائل أخرى»، فـي ما بدا اشارة الى عمليات القصف الجوي، التي يجمع الخبراء العسكريون، وانطلاقاً من تجارب كثيرة، على انها لا تحسم حرباً، وهو ما اكده الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله فـي خطابه الاخير، الذي كرّسه للحديث عن العدوان السعودي على الشعب اليمني.
اما فـي السياسة، فإن ما قاله الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، خلال الاجتماع الاخير لمجلس وزرائه، يناقض تماماً ما تشيعه الماكينة الاعلامية السعودية بشأن هدف «عاصفة الحزم»، وهو القضاء على التهديد الحوثي، حيث صارت الآمال فـي «حوار وطني» يحفظ ماء وجه المملكة النفطية، برغم تغليف هذا الهدف بشعارات من قبيل «التمسك بالشرعية» و«رفض الانقلاب» و«عدم تهديد أمن الدول المجاورة».
ولعل مجريات الامور فـي الاسبوع الاول من «عاصفة الحزم» تؤكد ما قاله المسؤولون الايرانيون، من ان السعودية ارتكبت «خطأ اسراتيجياً» فـي اليمن، وبأن ما يجري هو «لعب بالنار». ويبدو الموقف الايراني صحيحاً اذا ما اخذت فـي الحسبان العوامل العسكرية والسياسية التي ستحدد وجه الصراع الجديد.
ومن الناحية العسكرية يمكن القول ان العملية العسكرية السعودية لصد الحوثيين فـي اليمن قد تحقق نتائج محدودة اذا ما اقتصرت على الضربات الجوية، من دون تدخل بري.
وفـي الحديث عن التدخل البري، لا يمكن سوى استحضار احداث العام 2010، حين تمكن الحوثيون بإمكانياتهم المحدودة من نقل المعركة الى داخل الاراضي السعودية، حتى صار الحديث يدور عن «احتلال حوثي» لمناطق فـي شمال السعودية.
ومن جهة ثانية، فإن السعودية تعاني من تحديات داخلية كبيرة ومن أزمة مالية، وهي تشهد تغييراً سياسياً كبيراً مع وفاة الملك عبدالله واعتلاء الملك سلمان العرش، كما انها تفتقر إلى القدرة العسكرية للتدخل بشكل حاسم فـي اليمن، وإذا كانت ستحاول ذلك من خلال إرسالها أعداداً كبيرة من القوات البرية، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً سوف تكون الجمود المرهق الذي سوف يستنزف الموارد العسكرية، والاحتياطيات المالية، والإرادة السياسية فـي السعودية.
ويضاف الى ذلك كله ان تحطيم الحوثيين عسكرياً سيغير المشهد فـي ما يتعلق بتوزيع الفصائل اليمنية، وهو تغيّر او بالاصح انقلاب سيصب فـي مصلحة مجموعات سنية متطرفة، من بينها تنظيم «القاعدة» الذي يخوض حربه فـي اليمن منذ عهد علي عبد الله صالح، وتنظيم «داعش» الذي تبنى مؤخراً سلسلة أولى من الهجمات الضخمة التي استهدفت مؤخراً مساجد يرتادها أنصار الحوثيين وأسفرت عن مقتل أكثر من 142 شخصاً.
كل ذلك يقود الى استبعاد فرضية التدخل البري، ولذلك، فإن المتوقع ان يعمد السعوديون الى تكثيف الضربات الجوية للحصول على شروط افضل لتقاسم النفوذ فـي الداخل، وايضاً فـي الخارج.
وبالرغم من ان هذا الخيار سيكون مؤثراً فـي المجال السياسي، الا ان الاعتماد على الضربات الجوية، وبالاضافة الى عدم قدرة الحملة الجوية على حسم الصراع، ستعرض السعودية لضغوط دولية هائلة، خصوصاً اذا ما اقترنت باستهداف المدنيين، كما حدث فـي اليوم السادس من «عاصفة الحزم» حين قتل 50 مدنياً على الاقل فـي غارة على مخيم للنازحين فـي لحج، بين صعدة وصنعاء.
اما من الناحية السياسية فإنّ اي تدخل سعودي بري فـي اليمن سيعد بمثابة خرق للخطوط الحمراء على المستوى الاقليمي، اذ سينظر اليه باعتباره تصعيداً خطيراً مع ايران، وانزلاقاً من ازمة محلية الى ازمة اقليمية… وربما دولية.
ويبدو واضحاً ان السعودية لا تريد أن تنزلق إلى نزاع قد يطول، وأن تواجه احتمال الدخول فـي مواجهة مباشرة أكثر مع إيران، خصوصاً فـي ظل اقتراب توقيع الاتفاق النووي بين الجمهورية الاسلامية والدول الست الكبرى.
وفـيما تجري التطورات اليمنية بالتزامن مع تكثيف الاجتماعات الماراثونية فـي جنيف لايجاد تسوية تاريخية للملف النووي الايراني، فإن الاتفاق المبدئي المرتقب بين الجمهورية الاسلامية والغرب سيفضي يمنياً الى خيار من اثنين:
– الخيار الاول، هو ايجاد تسوية سياسية تضمن توازن المصالح الإيرانيّة والسعودية فـي اليمن، ضمن اطار ترتيبات سياسية – عسكرية تنطلق من العراق وسوريا وتصل الى لبنان واليمن وربما مناطق اخرى فـي الوطن العربي، وهو ما يفترض صيغة «لا غالب ولا مغلوب» تمهد لحوار يتصدره الحوثيون، باعتبارهم القوة الابرز داخلياً، والحليف الاستراتيجي لايران فـي اليمن.
– الخيار الثاني، هو ان يفضي الاتفاق النووي الى تأجيج الحروب المحلية، او الحروب بالوكالة كما يسمّيها الباحثون فـي الغرب، ما يعني اطالة الصراع… من دون حسم.
وفـي الحالتين يمكن القول ان رياح «عاصفة الحزم» ستأتي بغير ما تشتهي سفن الحرب السعودية وطائراتها ومدفعيتها وآلياتها المدرّعة.
القوة العربية المشتركة: فكرة غير واقعية
اقر القادة العرب فـي قمة شرم الشيخ تشكيل قوة عربية مشتركة «تضطلع بمهام التدخل العسكري السريع وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي بما فـيها تهديدات التنظيمات الارهابية بناء على طلب من الدولة المعنية».
وكلف مشروع القرار، المقدم من جمهورية مصر العربية، أمين عام جامعة الدول العربية، بالتنسيق مع رئاسة القمة بدعوة فريق رفـيع المستوى تحت اشراف رؤساء أركان القوات المسلحة بالدول الأعضاء للاجتماع خلال شهر من صدور القرار لدراسة كافة جوانب الموضوع واقتراح الاجراءات التنفـيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة وتشكيلها وعرض نتائج أعمالها فـي غضون ثلاثة شهور على اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقرارها.
ويثير هذا القرار الشكوك حول واقعية تشكيل «قوة عربية مشتركة» فـي ضوء الفشل الذي انتهت اليه محاولات سابقة، كما طرح تساؤلات بشأن الاجراءات العملية لتشكيل هذه القوة العربية العسكرية واهدافها ونطاق عملها وطبيعتها.
وبدا، بحسب اجواء قمة شرم الشيخ، ان القوة العربية المشتركة ليست قوة للعرب جميعاً، وانما قوة شكلها مجلس تعاون خليجي موسّع، يضم 16 دولة عربية، جزء منها تم شراؤه بالمال، وجزء آخر تم التأثير على موقفه بالضغوط السياسية.
ولعل نظرة سريعة فـي خريطة الدول المرشحة ان تشارك فـي هذه القوة اضطراراً، تبدو كافـية للقول انها تفتقد الى امور كثيرة لكي تكون قوة عسكرية قتالية.
هكذا فإن الفكرة نظرية غير قابلة للتطبيق العملي، لأن القوى العسكرية، وفقاً للاعراف، تكون إما جيش دولة، وإما جيش دول متحالفة، او قوة عسكرية برعاية ، اما القوة العربية المشتركة التي يحكى عنها فلا تستجيب الى اي نظام من نظم التشكيلات العسكرية على الاطلاق، وبالتالي يخشى ان تكون فكرة غير قابلة للتنفـيذ والتحقق.
ومن الواضح ان هذه القوة المشتركة لا تستطيع ان تتدخل فـي دولة عربية من دون موافقة الدولة المعنية، لأن اي تحرك من هذا القبيل سيكون بمثابة اعتداء، وبالتالي فإن نطاق عملها سيقتصر على الدول المشاركة فـيها.
وكذلك يمكن القول ان هذه القوة مهما بلغت قوتها اضعف بكثير من ان تدخل فـي مواجهة مع ايران، لأن القاصي والداني يدرك قدرات ايران العسكرية بذاتها وبتحالفاتها، وبالتالي فإن هذه القوة لن تستطيع ان توجد وضعاً يمكنها من مواجهة ايران، الا اذا اعتمدت على الحلف الاطلسي.
وعلاوة على ذلك، فإنّ هذه القوة فـي حاجة الى وقت وتدريب، وهذا امر ليس بالامر السهل، وبالتالي فإن قرار تشكيل القوة يبدو موقفاً استعراضياً مستعجلاً غير مبني على قاعدة متينة ومدروسة.
القمة العربية: الحوثيون والقوة المشتركة
بكل بساطة نعرض امر الحوثيين للمحاكمة والمحاججة.اذا سألنا دول العالم من منكم اصابه ارهاب او ضرر او اذى من القاعدة وداعش؟ يأتي الجواب «نعم انا تضررت», من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وبلجيكا ونيجيريا ومالي والجزائر وتونس وليبيا ومصر وكينيا وتنزانيا والصومال ولبنان وسوريا والاردن والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن وايران وتركيا والهند واندونيسيا والباكستان.
واذا طرحنا سؤالا على هذه الدول من منكم اصابه الضرر والاذى من الحوثيين؟ الجواب لا احد.
عندما اعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شن عملية عسكرية فـي ليبيا ضد داعش بعدما قتلت 21 موطنا مصريا ذبحا وبثت فـيلما متقنا عن عملية الذبح,عارضت الولايات المتحدة ومعظم الدول العربية اية عملية عسكرية ضد داعش والنصرة فـي ليبيا.
اليوم وفـي بيان القمة العربية اذنت القمة بالهجوم على اليمن وباركته لضرب الحوثيين مع انهم لم يتسببوا بالضرر لاي من الدول المشاركة فـي المؤتمر فـيما تجاهلت مصدر الارهاب المعلن والمتفق عليه فـي ليبيا والذي يشكل خطرا كبيرا على الامن القومي العربي وخصوصا امن مصر وتونس والجزائر. هل ان قادة العرب منسجمون مع انفسهم فـي هذه المفارقة ؟اشك بذلك اذ ان معظمهم وافق لاسباب اقتصادية وسياسية فقط وليس لقناعة عسكرية واستراتيجية. هل تحقق هذه القرارات الامن القومي ومكافحة الارهاب ؟ طبعا لا.
مسألة ثانية قررتها القمة العربية وهي انشاء قوة عربية مشتركة. فكرة ممتازة وضرورية من اجل تعزيز التعاون العربي وحماية الامن القومي العربي .لكن هل سأل احد عن امكانية تنفـيذ هذه الفكرة فـي ظل هذا الوضع العربي وفـي ظل اقتصار الخطر على الحوثيين ومباركة الهجوم على اليمن ؟ هل حددت القمة الاخطار والتهديدات على الامة العربية؟اشك فـي ذلك .هل يعلم القادة العرب ان الاتحاد الاوروبي فشل فـي انشاء قوة تدخل اوروبية موحدة لحماية المصالح الاوروبية؟ اقتصر التدخل الاوروبي على تدخل افرادي كما تفعل فرنسا فـي حديقتها الخلفـية فـي غربي افريقيا او التدخل فـي اطار حلف شمال الاطلسي كما فعلت معظم دول اوروبا فـي افغانستان.لن نقول ان جامعة الدول العربية متطورة اكثر من الاتحاد الاوروبي فلن يصدقنا احد خصوصا ان هناك الاف القرارات الصادرة عن هيئات الجامعة العربية لم تجد طريقها الى التنفـيذ.المهم عدم اعطاء وعود لا يجري الوفاء بها فـيما بعد.
الامور بحاجة الى وقفة تأمل وتفكير قبل الترويج للقرارات العربية.
Leave a Reply