وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«وقف إطلاق نار من جانب واحد لمدة أسبوعين»… أكذوبة جديدة من أكاذيب التحالف السعودي في حربه على اليمن، ماتت قبل أن تولد. فقد أعلنت الرياض وقف إطلاق نار من طرف واحد ولمدة أسبوعين، لتتبعه بتصعيد عسكري ملحوظ على عدة جبهات.
كعادتها، كلما ضاق الخناق حولها وتحسست حجم الورطة الكبيرة التي أغرقت نفسها فيها، تلجأ السعودية إلى محاولة التفاف تلو الأخرى، علها تستطيع تأجيل بعض الهزائم التي يلحقها بها اليمنيون من جبهة إلى أخرى، أو على الأقل التعمية عليها. لكن «المبادرة» السعودية العقيمة لم تنطلِ على اليمنيين الذين لطالما خبروا مثيلاتها، فأعلنوا مباشرة رفضهم التام لها لأنها لا تتضمن اتفاقاً شاملاً ومفتوحاً يشمل رفع الحصار الجائر.
الوضع الميداني
جبهات عديدة شهدت تصعيداً ملحوظاً، تمثلت في محاولة تقدم واسعة النطاق عند الحدود اليمنية السعودية، صدتها القوات اليمنية واللجان الشعبية، بعد مئات الغارات التي شنتها طائرات التحالف على مدى عشر ساعات متواصلة، على جبهات رشاحة عسير والبقع في نجران وحرض والجوف ومأرب. التصعيد شمل أيضاً الضالع وتعز وحرض والبقع والجوف ومأرب، إضافة إلى جبهات شرق صنعاء، وقانية والجريبات وناطع في محافظة البيضاء.
كما صدت القوات اليمنية محاولتي تقدم في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، وأخرى في منطقة الضباب بتعز. كذلك، شنت «قوات التحالف» العديد من الغارات على مناطق متفرقة في مديرية خب والشعف بالجوف.
الهدف طبعاً كان تحقيق بعض التقدم إثر الإخفاقات المتكررة للرياض وحلفائها على أيدي اليمنيين، لكن ذلك ما لم يتحقق، بل على العكس، تمكنت القوات اليمنية واللجان من السيطرة على معسكر الخنجر عند الحدود السعودية في الجوف، كما تقدمت باتجاه منطقة المشجع، في خطوة تزيد من تضييق الخناق على مأرب، بالرغم من كثافة الغارات التي تتعرض لها تلك القوات لعرقلة تقدمها.
الناطق باسم القوات اليمنية العميد يحيى سريع وفي تهديد لقوى التحالف السعودي أعلن أن تبعات هذا التصعيد ستكون خطيرة جداً، في إشارة إلى رد مرتقب.
وعلى إثر معلومات أشارت إلى رفض المئات من المقاتلين الجنوبيين القتال تحت إمرة «حزب الإصلاح» في مكيراس بمحافظة أبين، قام قائد معسكر «الأماجد» التابع للرياض، السلفي المتطرّف صالح الشاجري، بتنسيق اجتماع ضمّ قيادات سلفية متطرّفة في البيضاء كانت قد دعت إلى عقده السعودية، فكانت المحصلة انخراط الميليشيات السلفية المدعومة من السعودية في القتال على جبهة البيضاء في محاولة بائسة لتحقيق توازن ميداني.
صنعاء تريد حلاً شاملاً
ضربة «أرامكو» التي نفذها اليمنيون قبل أشهر، كانت عاملاً أساسياً في تغيير طبيعة الحرب على اليمن، وبالتالي بات ما قبلها مختلفاً عما بعدها، وبناء على هذه القاعدة التي مثلت منعطفاً مفصلياً، رفضت حركة «أنصار الله» حركة الالتفاف السعودية الأخيرة، واعتبرتها مجرد مناورة جديدة تُضاف إلى سابقاتها بهدف التخفيف من الضغط على قواتها في الميدان.
ووسط كل التصعيد الحاصل، تقدمت صنعاء بمقترح للحل الشامل لإنهاء الحرب إلى الأمم المتحدة على شكل وثيقة، وهو يقوم على أساس وقف إطلاق نار شامل ورفع الحظر الجوي والحصار البري والبحري، إضافة إلى حلول للمشاكل الاقتصادية والإنسانية، وفقرة تتعلق بالعملية السياسية.
أزمة سعودية في الجنوب
يستمر الطرفان المتنازعان في الجنوب اليمني والمتمثلان في حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، بتبادل الاتهامات ويواصلان حشد القوات استعداداً على ما يبدو لجولة عنف جديدة.
آخر تلك الاتهامات كان من قبل حكومة هادي للمجلس الانفصالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بالهجوم على قواتها في محافظتي شبوة وأبين. فيما يتهم الانتقالي حكومة هادي بالتحشيد العسكري المتواصل وبإرسال التعزيزات إلى بعض المناطق، بحجة تعزيز جبهة البيضاء في مواجهة القوات اليمنية واللجان الشعبية. حركة استفزت الانتقالي ودعته إلى الطلب من كل قواعده العسكرية البقاء بكامل جاهزيتها كي لا يستغل الطرف الآخر أية ثغرة للنفاذ منها وبسط سيطرته على المنطقة.
وليس خافياً أن كل هذه التوترات تأتي إثر تعثر تنفيذ «اتفاق الرياض»، الذي وُقع بين حكومة هادي والمجلس الجنوبي الانتقالي في خريف العام الماضي وفشل تطبيقه.
ولكن، ورغم كل الخلافات الحاصلة بين الطرفين، تسعى كل من الرياض وأبوظبي إلى لملمة الوضع بالإيعاز إلى الميليشيات المدعومة منهما بضبط النفس وعدم تصعيد الموقف، بهدف توحيد الجهود في معركة مأرب، لما تعنيه من أهمية استراتيجية، ولما يمثله سقوطها من ضربة لكلا الطرفين.
وفي مفارقة غريبة، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اتصال هاتفي أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الأربعاء الماضي، إن المملكة حريصة على مصلحة الشعب اليمني.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية «واس»، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة امتنانه لإعلان المملكة تقديم دعم إنساني لليمن بمبلغ 500 مليون دولار، علماً بأن هذا المبلغ لا يشكل شيئاً يذكر من الأموال الضخمة التي أنفقتها على تدمير اليمن تحت ستار «دعم الشرعية».
ففي السياق، قالت صحيفة «الغارديان» اللندنية إن بريطانيا باعت أسلحة للسعودية بما تصل قيمته الإجمالية إلى أكثر من 15 مليار جنيه استرليني منذ بدء الحرب على اليمن عام 2015.
وكانت الصحيفة البريطانية قد نشرت تقريراً عن مبيعات شركة «بي أي إي سيستيمز» البريطانية، المتخصصة في صناعة الطائرات والمقاتلات الحربية، جاء فيه أن المبيعات تمت على مدار السنوات الخمس الأخيرة، منذ شهر آذار (مارس) عام 2015 الذي أطلقت فيه المملكة العربية السعودية عدوانها على جارتها الجنوبية، وفقاً للصحيفة التي أشارت إلى أن السعودية هي ثالث أكبر مشترٍ لمنتجات الشركة البريطانية المذكورة، بعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وبحسب تقرير «الغارديان»، فإن نحو ثلث صادرات الشركة إلى المملكة السعودية كان من مقاتلات «تورنيدو» ومرفقاتها من أسلحة وأنظمة وبرامج.
إيقاف العدوان وفك الحصار
يؤكد اليمنيون أن إيقاف العدوان وفك الحصار واتخاذ التدابير الإنسانية والاقتصادية هي أولويات الشعب وبوابة السلام الحقيقي، غير أن رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام قال إن «الحوار تحت النار والحصار ليس سوى وسيلة ضغط يعمل لصالح الخيار العسكري».
وأضاف: «نؤكد على موقفنا الواضح في أن وقف الخيار العسكري وإنهاء الحصار الشامل أولاً قبل أي نقاش هو الخيار الصحيح، والسلام لن يكون إلا بإعلان وقف العدوان وفك الحصار، وحالياً لا يوجد فرصة حقيقية للسلام لأن تصعيد العدوان لم يتوقف».
وتابع عبد السلام قوله إن «ما أعلنته دول العدوان عن وقف لإطلاق النار ادعاءات كاذبة ومناورة إعلامية، ولم نلمس إعلاناً حقيقيا لوقف العدوان ورفع الحصار وتعقبه حلول حقيقية يلمسها المواطن اليمني».
عبد السلام قال إن «المبعوث الأممي مارتن غريفيث طلب منا مناقشة أوراق أخرى بغية الاتفاق على الأوراق التي قدمها، أما عن رؤية الحل الشامل فيقول إنه معني بمتابعتها وهذا غير مقبول ولا يمثل ضمانة ولا يمثل ورقة قانونية، وردنا على غريفيث هو أن نص الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه هو ما يجب أن يتضمن الحلول الموجودة في الرؤية».
ولفت إلى أن «المبعوث الأممي يحيلنا إلى مقترحين تجاهلا الحصار والقضايا الأساسية، ولم يقدم رداً على الرؤية الوطنية لإيقاف العدوان ورفع الحصار بل يرفض النقاش الحقيقي لهذه المبادرة، بل يقدم رسائل لا تسمن ولا تغني من جوع».
وطالب عبدالسلام بنصٍّ صريح بوقف العدوان على اليمن ورفع الحصار بشكل كامل، لافتاً إلى أن دول العدوان «تسعى لكسب المزيد من الوقت لترتيب وضعها الميداني وهذا يؤكده التصعيد الميداني منذ ما أسموه إعلان وقف إطلاق النار».
من جانبه قال المبعوث الدولي إلى اليمن «إننا على مدار الأسبوعين السابقين انخرطنا في مفاوضات يومية مع الأطراف حول نصوص الاتفاقات التي اقترحتها الأمم المتحدة». وأضاف: «نحرز تقدماً جيداً للغاية في التوصل لتوافق حول مقترح وقف إطلاق النار في عموم اليمن»، مؤكداً «الآن نضاعف جهودنا لتجسير أهم نقاط الاختلاف العالقة بين الأطراف».
الأزمة الإنسانية
وكان وزير الخارجية اليمني هشام شرف عبد الله، قد التقى الممثلة المقيمة للأمم المتحدة منسقة الشؤون الإنسانية ليز غراندي، بحسب وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، وناقشا أنشطة الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية والإنسانية في اليمن ومنها ما يتعلق بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة الإنقاذ لمواجهة فيروس كورونا.
وخلال اللقاء، سلّم وزير الخارجية اليمني، المسؤولة الأممية، «مذكرتي احتجاج للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومبعوثه الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بشأن استمرار «تحالف العدوان ومواليه» في عرقلة واحتجاز السفن المحملة بالمشتقات النفطية والغاز وعدم السماح بدخولها وتفريغها في ميناء الحديدة».
مسلسل المغامرات العبثية.. مستمر
مغامرات ابن سلمان العبثية لا تنفك تدخل الرياض في أزمة تلو أخرى. وها هو اليوم يظن أنه بقرار وقف إطلاق النار المزعوم الذي اتخذته بلاده يستطيع إيهام العالم بأنه يحترم المعايير الإنسانية والأخلاقية في الحروب وأنه ما اتخذ قرار وقف إطلاق النار الوهمي إلا للإسهام في الحد من تفشي فيروس كورونا في البلد الذي أشبعه هو نفسه قتلاً وتدميراً، لعله يلمّع صورته أمام الرأي العام العالمي، بعد أن تشوهت بما يكفي من خلال ما ارتكبه من مجازر بحق الشعب اليمني.
الرياض اليوم، تقف مترنحة على أرض اليمن، تتلقى الهزيمة تلو الأخرى وتكاد تكون وحيدة، بعد أن انفض من حولها الحلفاء في هذه الحرب غير المتكافئة، والتي طال أمدها –باستثناء الإمارات التي تنافسها على المغانم الاستراتيجية الموعودة– حتى قضت على كل أخضر ويابس في اليمن.
الرياض مأزومة، من حرب النفط مع روسيا التي أدت إلى انهيار الأسعار ومضاعفة الأعباء المالية، والتي بالرغم من التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج، تركت الأزمة آثاراً سلبية على تطبيق رؤية 2030 التي يخطط لها ولي العهد في إطار تنفيذ ما يسميه الإصلاحات في المملكة، وتالياً إلى مواجهة أزمة كورونا التي وصلت إلى داخل القصر الملكي ودفعت بوزير الأوقاف إلى تعليق العمرة والطلب إلى الراغبين في أداء فريضة الحج التريث في تقديم طلباتهم، في مؤشر على إمكانية إلغائها هذا العام، وربما ليس أخيراً حرب اليمن التي تستنزف قدرات المملكة المأزومة. ويبدو أن مسلسل مغامرات ولي العهد الذي يعمل على ترتيب انتقال العرش إليه، لن يتوقف في المدى المنظور، ما دام ابن سلمان على رأس السلطة، مما ينذر السعودية بدفع المزيد من الأثمان، من اقتصادها… وسمعتها، وصولاً إلى تهديد كيانها.
Leave a Reply