بيروت –
نجح رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط في خرق الجمود السياسي على صعيد تشكيل الحكومة اللبنانية بعد أن استطاع كسر الجليد واثارة مخاوف الأكثرية الجديدة واهتمام الأكثرية القديمة بإطلاقه موقفا ممتعضا من حالة الفراغ المستمر منذ أشهر. غير ان هذا الموقف ظل دون سقف تخطي ثابتة المقاومة، بدليل خطاب جنبلاط نفسه الذي اعتبر ان الاسراع في تشكيل الحكومة يؤمن الحماية للمقاومة، وبدليل كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي وضع موقف جنبلاط من التأخر الحكومي في إطار “تأفف مؤقت”.
وما لبث ان انعكس الحراك الجنبلاطي حلحلة في مواقف الأطراف المعنية، فتوالت التسريبات المتفائلة بقرب انجاز الاتفاق على التشكيلة الحكومية، بعد تذليل العقبة الأكبر: وزارة الداخلية، لصالح مرشح يحظى برضا الجميع تردد أنه ضابط متقاعد في قوى الأمن الداخلي.
وعلى صعيد المواقف المتفائلة، نقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ هناك إصرارا قويا للاسراع بتشكيل الحكومة وأنّ هناك عملاً ساعة بساعة للوصول إلى النتائج المرجوّة في هذا الشأن. واشار الى أنه لمس تقدماً ملموساً ومحسوساً في عملية التأليف، وأنّ الأجواء “أفضل وأحسن، لكنه لا يستطيع أن يقول فول تيصير بالمكيول”.
غير أن ابرز المواقف التي عكست التقدم الحاص في الكواليس، عكستها السفارة الأميركية التي حذرت في بيان لها من ان “المجتمع الدولي سوف يُقَيِّم علاقته مع أي حكومة جديدة في لبنان على أساس تركيبة مجلس الوزراء المقبل، والبيان الوزاري، والإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الأخرى”. ولفت البيان الى ان “الولايات المتحدة تأمل بان يتمّ صيانة عملية تشكيل الحكومة من التأثير الخارجي”، مشيرا الى ان “الولايات المتحدة تدعم سيادة لبنان واستقراره وازدهاره، وتدعو الحكومة اللبنانية المقبلة الى توفير الاستقرار وتعزيز العدالة لشعب لبنان من خلال احترام اتفاقاته الدولية”.
ولفت بيان السفارة الى ان “الحكومة التي تمثل حقا مصالح شعب لبنان سوف تستمر في دعم ومؤازرة المحكمة الخاصة بلبنان”.
المحكمة مجدداً
عاد ملف المحكمة الى الواجهة مجددا، في توقيت سياسي مشبوه، مع اقتراب الإعلان عن الحكومة. وكان لافتا حديث السفير السابق جوني عبدو الذي كشف أولا أن “رئيس وزراء قطر وبتكليف من أمير البلاد سبق أن إتصل برئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي وطلب منه الاعتذار عن التكليف”، لافتا الى أن ميقاتي لم يأخذ بالنصيحة القطرية “لأنه إعتقد أن الاكثرية الجديدة هي معه وفي الواقع هي ليست معه بل إستعملته لازاحة سعد الحريري، وانتهى دوره”. ولم يستبعد عبدو في موضوع القرار الاتهامي “أن يرتفع منسوب الاتهامات من افراد الى أكثر وربما الى قادة”.
وكانت المحكمة الدولية أعلنت في بيان ان قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين أصدر قرارا يطلب فيه إلى المدعي العام في المحكمة الكشف عن أكثر من 270 مستندا للواء جميل السيد. وقرر القاضي فرانسين أن يسلم قريبا جميل السيد بعض المستندات الموجودة في حوزة المدعي العام للمحكمة. وسوف يكشف معظم هذه المستندات للسيد، بينما لن يطلع على بعضها الآخر إلا وكيله. كما قرر القاضي فرانسين أنه لا يمكن استخدام تلك المستندات إلا في أغراض مشروعة. وعند استعمال هذه المستندات، ينبغي احترام قرينة البراءة، وحق الدفاع، والحق في ضمان احترام خصوصيات الأطراف الثالثة.
وعلق اللواء جميل السيد على موقف قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بالقول ان “شكل القرار ايجابي باعتباره عبارة عن تسليم مواد متعلقة بالادلة حول شهود الزور المتعلقة بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري والتي شاركت فيها السلطة اللبنانية وشهود زور سوريين”.
ولفت السيد الى ان ما لم يصل الى الاعلام “هو ما وصلنا الليلة من مكتب فرانسين هو لائحة سرية من 10 صفحات تتضمن مواد وعناوين التي من المقرر ان يسلمها لنا، ونقوم بدراستها مع وكلائنا لنرى كم ينسجم مضمون القرار مع الشكل”.
واكد اللواء السيد انه “لا يمكن الحكم على قرار فرانسين الان، ان كان ايجابيا ام لا، قبل التأكد من المواد التي اعطانا اياها وان كانت تنفعنا، ولمصلحتنا و هناك ايضا مسألة اخرى هل اعطانا فرانسين كل المواد التي نحتاجها، طبعا مع احترامنا للسرية التي طلبها فرانسين”.
واضاف: “القسم الكبير مما حصلت عليه من المحكمة الدولية له علاقة بمذكرات انا قدمتها، وهو تحصيل حاصل، وهناك امور دقيقة لم اجدها حتى الآن”.
قمة روحية في بكركي
لم تمر القمة الروحية التي عُقدت في بكركي على ما يرام، بعد ان سجل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تحفظه على البيان الختامي. وفي التفاصيل، ناشدت القيادات الروحية المسؤولين “تأليف الحكومة اليوم قبل غد على الأسس الدستورية مما يمكنها من أداء دورها في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد والمنطقة العربية”، منوهين في البيان الختامي “بأهمية الصيغة اللبنانية في احترام الحريات الفردية الخاصة والعامة والتزامها بأسس النظام البرلماني الذي ليحفظ العيش المشترك في الوقت الذي تجري احداث مصيرية كبرى في عدد من الدول العربية المجاورة”.
وأكد المجتمعون، بحسب البيان الذي تلاه امين عام لجنة الحوار الاسلامي-المسيحي محمد السماك، على ضرورة الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، محذرين من التشرذم بينهم، ومطالبين بالإلتزام بثقافة الحوار الذي يحترم وجهات النظر مهما تباعدت ويرمي الى تحقيق الوفاق والخير العام و تعزيز الإنتماء الوطني ثقافيا وتربويا وسياسيا واجتماعيا وتثبيت اركان الدولة واحترام دستورها وقوانينها.
كما أكد المجتمعون على سيادة لبنان وحق الدولة في تحرير الأراضي من الإحتلال الإسرائيلي، طالبوا بالإحتكام الى المؤسسات الدستورية دون سواها والإعتماد على الجيش اللبناني وقوى الأمن لمكافحة الإرهاب، داعين الى البحث في استراتيجية تمكن الدولة من الدفاع عن حقوقها وسيادتها وتعزيز الانتماء الروحي وتثبيت أركان الدولة.
وفي الملف الفلسطيني، شدد المجتمعون على أهمية حل الصراع الفلسطيني الاسرائيليي الذي هو مفتاح الامن والاستقرار ما يضمن تحرير جميع الاراضي المحتلة، مؤكدين رفضهم للتجنيس.
وأشار المجتمعون الى عقد لقاءات دورية في المستقبل ، متمنين ان يوفر لقاؤهم الروحي والوطني قوة دفع جديد للحوار السياسي الوطني على النحو الذي حققه لقاءهم السابق الذي عقد في القصر الجمهوري عام 2008.
بدوره، شدد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على أن “القمة الروحية المسيحية-الاسلامية التي تعقد في بكركي هي حاجة ملحة، وقد تنادينا لعقدها بروح الشركة المحبة، لسببين، داخلي وخارجي، السبب الداخلي يعود الى الخلل في الوحدة الوطنية وظهور نزاعات طائفية سببتها خيارات سياسية متناقضة وضرورة تأكيد الثوابت والاهداف الوطنية المشتركة والميثاق الوطني القائم على العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين، والسبب الخارجي هو الازمات الحاصلة في بعض من البلدان القريبة والبعيدة وما لها من انعكاسات على الداخل اللبناني”.
البطريرك الراعي وفي الكلمة الافتتاحية للقمة الروحية، اشار إلى تميز “لبنان بكونه دولة مدنية تحترم البعد الديني وفقاً لما نص عليه الدستور، وذلك بفضل نظامه المتوسط بين نظامه التيوقراطي الذي يجمع بين الدين والدولة والنظام المدني”.
وشدد على أن “القمة الروحية المسيحية-الاسلامية حاجة من أجل تعزيز الثوابت الوطنية وحاجة لتحقيق الأهداف المشتركة، فلا بد من أن تعقب القمة لقاءات دورية نتفق عليها”، خاتماً بالقول: “على القمة أن تشدد على القيم الروحية والأخلاقية في الممارسة السياسية”.
في المقابل، انتقد المجلس الشيعي الأعلى برئاسة الشيخ عبد الأمير قبلان في بيان الصيغة النهائية لبيان قمة بكركي، معتبراً ان “قبلان شارك في القمة لما لها من اهمية بالغة في ارساء الثوابت بعد ان اصبحت مهترئة”، موضحاً ان “الاتفاق كان على ان يكون اللقاء للتأكيد على الثوابت وعدم التعرض الى اي مسألة خلافية بين التوجهات السياسية”.
وأوضح المجلس بحسب البيان ان “النقاش الذي دار في القمة حول البيان الختامي اظهر عكس ما اردنا من تأكيد على الثوابت فإنحرفت الأمور بشكل مخالف خاصة في البندين السادس والسابع والذي جاء فيهما قبل طرح التعديل التأكيد على سيادة لبنان وحريته وحق الدولة في تحرير أراضيها التي تحتلها اسرائيل ومسألة الصراع العربي-الاسرائيلي”.
وبحسب البيان فإقتراح المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى “اكد على حق لبنان في تحرير ارضه حتى يشمل ذلك الجيش والشعب والمقاومة وخاصة اننا في ظل فقدان الدولة للقدرة على الدفاع عن نفسها”.
اما فيما يتعلق بالبند السابع فكان الاقتراح حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، اعتبر المجلس الأعلى انه “تمت زيادة التعديل خجلا من طباعته في البيان الرسمي”.
وأكد الشيخ قبلان في البيان انه “توجه بحسن الظن للمشاركة في القمة ولكن مع الاسف وجد ان النص المعد مختلف عن النص الذي وزع للمناقشة”، فأكد “اننا في المجلس الشيعي الأعلى غير معنيين بما ورد خاصة فيما ذكر بالبند السادس”.
Leave a Reply