عماد مرمل – «صدى الوطن»
تواجه المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين، عراقيل إقليمية ودولية لا تزال تمنع حتى الآن المباشرة في تنفيذها على الأرض، بعدما تعارضت مصالح عدد من عواصم القرار والتأثير مع حسابات موسكو.
وبمعنى أوضح، تفتقر المبادرة إلى الدعم الأميركي والأوروبي والخليجي، الذي لا يمكن من دونه تأمين الأموال والغطاء لإطلاق ورشة الإعمار وتأمين متطلبات العودة، علماً أن واشنطن وبروكسل ودول الخليج تربط إعطاء الضوء الأخضر لمعالجة ملف النازحين بتأمين الضمانات للعائدين وبتوافر الحل السياسي الذي يتناسب مع مصالحها ويعوض عن خسارتها الميدانية، وهو أمر لا يمكن أن تقبل به دمشق والقوى الحليفة لها، على قاعدة أنها ترفض أن تخسر في السلم ما ربحته في الحرب.
أما لبنان المنهك تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة، فلم يعد قادراً على الانتظار والاستمرار في تحمل أعباء النازحين، إلى حين اختمار الحل السياسي وشروط المجتمع الدولي الذي يواصل عبر مؤتمراته تخصيص الأموال لمساعدة النازحين حيث هم، الأمر الذي يهدد بتوطين مقنّع لهم في أماكن تواجدهم، بدلاً من صرفها لاحتضانهم في المناطق الآمنة في سوريا.
وعلى الرغم من التداعيات التي يرتبها تفاقم مفاعيل أزمة النزوح على لبنان، لم تجد بعد، صرخات رئيس الجمهورية ميشال عون عبر المنابر الدولية والأقليمية آذاناً صاغية، بل هي تذهب في كل مرة أدراج الرياح نتيجة عدم تطابق حسابات الجهات الخارجية مع أولويات الدولة اللبنانية.
وإذا كانت زيارة عون الأخيرة إلى موسكو قد شكلت فرصة لتوحيد المقاربة اللبنانية–الروسية إزاء المسار الذي يجب اعتماده لضمان إعادة النازحين، فإن المشكلة تكمن في أن الاتفاق بين موسكو وبيروت لا يكفي وحده لكسب هذا التحدي، كون اللاعبين الآخرين المعنيين بهذه القضية يملكون حق «الفيتو».
آفاق المبادرة الروسية
ويؤكد السفير الروسي لدى بيروت ألكسندر زاسبيكين لـ«صدى الوطن» أن عودة النازحين لا تتوقف فقط على روسيا ولبنان وسوريا، مؤكداً على أن مشاركة الآخرين ضرورية لمعالجة هذا الملف، «لكن ما يدعو إلى الأسف هو أن الأدوار الأميركية والأوروبية والخليجية غير مشجعة لغاية الآن».
ويوضح زاسبيكين أن موسكو تبذل كل جهد ممكن لتأمين الظروف المناسبة التي تسمح للنازحين بالرجوع إلى وطنهم، مشدداً على أن المبادرة الروسية لا تزال قائمة وسارية المفعول، «إلا أن وتيرة تقدمها إلى الأمام لا تتوقف علينا فقط، وإنما ترتبط أيضاً بحجم تعاون الآخرين معنا، وبالتالي كلما كان التجاوب أوسع تصبح وتيرة تنفيذ المبادرة أسرع، والعكس صحيح».
ويشير السفير الروسي إلى أنه «لم تكن لدينا أية أوهام في شأن حقيقة نيات عدد من القوى الدولية والإقليمية حيال مبادرتنا، إلا أن الأكيد هو أنه من دون هذا الاقتراح الروسي لطي ملف النازحين كان الوضع سيصبح أسوأ، إذ باتت توجد، على الأقل، مقاربة للحل تشكل قاعدة للنقاش والبحث، بدلاً من أن نبقى صامتين وسلبيين، كما يفعل البعض، مع ما يجرّه ذلك من جمود».
ويؤكد زاسبكين أن تنفيذ المبادرة الروسية يتصل بعاملين حيويين: الأول، قانوني وتنظيمي ويتمحور حول ترتيب أوضاع العائدين على المستويين الإداري والإجرائي، والثاني عمراني واقتصادي يتعلق بإعادة إعمار المرافق الحيوية والبنية التحتية، «لكن هناك جهات دولية وإقليمية تربط مساهمتها في إعادة الإعمار تارة بالحل السياسي وطوراً بمعالجة المخاوف المفترضة على مصير النازحين من تصرفات النظام».
ويكشف على أن ما يحكى عن اعتقالات وأعمال تعذيب تستهدف بعض العائدين ليس صحيحاً، وإنما يندرج في إطار التزوير والحرب الإعلامية التي تُشنّ من قبل البعض، مشيراً إلى أن موسكو تدير في سوريا مركزاً لاستقبال النازحين، «ولم نحصل على أية وقائع أو معلومات تفيد بتعرض نازحين عائدين إلى الملاحقة والانتقام، ومن لديه إثباتات على حصول ارتكابات معينة فليفصح عنها علناً».
ويشير زاسبيكين إلى أن الولايات المتحدة تستعمل ملف النازحين ورقة ضغط ضد سوريا ومحور المقاومة، في إطار الأوراق التي تستعملها ضمن المواجهة المتصاعدة مع أطراف هذا المحور، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية باتت أكثر تشدداً من أي وقت مضى في التعاطي مع «حزب الله» وايران.
رفات الجندي الإسرائيلي
وعلى صعيد آخر، يعتبر زاسبيكين أن مسألة تسليم روسيا أخيراً رفات الجندي الإسرائيلي الذي قتل في لبنان عام 1982 إلى تل ابيب، إنما انطلقت من معايير إنسانية، ملاحظاً أنها أعطيت تفسيرات مبالغ فيها، وبنيت عليها استنتاجات غير دقيقة، «ونحن نتقيد بما أدلى به الرئيس فلاديمير بوتين في هذا الشأن ونحترم مرجعيته».
واستبعد زاسبيكين أية تأثيرات سلبية لما جرى على التحالف الاستراتيجي مع دمشق، انطلاقاً من وجهة النظر الروسية التي تضع تسليم الرفات في إطار إنساني بالدرجة الأولى.
Leave a Reply