ترؤس لبنان لمجلس الأمن فرصة لعرض وجهة نظره في ملفات أساسية وحساسة
نيويورك – خاص “صدى الوطن”
كان لبنان ولفترة طويلة مسرحا للعبة الأمم ولتآمر الدول عليه، فأرضه كانت مستباحة وتغرق في أتون فتنة أهلية لم تتوقف إلا بقرار دولي، واليوم دخل لبنان إلى “عقر دار” القرار الدولي وتربع مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام على عرش مجلس الأمن كرئيس لشهر أيار (مايو) الجاري، تزامنا مع التصعيد الاسرائيلي ضد لبنان الذي يحمل في طياته نوايا اسرائيلية حربية في المنطقة تنتظر ضوءا أميركيا أخضر من المستبعد اعطاؤه لاسرائيل في ظل حسابات أميركية تختلف عن حسابات البيدر الاسرائيلية. وتزامنا مع اختلال ميزان القوى في المنطقة بما يخدم لبنان وسوريا وايران في مواجهة اسرائيل، وبين كل ذلك تظهر الخلافات العربية–العربية في معظم القضايا المصيرية، فلسطين، لبنان، العراق والملف النووي الايراني. فكيف يستطيع لبنان أن يوائم بين مصلحته الوطنية والمصالح العربية المتناقضة؟
كيف سيحدد لبنان مصلحته الوطنية في ظل التبعية الخارجية لجزء كبير من مكونات حكومته التوافقية التي ينوي رئيسها سعد الحريري ترؤس احدى جلسات مجلس الأمن والقاء كلمة لبنان قبل نهاية الشهر الحالي؟
اسئلة كثيرة طرحناها على رئيس مجلس الأمن الحالي السفير الدكتور نواف سلام في غمرة انشغالاته وفي خضم ورشة عمل دبلوماسية يومية لا تتوقف ولا تهدأ منذ ساعات الصباح وحتى حلول الظلام، سيما وأنه رئيس لمجلس دائم الانعقاد.
– ما معنى أن يكون لبنان رئيسا لمجلس الأمن؟
هذه المرة الأولى التي يدخل فيها لبنان الى مجلس الأمن الدولي منذ 19٥3، ممثلاً عن المجموعة العربية وعن آسيا، وهذا يعني أنه تم توافقٌ عربي وآسيوي على لبنان، وهذا مهم جدا وخاصة بعد سنوات الحروب التي شهدها لبنان حيث عاد مشاركاً بالقرار الدولي وليس موضوعا على طاولة المجلس، تتباحث به الدول دون وجوده، حيث أصبح الصوت اللبناني مسموعا دون وسطاء في القضايا التي تهم لبنان من الوضع في الجنوب الى المحكمة الدولية ومن غزة الى العراق ومن السودان الى الصومال وصولا الى الصحراء الغربية، فضلا عن ذلك فإن للبنان مصلحة بسيادة القانون الدولي الذي هدفه أن يحمي الضعيف من القوي والفقير من الغني، فنحن كبلد صغير هذه مصلحتنا.
– ماذا عن الخروقات والتهديدات الاسرائيلية للبنان، هل يستطيع لبنان من موقعه في مجلس الأمن أن يطرح هذه المواضيع في جدول الأعمال؟
لا نريد أن نتوهم أن نتيجة وجود لبنان داخل مجلس الأمن سوف يوقف التهديدات الاسرائيلية، انما صوت لبنان أصبح مسموعا بشكل مختلف، وموقعنا الدبلوماسي أصبح أقوى وموقعنا السياسي أفضل، لا نريد أن نزيد التوقعات حتى لا نصاب في نهاية المطاف بالخيبة.
-بعض السياسيين يقول بأن هذا المنصب هو منصب برتوكولي للبنان؟
هذا كلام غير صحيح، وأكيد هو ليس منصبا برتوكولياً، مجلس الأمن هو الجهاز الذي يُصنع فيه القرار الدولي، ولكن هذا القرار له حدوده، ونحن نشكو من عدم تطبيق القرارات الدولية، لا سيما ما يتعلق منها بفلسطين ولبنان، ولكن هذا لا ينفي أهمية القرارات الدولية ولا أهمية المرجعية الدولية ونحن دائما نستشهد فيها.
– برتوكولي بمعنى أن الدول الخمس دائمة العضوية تستطيع أن تسقط أي قرار، وبالتالي بإمكانها أن تتحكم بالقرار الدولي وبالمجلس. السؤال هو عن موقع لبنان كرئيس لمجلس الأمن ضمن هذه المعادلة.
من دون التوافق بين الدول الخمس لا يوجد قرار، والدول الخمسة وحدها ليست كافية لصناعة القرار الدولي، بل هي بحاجة أيضا الى نصف أعضاء المجلس الآخرين، لأن أي قرار بحاجة الى تسعة أصوات، من هنا الموقف في مجلس الأمن يعطي قيمة مضافة للدول الأعضاء في المفاوضات مع الدول لأخرى، وهو يشكل رافعة للدفاع عن مصالح الدول الأعضاء.
-بالنسبة لجدول الأعمال لفترة كل رئاسة، من يحدد جدول الأعمال وهل يحق لكل عضو أن يطرح الملف الذي يريده؟
عادة يتم وضعه بشكل توافقي بين الدول الأعضاء. الميثاق يسمح بذلك في الأمور الاجرائية ولا يأخذ مبدأ الفيتو، جدول الأعمال معظمه شبه مفروض، وهو كناية عن تنفيذ لمتطلبات مجلس الأمن من فترات سابقة كالتقارير الدورية المقدمة الى المجلس حول النزاعات في العالم.
– في المؤتمر الصحفي الذي عقدته قبيل ترؤسك لجلسة مجلس الأمن الأولى، كانت هناك هجمة من الصحفيين الاجانب على عدم ادراج الملف النووي الايراني على جدول الأعمال، وألحوا على معرفة موقف لبنان بهذا الشأن، ما هي حقيقة موقف لبنان الرسمي من الملف النووي الايراني في حال طرح الملف في الفترات القادمة؟
أهم شيء أننا أجبناهم بشكل ملائم. الموضوع غير مطروح على الجدول لهذا الشهر، ولكن هناك موضوع عدم انتشار الأسلحة النووية الذي من ضمنه يطرح موضوع ايران. الى هذه اللحظة لم يطرح موضوع تجديد أو تشديد العقوبات على ايران، وهذا موقف احتمالي ولا يمكنني أن أبدي رأيي بموضوع احتمالي.
موقفنا موقف تمنع ولكن لبنان سيتصرف في ضوء مصلحته الوطنية، وفقط مصلحته الوطنية..
– لا يوجد موقف لبناني مسبق من هذا الموضوع؟
لبنان يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، وليس هناك ضغوط علينا حتى الآن، ولكن أعتقد أننا سنتعرض لها في مرحلة لاحقة.
– يعني موقف لبنان بين الامتناع والضد..
لبنان سيأخذ بعين الاعتبار الموقف العربي ومصلحته الوطنية العليا، لا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك.
– تم تداول معلومات في أروقة مجلس الأمن بين أعضاء البعثات، بأن الملف النووي سيتم طرحه خلال رئاسة المكسيك لشهر حزيران.
ممكن. وأعتقد أنه قبل استنفاذ التحركين البرازيلي والتركي استبعد المجيء بالملف الى مجلس الأمن. هنالك وساطات وهناك زيارة للرئيس البرازيلي في 16 الشهر الى طهران وكذلك الأمر هناك زيارة للرئيس التركي اردوغان، فهناك دبلوماسية ناشطة على الخط مع طهران.
-ماذا عن معاهدة عدم الانتشار النووي، هل هي مطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن؟
هذا موضوع مختلف، لبنان يتولى حاليا رئاسة المجموعة العربية ورئاسة مجلس الأمن، ولا أريد أن أقول ان هذه المرحلة حساسة، ولكنها مهمة جداً لأن خلال هذا الشهر هناك مراجعة لمعاهدة عدم الانتشار، وهناك موقف عربي معروف منذ عام 1995 الذي ربط التجديد اللامتناهي للمعاهدة بصدور قرار من أطراف المعاهدة لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، ونحن اليوم مع المجموعة العربية نفاوض مع سائر الأطراف على سبل تنفيذ هذا القرار، نحن لم نعد نكتفي بتجديد القرار بل بإيجاد آلية تنفيذية له.
– هل نجاح لبنان في فترة رئاسته للمجلس هو مشروط بأداء لبناني معين تطلبه منه الدول دائمة العضوية؟
المهم هو أن لا نفشّل نحن أنفسنا، وأنا على ثقة ان كان على صعيد الحكومة في بيروت أو على صعيد ما تبذله البعثة الدبلوماسية في نيويورك الى جانبي، سنكون على مستوى المسؤولية.
– خلال كلمتك باسم المجموعة العربية في الجمعية العمومية شددت على انضمام اسرائيل الى المعاهدة كدولة غير نووية، ولكن هناك من الدول الكبرى من يتذرع بالملف النووي الايراني، كعذر اسرائيلي على عدم انضمامها الى المعاهدة؟
نرفض اي نوع من المقابلة، المقارنة أو المقايضة التي يطرحها البعض بين ايران واسرائيل، الأمر يختلف تماما لأن اسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية. طويلا اعتمدت اسرائيل سياسة الالتباس والغموض ولكن هذا الغموض الدبلوماسي الذي حاولت أن تختبئ وراءه طويلا زال بعد اشارة اولمرت منذ سنتين الى أن اسرائيل هي دولة نووية. وهي دولة غير عضو في المعاهدة واسرائيل هي العقبة في تحويل الشرق الآوسط الى منطقة خالية من السلاح النووي.
– برأيك أن لبنان والمجموعة العربية هما ضد المقايضة “نوويا” بين ايران واسرائيل؟
صحيح، لكن بالأساس هذا الموضوع غير مطروح للنقاش اطلاقاً.
– في كلمة المجموعة العربية التي القيتها في الجمعية العمومية في مؤتمر مناقشة معاهدة عدم الانتشار كان هناك تطابق مع المندوب السوري بشار الجعفري في الفقرة التي تحدثت عن سوريا وعن تعرض مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لها، هل نستنتج بأن سوريا عملت على ادراج هذه الفقرة في كلمة المجموعة العربية؟
طبيعي أن تثير سوريا الموضوع لأنها الدولة المعنية، ولكن الأقوى هو تبني المجموعة العربية للمخاوف السورية من الطريقة التي تناول بها آمانو سوريا، ولكن الصياغة ليست نفسها، فسوريا صاغت فقرتها ونحن صغنا فقرتنا باسم المجموعة العربية بشكل حاز على موافقة جميع العرب.
– هل هناك زيارات لمسؤولين أو لوزراء من الحكومة اللبنانية الى مجلس الأمن خلال فترة الرئاسة؟
أنا اتمنى أن يتثمل لبنان بمستوى حكومي رفيع في مجلس الأمن..
– كبعثة لبنانية في نيويورك هل تواجهون صعوبات تقنية أو نقصا في عدد البدبلوماسيين والموظفين؟
عدد أعضاء البعثة اللبنانية تمت مضاعفتهم منذ دخول لبنان الى مجلس الأمن، ولكن مقارنة بعدد أعضاء البعثات الأخرى في مجلس الأمن فإن لبنان أصغرها وكانت هذه إحدى مخاوفي، ولكن عندما تنظر وتتلمس مدى التزام ونشاط وتفاني أعضاء البعثة في العمل يزول هذا القلق. فنوعية الطاقم البشري الذي تتمتع به البعثة قد عوض النقص العددي، عدد قليل ولكنه نوعي ومتميز.
– من الناحية التقنية؟
كل مكاتب البعثة مجهزة بأحدث ما هو متوفر في عالم المعلوماتية من اجل الاتصال والتواصل.
– تم نشر معلومات في الصحف عن أنك لا تنسق مع وزير الخارجية علي الشامي وتأخذ التعليمات من الوزير السابق محمد شطح وعلاقتك بالبعثة السورية ليست على مايرام.
الخبر الذي نشر في الأساس هو متناقض وقرأته في الطائرة في طريق العودة من بيروت بعد زيارة تضحض كل ما أثير، حيث زرت الوزير علي الشامي، وعرضت معه كل الملفات المطروحة في مجلس الأمن. هذا كلام له أغراض سياسية ولا علاقة له بالواقع بتاتاً، نحن في تواصل يومي مع وزارة الخارجية من خلال البرقيات المتبادلة، وعند الحاجة في أي لحظة اتصل بالوزير هاتفيا، وفيما يتعلق بالعلاقة مع البعثة السورية فهي ممتازة جدا ونحن في تنسيق دائم معها، لاسيما وأن وسوريا تترأس مجموعة الدول الاسلامية في الامم المتحدة. ونحن فضلا عن العلاقات الثنائية المميزة مع البعثة السورية، لبنان يقوم منذ مطلع هذه السنة بدوره الريادي في المجموعة العربية بدعوته لاجتماعات تنسيقية شهرية بينه (كممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن) وبين البعثة المصرية لترؤسها مجموعة دول عدم الانحياز ومع البعثة السورية لترؤسها مجموعة الدول الاسلامية ومع اليمن لترؤسه مجموعة الـ 77. فالمشكلة هي سياسية.
– ماذا كان الهدف من زيارة بيروت بشكل خاطف وفجائي؟
الزيارة جاءت في إطار ضبط الايقاع مع الوزير والمسؤولين في الحكومة، وقبل الدخول الى مجلس الأمن، عقدت أكثر من لقاء مع الوزير علي الشامي والرئيس الحريري. هذا هو الهدف فإذا لم أزر بيروت من أجل موضوع بأهمية ترؤس لبنان لمجلس الأمن فمتى أزورها.
Leave a Reply