حزين هو العالم في هذه الايام. فلا تكاد تنتهي مأساة حتى تبدأ أخرى، وكأن فترات الرخاء ليست سوى استراحات قصيرة بين مصيبتين. وطننا يختصر كل كلمات ومفرادات الحزن والغضب والمعاناة والأسى . كئيب هو لبنان، فلا يكاد يخرج من ظلمة نفق حتى تتلبسه غمامة سوء من جهة أخرى. كأن لعنة الموت والقهر تأبى إلا أن تخنق الجميع صغارا وكبارا، مقيمين ومغتربين، حتى أولئك الذين أتوا من بلاد أشد عوزا من وطننا، ليكنسوا غبار الوجع في بيوتنا، ويزيلوا بقايا الكآبة من على جدران غرف نومنا. اولئك الذين تركوا أهلهم و بيوتهم وأطفالهم ليعطوا أطفالنا جرعاً من الحنان والعطف حين تذهل حتى الامهات عن اطفالها في وطن غدت أيامه ولياليه تكاد تخلو سوى من إصطناع للحياة، حتى أولئك المساكين لم يسلموا من قهر الاقدار.
إنها مشيئة الله وقدره ولا إعتراض على مشيئة الله. لكن الله لا يفرض على قوم أن يكونوا عاجزين، الله يأمرنا أن نسعى ونبذل الجهد كي نستطيع أن نواجه الموت، بأن نكون أهلا للحياة. منذ فترة غير بعيدة غرقت باخرة محملة بالمواشي قرب سواحل طرابلس، وبدا العجز والضعف في إمكانات الدولة لإنقاذ بحارتها او حتى إيجاد رفات جميع أفراد طاقمها، ولولا تدخل القطع البحرية التابعة لليونفل لما إستطاعت الدولة فعل شيء. وكأن قضية الباخرة قد حصلت منذ سنين حتى تُطوى صفحتها ويسدل الستار الرسمي والاعلامي عليها. طائرة كوتونو نسيت وليس هنالك من يستمع لذوي ضحاياها الذين ما يزالون يعيشون ألم التنكر والنسيان. اللبنانيون في افريقيا متعودون على الظلم والمعاناة، فكم من مرة تم اجلاؤهم عبر طائرات الدول الاخرى بعد انقلاب او اعمال شغب.
كأن مسلسل المعاناة لابد أن يستمر حتى يستفيق المسؤولون لأيام فقط من سباتهم ثم يعودون إلى ترهاتهم من جديد دون أن يفعلوا شيئاً لدرء فشل مستقبلي. الكل في لبنان تعود الاستجداء وتقبل المعونات والمساعدات، حتى المواطنين اصبحوا يرضون بالمن والقليل من حقوقهم نتيجة اليأس الذي دفعوا اليه. ويبدو أن شهية الأميركيين مفتوحة على المساعدات في هذه الايام، وذلك أمر جيد نتمنى أن يصبح ديدن قواتنا مع كل الشعوب المسالمة، فبذلك فقط نستطيع “ان نكسب القلوب والعقول” كما يدعي منظرو الديموقراطية في واشنطن.
كفانا كوارث بعد الكوارث، وآلاما وجراح، فهذا الخد المتعود على اللطم لم يعد يحتمل أي صفعة أخرى.
العزاء والمؤاساة لكل مفجوع بكارثة سقوط الطائرة الأثيوبية… كأن هذا الوطن قد كتب عليه أن يبقى متشحا بالسواد، وكأن السقوط والسكوت قد صارا من شيمنا.
Leave a Reply