كانت وصية رسول الله محمد (ص)، لصاحبه أبي ذر الغفاري، أن يحب المساكين والتقرب إليهم، وأن ينظر إلى ما هو أدنى منه، ولا ينظر إلى ما هو فوقه، أن لا يسأل أحدا شيئا وأن يصل الرحم ولا يخاف في الله لومة لائم وأن يكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله.
كان أبو ذر الغفاري من فقراء الناس في الجاهلية، وإن كان سيد قومه. يوم دخل الإسلام نظر إليه الرسول متعجبا من قدرة الله على هداية أقسى قاطع طريق عرفته جزيرة العرب. وقتها كان المسلمون ستة أنفار لا أكثر. وجعل رسول الله يرفع بصره في أبي ذر ويصوبه تعجبا لما كان من غفار، ثم قال “إن الله يهدي من يشاء”.
ويسجد أبو ذر الغفاري في دار علي بن أبي طالب أولى سجداته لخالقه العظيم، ويفتح التاريخ أنبل صفحاته ليدون سيرة فارس نبيل من أجلاء الصحابة وأحد أعلام الحرية والعدالة في التاريخ، الثائر في سبيل الخير ونصير علي بن أبي طالب الذي رفع شأنه وقال فيه “أبا ذر رجل وعى علما عجز عنه الناس”.
من جهة أخرى، كان أبو ذر موضع ثقة الناس كما كان موضع ثقة النبي محمد بفضل علمه الواسع، ورأيه المصيب وحبه للاصلاح وميله إلى الفقراء والمستضعفين ودفاعه عنهم.
شخصيته حيرت الأفهام. فهو لم يسع لمنصب أو مركز، رغم أنه من أوائل من أسلموا. إنما ظل مناهضا للظلم ومناصرا للحق حتى آخر يوم في حياته. وبسبب ذلك دخل في معارك طاحنة. خصوصا عندما آلت الخلافة الى عثمان وعلى رأس المسلمين علي بن أبي طالب العالم العادل الزاهد إلا في الحق. هال أبا ذر الأمر عندما رأى الأمويين الارستقراطيين في نعيم ورأى عامة الناس فقراء مهملين، غير أنه لم يأت أمرا لأن الإمام علي لا يريد الفتنة.
ومن جهة أخرى لم يستطع كتم غضبه على سياسة الأمويين المنكرة فتزيد في ثراء المترفين وتقضي على الفقراء بالموت جوعا وتعاسة. وانقسم المجتمع العربي إلى طبقتين متباعدتين. فانطلق الغفاري يخطب ويقول: “بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكو جباههم وجنوبهم وظهورهم”، اتخذتم ستور الحرير، وكان رسول الله ينام على الحصير، وتأكلون ألوان الطعام المختلف وكان رسول الله لا يشبع من خبز الشعير.
وراح أبو ذر يطالب بإنصاف الفئة المحرومة من الفئة الحاكمة الباغية، ويحرض الفقراء على استرجاع حقوقهم بالقوة وللقضاء على الفقر، اساس الرذيلة وعدم الفضيلة، وكان يقول: “عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه” و”إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك”.
بعد حياة حافلة بالنبل والصدق والجسارة في الحق. حياة وضع رسول الله على صدره أرفع وسام حين قال “ما أقلت الغبراء ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر”. ارتأى عثمان أن ينفيه الى “الربذة” وهي مكان قفر لا يعيش فيه إنسان أو حيوان أو نبات ليموت هناك غريبا فقيرا لا يملك ثوبا يسعه كفنا، لكنه مات عظيما كريما لا يخيفه موت ولا تغريه حياة. مضى وهو يقول “ما ترك الحق لي نصيرا”.
سلام على أبي ذر يوم ثار ويوم مات
Leave a Reply