من عليائه، سوف يطل السيد موسى الصدر، ويلقي نظرة على الوطن الذي أحب، وعلى الطائفة التي انتشلها من مآتم اللطم وبؤس الحرمان، ولاشك سوف يسأل حامل الأمانة الذي طبل وزمر وملأ الجنوب بصوره كحامل للأمانة من صاحب الأمانة.
لن يرى السيد الصدر ما يسره، وسوف يشكر الله الذي أبعده تلك السنين الماضية عن الوطن-الحلم الذي كان يسعى لبنائه. وسوف يضرب سماحته كفاً بكف وهو نادم وحسير كون “وطن التكاذب المشترك” لايزال مزدهرا بطوائفه وتوافهه وانقساماته مع زيادة نسبة الخيانة والعمالة ارضاء للعدو الإسرائيلي وهروبا من الدار والجار ونعمة العيش المشترك.
سوف يرى تكالبا وتناحرا على المناصب والمراتب بين طقم جديد من القياصرة والزعماء قد أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، لكنهم للأسف لم يلقوا غيا بل زادوا بلاهة وثراء بينما المحرومين مايزالون محرومين وأولادهم إما مرهونون في قبضة زعيم الحي والطائفة، يأتمرون بأمره ويسبحون بحمده، وإما تهجروا في بلاد الله الواسعة هربا من تعاسة الجهل والفقر في الوطن.
بدون شك، السيد موسى الصدر، سوف يشعر بالخجل وهو يرى حامل الأمانة من صاحب الأمانة قد غدا قيصرا من قياصرة الحرب والسياسة في الوطن، يعيش في برج مشيد، تقلق حراسته وزمامير مواكبه الأحياء المجاورة والبعيدة بدون أن يجرؤ أحد على الاعتراض. وأن الأمانة التي حملها لم تكن سوى سلماً للسلطة والجاه والثروة التي يتم تقسيمها على بناء القصور والحراسة وعلى طريقة فيلمون وهبة، تستفيد من تلك الهبات والتبرعات: ضيعتو، وأولاد خالو وأولاد خالتو وأولاد عمو وأولاد عمتو والمرا الحلوة التي صارت مرتو.
سوف يرى السيد موسى الصدر، طبقات من البشر، منهم طبقة أنعمت عليها الحروب بأموال وبنين زينّت حياتهم الدنيا، وطبقات من الناس الذي قاسى وعانى سماحته من أجلهم، بانتشالهم من أوحال الفقر والجهل بالدين والدنيا، وفتح المدارس والمعاهد لأبنائهم ليتعلموا وينتجوا ولكي لا يظلوا عالة على البيك والوجيه والزعيم في بلداتهم وقراهم، لكن للأسف، انحسرت كل تلك المشاريع بعد غيبته وزاد الفقر وعم الجهل والأمية والعبودية.
بعد كل ذلك، سوف تخضب الدموع لحيته المباركة، وينتحب بكاء على وطن ضيعه أبناؤه وطوائفه المتناحرة على المكاسب والمناصب وسوف يحمد الله ويشكره أنه غادر باكرا حتى لا يرى ولا يسمع كذبهم ولا يرى صورهم.
السلام على السيد موسى الصدر، يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
Leave a Reply