يحسن الفلسطينيون صنعاً إذا ما مرروا المرحلة القادمة حتى انتهاء ولاية بنيامين نتنياهو، دون عقد معاهدة سلام مع إسرائيل، وليتريثوا في اقتناص الفرصة التاريخية المتمثلة بوجود باراك أوباما في البيت الأبيض، لحين إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية، حينها يمكن لهم إذا ما أسعفهم الحظ بوصول حزب العمل الإسرائيلي أو “كاديما” إلى السلطة، أن يحققوا معاهدة سلام أكثر توازناً وأقل إيلاماً، من تلك المتوفرة الآن.
السبب أن جل ما عرضه حزب ليكود المتطرف والذي يمسك بزمام السلطة الإسرائيلية حاليا، هو وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة في مقابل اتفاق سلام مذل للفلسطينيين لا يلبي طموحاتهم في إقامة دولة ذات سيادة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين، مضافاً إليه دفع العرب إلى تطبيع علاقاتهم بإسرائيل، وفتح بلادهم للسياحة أمام الإسرائيليين، وأجوائهم لعبور الطائرات مع ما يتبع ذلك من اتفاقات اقتصادية وتجارية تسمح بتبادل الخبرات التكنولوجية الإسرائيلية في مقابل الأموال العربية، على شكل استثمارات ضخمة في إسرائيل والمناطق الفلسطينية، وتعاون استخباراتي لمكافحة الإرهاب، وعسكري للوقوف في وجه ما صوره الغرب على أنه الخطر الإيراني.
هذا الطرح الإسرائيلي والذي تبنته إدارة الرئيس الأميركي أوباما، يلقى آذانا صاغية في عديد العواصم العربية وكذا في رام الله، ولأنه طرح بائس لا تجرؤ القيادات العربية والفلسطينة على الجهر به لشعوبها، وبدلاً من ذلك تسعى تلك القيادات إلى محاولة كسر الحواجز التاريخية والنفسية لدى العرب تجاه إسرائيل، من خلال ما يسمونه تطويرالخطاب الديني وتطويعه لصالح السلام ونبذ الجهاد والترويج للتسامح والمحبة وتقبل الآخر والتحاور بين الأديان وتعزيز التنوع الإثني والثقافي.
ناهيك عما تقوم به محطات قضائية عربية من تسويق للوجوه الصهيونية على شاشاتها، لطرح أفكارهم والتناظر والحوار، فيما وسائل إعلام رسمية تدعو إلى نبذ حركات المقاومة، مدعية أنها وراء الويلات التي لحقت بالشعبين الفلسطيني واللبناني، ومتهمة الجهات التي تدعمها بأنها دول تدعم الإرهاب ولا بد من تحسين سلوكها.
ثم إن أنظمة عربية وبضغط أميركي لجأت إلى تغييرات في المناهج الدراسية، عدلت على إثرها حقائق في مواد التاريخ والجغرافيا والأدب العربي وصولا إلى التربية الدينية، في محاولة لخلق أجيال لا يربطها بقضايا الأمة أكثر من منافع سوقية، تقتصر على فرص العمل والمشاريع التجارية وتحقيق الأرباح.
كل ذلك بموازاة ضغوط سياسية واقتصادية وعسكرية تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا على جهات ممانعة، يتمثل ذلك في حصار خانق على قطاع غزة منذ ثلاث سنوات، وتدخل في أجندة الأولويات اللبنانية، وضغط على النظام السوري وتهديدات لإيران.
ذلك هو ما يفسر الشرخ القائم بين “فتح” و”حماس” والذي لم تستطع مصر والسعودية بثقلهما السياسي والمالي، وأميركا وإسرائيل بضغطهما الاستراتيجي، أن يحققا أي تقدم فيه، فلا زالت الهوة بين الحركتين كبيرة لا يمكن جسرها، ويخشى أن تعمد جهات إقليمية ودولية أن تدفع بالفلسطينيين في مرحلة ما بعد الانتخابات القادمة إلى حرب أهلية، اذا ما اكتسحت “حماس” مقاعد المجلس التشريعي، تمهيداً للإطاحة بالسلطة. يذكر أن هذه الأخيرة تزودها اسرائيل بالأسلحة وتزودها الولايات المتحدة بالمركبات العسكرية والأموال فلا يعقل أن تكون هذه الأسلحة تتدفق على أجهزة الأمن الفلسطيني استعداداً للاشتباك مع الجيش الإسرائيلي. الشعب الفلسطيني في غمة، يدفعه حظه العاثر للدخول في حروب وحصارات وانشقاقات ولا أحد يدري ما يخبئه الغد من مفاجآت.
Leave a Reply