خليل إسماعيل رمَّال
كل يوم يمر على «أميركا-ترامب» فيه تشويق وإثارة لم نعهدهما منذ زمن وكأننا نشاهد فيلماً أميركياً طويلاً أو فيلم السهرة ولذا لا عجب أنْ يُطلِق الإعلام على دونالد نعت «رئيس تلفزيون الواقع» (Reality TV President).
حركات ترامب طغت عندنا حتَّى على أخبار لبنان لأنه لم يسلِ العالم والشعب الأميركي رئيس مثل دونالد، منذ رونالد ريغان الذي كان يستشير النجوم ويأخذ قيلولة معظم الوقت في البيت الأبيض ولا يعرف شيئاً عن الجغرافيا لكن الجمهوريين اعتبروه من أعظم رؤسائهم.
ريغان على الأقل كان حاكماً لأكبر ولاية أميركية هي كاليفورنيا ودخل معترك العمل العام، أمَّا ترامب فلم يتبوأ منصباً عاماً في حياته وكذلك مستشاره ستيف بانون الذي يُقال إنَّه الحاكم الفعلي ويدير البلاد من الخلف تماماً مثل معادلة حكم أحمد البكر وصدَّام حسين.
ترامب لا مثيل له اليوم في العالم وفلتاته لا حدَّ لها وتُذكِّر بالطاغية السيِّء الذِكر القذافي، لأنها مبنية على النرجسية وعقدة العظمة ترافقها عقدة النقص والإضطهاد. حتَّى صديق ترامب، الإذاعي هاوارد ستيرن أعرب عن خشيته من أنْ تؤذي الرئاسة صحة ترامب العقلية! قد يكون ستيرن محقاً وإلا مَن يفسِّر لنا ما تتداوله التقارير الإعلامية عن أن ترامب يتجوّل بروب الحمام في ساعات متأخرة من اللَّيل ليستكشف بيته الأبيض الجديد، ويُدمن على حضور نشرات الأخبار ويحضر باستمرار البرنامج التلفزيوني التهكمي الذي يهزأ منه كل أسبوع «ليلة السبت مباشرة» من نيويورك؟ وبالمناسبة وجوده في السلطة أعطى مادة تندُّر غزيرة للبرنامج وأنقذه فعلياً من الضحالة بحسب أليك بولدوين الذي يتقمص دور ترامب.
أي رئيس يوقظ مستشار أمنه القومي الساعة الثالثة فجراً ليسأله هل الدولار الضعيف أو القوي أفضل لاقتصاد أميركا؟ ومَن يرسل لائحة للإعلام عن العمليات الإرهابية التي لم تُغطَّ، وبعضها لم يحصل مثل أتلانتا، وتكون مليئةً بالأخطاء الإملائية؟ استحى حُكام العرب أنْ يفعلوا ذلك وهم بالكاد يفكُّون الحرف! ومٓن يخلط رتبة رئيس وزراء استراليا فيصفه برئيس استراليا؟ بل مٓن فيه عقل يفكِّر ببناء جدار عازل بوجه دولة صديقة تستفيد من هجرة مواطنيها ثم يتوقع أنْ تتحمل هي نفقاته؟ ومَن يشكو ويهاجم القضاة في بلده وكأنه تلميذ مدرسة؟
لكن ترامب لا مثيل له إلا بين سياسيي العرب وخصوصاً لبنان، الذين تحركهم النزوات وحياة اللحظة والجشع والفساد والأنانية. فهاهم نوَّاب الأمة في «شبه الوطن» وها هي منجزاتهم: التمديد لأنفسهم وزيادة مخصصاتهم وترك النفايات السامة تأكل حياة النَّاس وإفراغ الحراك الشعبي المدني من محتواه، وعدم وضع موازنة للبلد لمدة 12 عاماً مع منع إقرار سلسلة الرتب والرواتب ثم البحث في قانون للانتخاب قبل شهر من الإستحقاق. لفتني تصريح لسامي الجميِّل أنَّ الحوار مع «حزب الله» سيكون بشرط. بلد مثل لبنان هو كخرم الإبرة بالنسبة لأميركا ولازال فيه طرف معادٍ لا يتحاور مع طرف آخر يبذل دمه كل يوم لحماية البلد من الإرهاب؟ وماذا عن وليد جنبلاط الذي يتحمّٓس اليوم للطائف فيفسره على ذوقه ويقف ضد النسبية وهو كان أول المعترضين عليه فور إعلانه! ثم كيف كان هذا الرجل زعيماً لليسار يوماً ما وكان من صلب برنامجه للإصلاح الانتخابي النسبية العادلة والدائرة الواحدة؟!
أمَّا سعد الحريري فحدِّث بلا حرَج حيث أنَّه يدَّعي إنَّ لا خلاف بعد اليوم بين أركان الحكم ولكن كيف سيوفِّق بين موقفه وموقف الرئيس عون من النسبية؟ بل ما سيكون موقفه عندما تضطر الحكومة للتعاطي مع سوريا وهو «فَركها» في أول مناسبة حتَّى لا يصافح السفير السوري؟
وأخيراً وليس اَخراً، حملة رياض سلامة التهويلية مع رفات «١٤ آذار» لابقائه في منصبه في المصرف المركزي، والتي تتضمن خياراً إمَّا هو أو انهيار النقد، وكأنه هو الذي اجترح الإنجازات وحقق معجزة الاستقرار النقدي لوحده لا لأن مصرف لبنان مؤسسة عرفت قبله تخزين ما يكفي من الذهب والعملات الصعبة. مصرف لبنان حافظ على قوته واستقراره حتى في عز الحرب الأهلية إلى أنْ جاء أمين الجميِّل. بعض الموظفين الذين تعاقبوا على ترؤس المصرف لا يفقهون شيئاً عن عالم المال لكنهم حافظوا على وضعية المصرف مثل الياس سركيس مثلاً. ثم لماذا يُسمَّى موظف المصرف بالحاكم وفي كل دول العالم إسمه رئيس المصرف المركزي أو محافظ البنك إلا في لبنان الذي يعطي هذا الموظف راتباً يفوق مخصصات مكتب رئاسة الحكومة البريطانية! لماذا، من أجل «الهندسة المالية»؟! قد يكون من الأفضل لترامب أن يتسلى في لبنان لا في أميركا!
Leave a Reply