طارق عبد الواحد
تدفق آلاف السوريين في منطقة ديترويت الأحد الفائت للاحتفال بانتصار الثورة السورية بعدما بسطت فصائل المعارضة سيطرتها على العاصمة السورية ، دمشق، في يوم السبت السابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بالتوازي مع الأنباء المتداولة حول فرار الرئيس السوري بشار الأسد إلى خارج البلاد.
وجابت تظاهرة بالسيارات، الشوارع الرئيسية في شرقي مدينة ديربورن، حيث انطلقت مئات المركبات المزدانة بأعلام الثورة السورية من أمام «المركز الإسلامي الأميركي» بديترويت، لتسير عبر شوارع وايومنغ وفورد وغرينفيلد وميشيغن أفنيو، قبل أن تحط رحالها أمام «مكتبة هنري فورد» وسط حضور كثيف لدوريات الشرطة المحلية.
وتحولت الأجواء الحماسية أمام المكتبة آنفة الذكر إلى مهرجان استثنائي تميز بالهتافات المؤيدة للثورة السورية والحناجر الصادحة بالأناشيد والأهازيج الوطنية على وقع الأغاني السورية، في رسالة واضحة الدلالة على انبثاق أمل جديد لعموم السوريين بعد عقود ممضة من الاستبداد والقمع في ظل نظام الأسدين، الأب والابن.
وعبّر الناشط المجتمعي نظام أبازيد عن فرحه العارم بسقوط النظام السوري، مؤكداً على أن سوريا تكتب فصلاً جديداً في تاريخ الشعوب المتطلعة إلى الحرية والكرامة، وقال: «لقد أصبحت بلادنا خالية من الطغمة الفاسدة التي نهبت البلاد وشردّت العباد لأكثر من أربعة عقود»، مضيفاً: «فرحتي مثل ملايين السوريين لا حدود لها، ولا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عنها».
وأوضح أبازيد الذي يتحدر من مدينة درعا بأن إزالة النظام السوري كبّدت السوريين مئات آلاف القتلى والمعتقلين فضلاً عن تشريد نصف سكان البلاد منذ انطلاق الثورة السورية في آذار (مارس) عام 2011، مشيراً إلى أن عائلته في الوطن الأم فقدت عشرات القتلى أسوة بمعظم الأسر السورية التي فقدت أبناءها خلال المجازر الدموية أو حملات القمع التي اضطلعت بها قوات الجيش السوري والميليشيات الداعمة له، وفق تعبيره.
وقال أبازيد الذي شارك في تنظيم التظاهرة الاحتفائية: «لقد انزاح أخيراً الكابوس الذي كان يجثم على صدورنا ويهدد أحلامنا منذ عشرات السنين»، مضيفاً بأن طعم الحرية لا مثيل له، فهو يمنح الشعور بالولادة من جديد. وتابع: «أشعر كما يشعر زهاء 23 مليون سوري بأنني ولدت من جديد».
كذلك لم يستطع أنمار الحاج علي أن يخفي فرحته بعودة «السلطة والحرية إلى الشعب السوري» بعد عقود طويلة من البطش والترهيب الممنهج، وقال: «لا أصدق بأن النظام السوري انهار، أشعر وكأنني أعيش في حلم جميل ولا أريد أن أصحو»، مؤكداً بأن سوريا تعيش في هذه الأوقات أبهج أوقاتها، وواصفاً تحرر الشعب السوري من ربقة نظام الأسد بـ«الاستقلال الثاني».
وأضاف الحاج علي الذي اضطر إلى مغادرة سوريا في عام 2015 هرباً من ملاحقة النظام السوري بأن وطنه الأم يواجه الكثير من المستحقات المستقبلية، ومن بينها عودة المهجرين وإحقاق العدالة ومحاسبة المجرمين والفاسدين، وقال: «أمامنا مسيرة طويلة وشاقة لإعادة بناء سوريا وطناً لجميع أبنائه، ودون تفرقة على أساس الإثنيات والمعتقدات الدينية».
ولفت الحاج علي إلى أن السوريين المقيمين في ولاية ميشيغن بدأوا خلال المرحلة الأخيرة في تنظيم صفوفهم لحشد وتفعيل الجهود التي قد تتطلبها مرحلة البناء المستقبلية في سوريا ، وقال: «نريد أن نساهم في بناء وطننا بكل ما نملك، وبكافة الوسائل المتاحة».
من جانبه، أوضح محمد الزعبي بأن «الثورة السورية انتصرت بعد 13 عاماً من الصبر والكفاح رغم جميع العراقيل المحلية والدولية»، وقال: «إذا اقتصرت إنجازات الثورة على تحرير المعتقلين من أقبية النظام السوري فهذا يكفي»، مضيفاً: «نحن السوريين نعرف طبيعة النظام وأساليبه وسياساته الأمنية في قمع وإذلال السوريين، ومع ذلك فإن المقاطع المتداولة عن المحررين من سجن صدنايا تصدمنا جميعاً وتعكر علينا فرحنا بهذا الانتصار العظيم».
الزعبي، الذي وصل لاجئاً إلى أميركا في عام 2016، أكّد بأن الأخبار الأولى حول إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا «مطمئنة وتبعث على التفاؤل، ولاسيما وأن التعديات والتجاوزات على الأملاك الخاصة والعامة ضيقة النطاق»، معرباً عن أمله في أن تتمكن الفعاليات والقوى السورية من إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في أسرع وقت لإعادة سوريا إلى المسار الصحيح، حيث «يحكم الشعب نفسه بنفسه عبر تمثيل حقيقي وعادل لجميع الشرائح المجتمعية».
وجاء يامن الضاهر، من مدينة فلنت للمشاركة في التظاهرة الاحتفائية بـ«نصر الشعب السوري على أقبح نظام سياسي في تاريخ العالم»، بحسب تعبيره، مضيفاً بنبرة متحدية «لقد كلفتنا الحرية مئات آلاف الأرواح وتهجير ملايين السوريين في جميع أصقاع الأرض، وعلينا نحن السوريين ألا نسمح بعودة الاستبداد وانتهاك الكرامة الإنسانية إلى وطننا مهما كلفت الأثمان».
الضاهر الذي يتحدر من مدينة حمص، لفت أيضاً إلى أن المدينة الملقبة بـ«عاصمة الثورة السورية»، قد أصبحت «خراباً» غير قابل للعيش الإنساني خلال السنوات الأولى من الثورة السورية، مستدركاً بالقول: «ولكن أهلها بدأوا بالعودة إليها، فور إعلان سقوط النظام»، مضيفاً: «الناس يريدون العودة إلى بيوتهم للتأكيد على التمسك بحقوقهم وكرامتهم الإنسانية». وأردف يامن قائلاً: «سوريا لينا وما هي لبيت الأسد»، في إشارة إلى الشعار الذي أطلقه السوريون في بدايات الثورة السورية، جنباً إلى جنب مع العديد من الشعارات الأخرى التي تؤكد على وحدة الشعب السوري وحقه في العيش بحرية وكرامة.
نور السعدي، قالت إنها تريد زيارة سوريا في أسرع وقت للالتقاء بأقاربها الذين لم تلتق بهم منذ لجوئها مع عائلتها إلى أميركا وهي في عمر العشرة أعوام، مشيرة إلى أنها كانت طفلة صغيرة عندما فرت بها أسرتها إلى الأردن في أعقاب اندلاع الثورة السورية.
وأضافت نور التي تتابع دراستها في كلية «سكولكرافت» المجتمعية: «كنت أظن بأنني لن أرى سوريا مجدداً، لدي بعض الذكريات القليلة فقط عن عائلتي، ومع ذلك أعدّ الوقت بالساعات لحين استصدار جواز سفر والذهاب لزيارة بلدي»، مردفة بالقول: «لقد حقق السوريون المعجزة فعلاً، لم يفقدوا الإيمان بوطنهم، عندما كنت أسمع أهلي وأقاربي وهم يتحدثون عن سوريا، كنت أقول بيني وبين نفسي إنهم يعيشون في الماضي».
وأضافت: «شعوري لا يوصف، لقد تجدد الأمل بداخلي بعد تحرير عمي من معتقل صدنايا بعد عشرة أعوام من التغييب القسري، كنا نظن أنه فارق الحياة».
وعبّر الناشط المجتمعي والسياسي، الدكتور يحيى باشا، عن مشاعر مختلطة في أعقاب تحرير مدينة حماة التي نشأ فيها واضطر إلى مغادرتها في أعقاب سحقها من قبل نظام الأسد الأب في عام 1982، وقال في مقابلات إعلامية مع صحف محلية بولاية ميشيغن إنه سعيد بتحرير المدينة ولكنه في الوقت نفسه «متوجس» من ردة فعل النظام ومؤيديه.
وكان الباشا قد شارك بالاحتفال بتحرير المدينة الواقعة في وسط سوريا، مع العديد من أبناء الجالية السورية في مدينة وست بلومفيلد ليلة الخميس السابع من شهر ديسمبر الجاري، تلبية لدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملت منشوراً يصوّر نواعير المدينة العريقة مصحوبة بعبارة: «42 عاماً بانتظار العدالة.. لقد تحررت حماة من ديكتاتورية الأسد».
الطبيب الحموي الذي قُتل الكثير من أقاربه في مداهمات الجيش السوري وقوات «سرايا الدفاع» في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، أضاف: «في كل مرة أتذكر ما حدث في حماة أبكي بسبب الألم والقهر»، مضيفاً: «أريد أن أحتفل برحيل الأسد وآلته القاتلة»، ومعرباً عن أمله في أن يتمكن جميع المهجرين والنازحين من العودة بكرامة».
وعبّرت رشا المصري عن صدمتها من هول المقاطع المصورة التي ازدادت وتيرتها مع انطلاق عملية «ردع العدوان» في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقالت: «أكاد لا أصدق بأن كل ذلك الدمار والقتل والتعذيب في سوريا قد جرى على مرأى ومسمع العالم دون أن يقوم بأية جهود حقيقية لإنهاء المأساة والكارثة الإنسانية».
وأشارت رشا إلى أنه يتوجب على السوريين أن يتعلموا الدرس مما حصل لهم خلال الأعوام الـ13 الماضية، وقالت: «يجب على السوريين أن يضعوا جميع خلافاتهم جانباً، وأن يتخلصوا من أحقادهم إلى الأبد، لكي ينجحوا في بناء المستقبل الذي يضمن حرية وكرامة الجميع».
وأكدت رشا بأن سوريا تقف في الوقت الحاضر على «مفترق طرق»، وقالت: «هذه هي لحظة الحقيقة، فإما العمل على أسس وطنية وإنسانية، وإما التمزق والصراعات الأهلية التي ستفني الجميع»، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة قد عبّدت الطريق أمام الكثير من التسويات والمصالحات في عموم البلاد، ما حال دون وقوع المجازر المتوقعة.
وأوضحت بأنها على غرار الكثير من السوريين وغيرهم من المراقبين، كانت تعتقد بأن عمليات التحرير الأخيرة لن تنتهي بدون إراقة الكثير من الدماء وتهجير المزيد من السكان، و«لكن أياً من ذلك لم يحدث، والحمد لله»، بحسب ما قالت، مضيفة: «هذه إشارة على أن الشعب السوري واحد، ومصيره واحد، ومستقبله واحد».
Leave a Reply