نيويورك
بعد الارتفاع الصاروخي لأسعار المنازل في ولاية ميشيغن، خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما خلال وباء كورونا، يتوقع الخبراء أن تبدأ الأسعار بـ«تصحيح نفسها» في ظل تراجع الطلب وارتفاع تكاليف الرهن العقاري.
فبحسب تقرير صادر عن وكالة «موديز أناليتيكس» Moody’s Analytics، تشهد معظم المناطق الحضرية في الولايات المتحدة «مبالغة» في تقييم أسعار المنازل، ومن بينها عشر مناطق في ولاية ميشيغن، بما فيها منطقة ديترويت الكبرى.
ووجد تقرير الوكالة المتخصصة بالمخاطر والأداء والنمذجة المالية، أنه تمت المبالغة بأسعار العقارات السكنية بنسبة 25 بالمئة أو أكثر، في 210 منطقة حضرية بالولايات المتحدة.
وحدد التقرير «المبالغة في التقييم» من خلال مقارنة أسعار المساكن ومعدل دخل السكان وفق بيانات التعداد السكاني لعام 2020، لافتاً إلى أن أسعار المساكن التي تتجاوز قيمتها الأساسية بأكثر من 20 بالمئة تعتبر «مبالغ فيها للغاية».
وأظهرت الدراسة أن أسعار المنازل في منطقة ديترويت–ديربورن–وورن مبالغ فيها بنسبة 30 بالمئة، فيما وصلت المبالغة في منطقة غراند رابيدز في غرب الولاية إلى 52.6 بالمئة. أما أعلى نسبة فسجلت في مقاطعة ماسكيغون المجاورة عند 72.7 بالمئة.
وعلى الرغم من ذلك، رفض نائب كبير الاقتصاديين في وكالة «موديز»، كريس ديريتيس، توصيف انخفاض الأسعار المتوقع بـ«الفقاعة»، مفضّلاً مصطلح «تصحيح الإسكان»، نظراً لأن تراجع الأسعار لن يكون كبيراً كما حصل بعد أزمة العام 2008.
وقال ديريتيس لشبكة «أم لايف» الأخبارية: «الفقاعة، بالنسبة لي، تعني فرقعة كبيرة، ولكننا نفترض أن لدينا مبالغة في التقييم ليس إلا»، لافتاً إلى أن «أسعار المساكن ستتباطأ، ولكن الدخل سيزداد ببطء مع مرور الوقت، إلى أن يتمكن –نوعاً ما– من اللحاق بأسعار المساكن. وبهذه الطريقة تعود الأمور إلى نصابها».
وبافتراض أن الاقتصاد سيستمر في التباطؤ دون بلوغ مرحلة الركود، قدّم ديريتيس لأصحاب المنازل والمشترين والبائعين نصائح محددة للتعامل مع سوق العقارات في المرحلة الراهنة:
أصحاب المنازل
أثار ارتفاع الأسعار والمزايدة في تقديم عروض شراء المنازل خلال وباء كورونا، مخاوف الكثيرين من تكرر أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالبلاد عام 2008 وأدت إلى انهيار أسعار المنازل في أنحاء الولايات المتحدة بعد بلوغها مستويات قياسية آنذاك.
ومع تسجيل مستويات قياسية جديدة لأسعار المنازل الأميركية خلال وباء كورونا مدفوعة بوفرة السيولة المالية وانخفاض معدلات الرهن العقاري إلى مستويات غير مسبوقة (دون 3 بالمئة)، عادت التكهنات –مؤخراً– بانهيار وشيك للسوق العقاري في ميشيغن خلال الفترة القادمة في ظل التراجع الحاد في المبيعات بسبب انحسار الطلب وارتفاع معدلات الفائدة على الرهن العقاري، حيث كانت المنازل تباع خلال الوباء في غضون وقت قياسي وبمبالغ قياسية في ظل حروب العروض التي كانت تتوالى على البائعين.
إلا أن ديريتيس لا يعتقد أن الأسعار ستنهار كما حصل عام 2008، لافتاً إلى أن العامل الرئيسي الذي يفصل السوق الحالية عن فقاعة 2008 هو الدروس المستفادة من الإقراض عالي المخاطر.
وقال ديريتيس إن مبيعات المنازل التي سجلت في العام 2020، لاتزال تمثل صفقات ممتازة بالنسبة للمشترين من حيث معدلات الفائدة والدفعات الشهرية الثابتة، بالتالي فإن من كان يبحث عن منزل للاستقرار فيه لعدة سنوات، سيعمد إلى البقاء في مسكنه لتجنب ارتفاع الإيجارات أو شراء منزل جديد برهن عقاري أعلى.
وأضاف متوجهاً إلى أصحاب المنازل المتوجسين من انخفاض قيمة عقاراتهم: «لا داعي للقلق بشأن التقلبات من سنة إلى أخرى. فحتى لو انخفضت الأسعار بنسبة 5 بالمئة في مناطقهم، لا ينبغي لذلك أن يثير قلقهم كثيراً، لأن الاتجاهات طويلة الأجل لا تزال إيجابية للغاية».
واستدرك ديريتيس بالقول إن أصحاب المنازل الذين اشتروا عقاراتهم خلال الأشهر الستة الماضية هم «الأكثر عرضة للخطر نظراً لأنهم اشتروا بأسعار الذروة حسبما يبدو الآن»، موضحاً أن من اقترضوا نسبة كبيرة من ثمن عقارهم خلال هذه الفترة لن يكون لديهم هامش مريح لتغطية انخفاض قيمة المنزل مع مرور الوقت».
كذلك، أشار ديريتيس إلى أن الأشخاص الذين يشترون المنازل لتصليحها وبيعها، سيكونون الأكثر تضرراً من ظروف السوق العقاري حالياً.
المشترون
قد يشعر المشترون الحاليون بأنهم عالقون بين المطرقة والسندان عندما يتعلق الأمر بالدخول إلى السوق الآن أو انتظار «التصحيح».
ويعتبر توقيت الشراء دائماً مخاطرة، ولكن يمكن للمشترين الآن التروّي والتسوق دون ضغط، بحسب ديريتيس، فقد أصبحت مدة بقاء المنازل في السوق أطول، كما اختفت تقريباً ظاهرة المزايدة في عروض الشراء بسبب تراجع الطلب نتيجة ارتفاع الفوائد على الرهن العقاري.
ووصف ديريتيس التباطؤ بأنه «صحي» لأنه سيكبح مع بعض السلوكيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة مثل اضطرار المشترين إلى التنازل عن التقييمات أو التفتيش قبل الشراء.
وقال ديريتيس: «ليس عليك أن تكون متسرعاً، سيكون لديك المزيد من القوة فيما يتعلق بالمفاوضات. يمكنك فرض هذه البنود، لأنك لن تتنافس مع العدد نفسه من المشترين المحتملين كما فعلت في الماضي».
البائعون
إذا كانت أسعار المنازل لاتزال تحلق عالياً، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثرا سلباً على البائع في المرحلة القادمة، لاسيما مع التراجع الحاد في المبيعات، الذي أوصل السوق إلى حالة من الركود حالياً.
فلقد أظهرت بيانات مبيعات المنازل في عموم الولايات المتحدة لشهر تموز (يوليو) الماضي، اتجاهات هبوطية في جميع المجالات. إذ انخفضت مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وفقاً لموقع «ريلتور»، كما واصلت مبيعات المنازل القائمة تراجعها للشهر السادس على التوالي، وانخفضت وتيرة إنشاء المساكن الجديدة للشهر الخامس على التوالي.
وعلى الصعيد الوطني أيضاً، بلغ عدد المنازل المعروضة للبيع في بداية يوليو الماضي، نحو 1.26 مليون وحدة، وهو مخزون يكفي لمدة ثلاثة أشهر فقط، وفقاً لـ«الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين»، علماً بأن توزان السوق العقاري يتطلب مخزوناً يكفي لخمسة أو ستة أشهر، أما ما دون ذلك فهو في مصلحة البائع، وما فوقه فلمصلحة المشتري.
ويبدو أن انخفاض عدد المنازل المعروضة للبيع سيبقى في مصلحة البائع، لاسيما مع تراجع ثقة بناة المساكن خلال شهر آب (أغسطس) المنصرم، بوتيرة سريعة. إذ انخفض مؤشر سوق الإسكان الصادر عن مصرف «ويلز فارغو» 6 نقاط في أغسطس ليصل إلى 49 نقطة، علماً بأن أي شيء دون 50 نقطة يعتبر سلبياً.
وقال ديريتيس إن «على البائعين تدوين ملاحظاتهم وتعديل توقعاتهم»، موضحاً أن «فكرة عرض منزلك يوم الخميس، وبيعه بحلول يوم الأحد بعد تلقي خمسة عروض تنافسية للاختيار بينها» كما كان يحصل خلال أزمة وباء كورونا، «لم تعد واقعية».
Leave a Reply