ديربورن – خاص “صدى الوطن”
بدا اليمنيون الأميركيون، خلال اللقاء الذي نظمته مؤسسات وجمعيات يمنية متعددة والذي جمعهم مع السفير الأميركي في اليمن جيرالد فيرستين، مساء الإثنين الماضي في صالة “غرينفيلد مانور” في مدينة ديربورن، منقسمين حتى العظم، بين شماليين وجنوبيين، وموالين للنظام اليمني ومعارضين له، ومؤيدين للوحدة اليمنية أو داعمين للانفصال، لدرجة أن كلمات الناشط علي بلعيد ذهبت أدراج الرياح، وخاصة تلك الإشارات التي تضمنتها كلمته، حول نبذ “الإرهاب” ونبذ إلصاقه وتعميمه على كل أبناء الجالية اليمنية في الولايات المتحدة، مضافاً إليها الصعوبات والعراقيل التي “تضعها” القنصلية الأميركية في وجه اليمنيين الراغبين بالسفر إلى الولايات المتحدة، وفي مقدمتها الفحص الجيني الذي يتسبب بمشاكل اجتماعية على غاية في الخطورة، وفحص القات الذي يستغرق في معظم الأحيان فترات تزيد على الثلاث سنوات، وهو ما يعيق عمليات تقديم الطلبات، لأنه خلال هذه الفترة يتجاوز المتقدمون سن الـ18، فينتج عن هذه الحالات أوضاع جديدة تستوجب إعادة تقديم المعاملات، مما يطيل في أمدها أكثر فأكثر. بينما شدد الدكتور خالد شاجره خلال تقديمه للسفير الأميركي على محاربة التطرف، والتأكيد على الوحدة اليمنية، وضرورة العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية وخلق فرص العمل..
فما أن انتهى السفير الأميركي من إلقاء كلمته حتى اصطف طابور طويل من الراغبين بتوجيه الأسئلة إليه، تركز معظمها حول الوضع السياسي في اليمن ونقد نظام الرئيس علي عبدالله صالح واتهامه بالفساد والتلطي وراء “فزّاعة الإرهاب” لضمان الدعم الأميركي لحكمه، في الوقت الذي تعيث بطانته وأسرته فساداً في البلاد، لدرجة أن أحد الحاضرين طالب السفير الأميركي مباشرة برفع التغطية عن الرئيس اليمني، و”إلا فإنه سيكون على الولايات المتحدة منح حق اللجوء السياسي لـ25 مليون يمني”، في إشارة واضحة.. إلى رغبة جميع اليمنيين بالرحيل من البلاد بسبب الأوضاع المتردية التي يعانيها الشعب اليمني.
وانتقد آخرون السياسة الأميركية الخارجية وتحيزها لجانب إسرائيل في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، واستغربوا انحياز الإدارات الأميركية المتعاقبة ووقوفها إلى جانب “حاكم اليمن” الذي حول المؤسسة الحاكمة إلى “عصابة لقمع الحريات وخطف الناشطين وتصفية المعارضين” متسائلين في الوقت نفسه عن الموقف الأميركي فيما يخص مسألة الحريات والديمقراطية.
وتوجب على السفير الأميركي تكرار معظم الأفكار و”التأكيدات” التي تضمنتها كلمته في الرد على الأسئلة التي طرحت بطريقة غاضبة وصاخبة في المجمل. فأعاد التأكيد على أن جوهر العلاقة بين اليمن والولايات المتحدة لا يقوم فقط على المسألة الأمنية، بل إن “إدارة الرئيس باراك أوباما تسير في طريق بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد”.
ونوه السفير فيرستين بأن التعاون بين الأميركيين واليمنيين لا ينحصر فقط في مجال مكافحة الإرهاب بل يتعداه إلى مساعدة المجتمع اليمني لمواجهة المصاعب التي تقف حائلا وعائقا في طريق نموه وتطوره.
وأشار فيرستين إلى زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الأخيرة إلى صنعاء، ولقائها بالمسؤولين الرسميين وقيادات المجمتع المدني، وفعاليات اجتماعية وأكاديمية وشبابية، إضافة إلى لقائها بمعارضين سياسيين للمرة الأولى، وذلك في إطار بحث السبل الكفيلة بإيجاد حلول للمشاكل العالقة، ومناقشة القضايا التي تمر بها البلاد عموما.
ووصف فيرستين النظام اليمني، بأنه النظام الجمهوري الوحيد في منطقة الخليج العربي، وأشاد بمكانة الانتخابات في المشهد السياسي في ذلك البلد، ولكنه اشار إلى أن “الانتخابات يجب أن تكون مرئية، وينبغي أن تتم بالطريقة الصحيحة، ويجب على من يحق لهم الانتخاب التوجه الى صناديق الاقتراع لممارسة واجبهم”.
وركز السفير فيرستين في جزء كبير من كلمته على الجانب الاقتصادي، وضرورة العمل على تنشيط الفعاليات الاقتصادية ودعمها، مؤكداً “أننا نعمل مع الحكومة اليمنية والمؤسسات والفعاليات الاقتصادية من أجل تفعيل الواقع الاستثماري، وأن الحكومة الأميركية ملتزمة بخلق بيئة داعمة، خاصة لجهة القطاع الخاص”.
وأضاف “إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون الشريك الوحيد ولا بد من إشراك المجتمع الدولي ودول المنطقة في هذا المجال، على أمل إنجاز التقدم والازدهار الذي سوف ينعكس بطريقة إيجابية على أبناء الشعب اليمني”.
وفي معرض رده عن التحيّز الأميركي للسياسات الإسرائيلية قال “إن إدارة الرئيس أوباما جادة في دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وسوف نتابع ذلك”.
وحول أسباب دعم الولايات المتحدة لنظام عبدالله صالح، قال “اليمن هو الجمهورية الوحيدة في المنطقة، وهو بلد لديه دستور، وفيه أحزاب متعددة، وأميركا مهتمة بمساعدة اليمنيين على إنجاز تجربتهم في خلق المجمتع الديمقراطي”.
وفيما يخص الفساد قال “إن الفساد هو حالة موجودة في اليمن، ولكن المؤسسات المتعددة تعمل ما في وسعها لمعالجة هذه المسألة”.
ورغم إجابات السفير المقتضبة و”الدبلوماسية” فيما يخص الشأن السياسي، و”هروبه” الدائم إلى الحديث الاقتصادي وضرورة دعمه، إلا أن أسئلة السائلين ظلت في منطقة السياسة، ما عدا بعض الحالات الاستثنائية التي نحت منحى مطلبياً، فقد اشتكت امرأة أميركية بيضاء (متزوجة من يمني) حول معاناتها من استقدام أولادها من اليمن.
كما اشتكى يمني من تعقيد معاملة زوجته في السفارة الأميركية في صنعاء الأمر الذي يبقيها بعيدة عن زوجها وأطفالها المقيمين في ديربورن.
ووعد السفير بالعمل على متابعة تلك الحالات.
وحول إصرار أغلب اليمنيين على مقاربة الأوضاع السياسية، ونقد ممارسات النظام اليمني الحاكم، قالت مصادر لـ”صدى الوطن” إن الهدف الأساسي من الزيارة هو رغبة الأميركيين باستمزاج آراء الجالية اليمنية ومعرفة مواقفها من نظام علي عبدالله صالح، لأنهم (الأميركيون) على الأرجح يقومون بإعادة تقييم الأوضاع ودراستها على ضوء التغيرات التي أصابت الشارع العربي عموما، واليمني بوجه خاص، بعد “الثورة” التونسية، والإطاحة بنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
وذكرت المصادر ذاتها، أن خطابي الرئيس اليمني في الأيام القليلة الماضية، واعتذاره للشعب اليمني ووعوده بعدم ترشيح نفسه لولاية جديدة في العام 2013، وأن لقاء وزيرة الخارجية الأميركية مع معارضين يمنيين للمرة الأولى، يندرج في السياق ذاته.
Leave a Reply