خليل إسماعيل رمَّال
مسخ الوطن لا يوجد فـي قاموسه كلمة إسترداد (recall) المستعملة على نطاق واسع فـي أميركا وكل الدول التي تحترم نفسها وشعوبها. هذا الاسترداد هو آلية حكومية مهمة للمساءلة و لحماية المستهلك من الشركات العملاقة التي تنتج بضائعها وترميها فـي السوق فإذا كان فـيها أي خلل أو عطب، على هذه الشركات أنْ تقوم باستدعاء واسترداد البضائع من المستهلكين ثم تصليحها على حسابها وإعادتها صاغرة لهم وعلى قلبها مثل السمن والعسل رغم الأكلاف الباهظة.
لكن فـي وطن الصفة المشبَّهة لا نسمع منذ الصغر إلا شعار البائعين «البضاعة التي ُتباع لا تُرد ولا تُبدَّل». أي لا استرداد ولا استدعاء ولا إرجاع البضاعة أو المال ولا يحزنون. فعملية الشراء أبدية أزلية لا تتبدل، حتى لو أدت المنتجات مثل اللحوم والدجاج واللبنة الفاسدة، كما يحدث اليوم، إلى موت المستهلك!
ولا يقتصر هذا «الالتزام» على البضائع بل على السياسيين أيضاً خصوصاً النوائب والزعماء والمسؤولين. فالنائب الذي يشتري لنفسه النيابة بالغش وبيع الاصوات والتزوير لا يُرد ولا يُبدَّل وها هو المجلس النيابي ممدِّدٌ لنفسه إلى ما شاء المولى بحضور ٩٥ منهم لم نرهم فـي أخطر الأزمات! لكن لا يهم فنشكر الله لأنه أعطانا العمر لنكحل أعيننا ونشنِّف اذاننا برؤية وسماع النائب المُمَدِّد لنفسه علي عسيران وهو يتحدَّث فـي مناسبة صحية فـي بلدة أنصارية الجنوبية، بعد ٢٠ عاماً فـي النيابة!
اما فـي الفكر والأدب فحدِّث ولا حرج. فبضاعة سعيد عقل بعد موته حتماً لم تُرد اليه ولم تُبدَّل. وفـي موته انقسم اللبنانيون حوله أكثر من حياته. فمنهم من سمَّاه على صفحات التواصل الاجتماعي أو الصحف الورقية بانه شاعر فـيلسوف وعظيم، ومنهم من وجده مجنوناً خائناً عنصرياً متملِّقاً.
سعيد عقل خائن وعميل بل منظر للخيانة والعنصرية والشوفـينية اللبنانية ومعادٍ لكل ما هو غير فـينيقي الى درجة محاولته الفاشلة تغيير اللغة العربية الى لغة «لبنانية فـينيقية». ولكن كيف نفصل تراث الشخص الفكري عن مواقفه العدائية المقيتة؟ وهل شعر بكلمة مع أطفال قانا والجنوب؟ كفى مهاترة والتبرير لمجرم فكري وسياسي خطير. فقط فـي مسخ الوطن يحصل هذا الاستهتار تجاه العمالة الكبرى. ونعم يكفـي موقفاً خائناً، ولو كان يتيماً، لسعيد عقل على «اليوتوب»، عندما وصف جيش العدو بجيش الخلاص، لنسف كل عبقريته المزعومة وأشعاره الفـينيقية!
المعطى الوحيد الذي تستعد الدولة المنهارة لتبديله والتفريط فـيه هو الجيش اللبناني الذي يموت أفراده ويتساقطون كل يوم بسبب كمائن المجرمين التكفـيريين بينما وزير الدفاع سمير مقبل، مِكرٍّ مِفرٍّ مُدبرٍ معاً من الأسلحة الإيرانية المجانية التي تعزِّز قدرات الجيش أكثر من كلامه المعسول ومن انتظار الهبات التي هبَّت كذباً ونفاقاً على القوى العسكرية المكشوفة، وتامراً من قبل وزير العدل وضعفاً من قبل أكثر رؤساء الحكومة عجزاً فـي تاريخ الوطن التعيس.
حتى عندما تعتقل الحكومة، بفضل الجيش لا بفضلها، نساء وعائلات القادة التكفـيريين المجرمين لا تعرف كيف تفاوض وتساوم وتستفـيد منهم كورقة رابحة للإفراج عن مهزلة وفضيحة الرهائن العسكريين فـي أيدي سفاحي «النصرة» و«داعش»، وان شاء الله لا تتحول زوجتا البغدادي وجركس الى عبء على هذه الدولة الشبطينيّْة. على ذكر أليس شبطيني فقد نطقت فـي حكومة العجائب بعد تحرير أسير «حزب الله» عماد عياد وتساءلت عن هيبة الدولة. ربَّما يجب تلزيمها ملف سجناء رومية لكي تطلق سراحهم كما أطلقت سراح كل العملاء!؟ خلص بكفـي هذا القدر من الغثيان!
Leave a Reply