يذكّر عنوان الكتاب “الشمس تشرق من المغرب” لمؤلفه السيد حسن القزويني، الصادر لدى “مؤسسة البلاغ” في بيروت، بكتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه “شمس العرب تسطع على الغرب”، الكتاب الشهير الذي تناول تأثيرات الحضارة العربية الإسلامية على مجمل البلاد الأوروبية في المجالات العلمية والطبية والفلسفية والإنسانية العامة.
ويسلط الكتاب الذي حمل عنواناً فرعياً آخر “تجارب داعية في الولايات المتحدة الأميركية” الضوء على تجارب العرب المسلمين في أميركا، ودور المؤسسات الدينية والاجتماعية في إعادة تشكيل الوعي الديني لناحية العقائد وممارسة الواجبات الدينية، اللتين كان لهما الأثر الكبير في بلورة مفهوم “الهوية” لدى المهاجرين العرب والمسلمين، مما ساعد على مقاومة تأثيرات الثقافة الأميركية، التي توصف بـ”البوتقة الصاهرة” لقدرتها على إدماج الجاليات والجماعات الإثنية المتعددة الثقافات والعروق في صميم الحياة والنمط الأميركيين، ناهيك عن تأثيرات الثقافة الأميركية وقيمها التي تمتد إلى خارج أراضي القارة الأميركية ووصولها إلى معظم الأماكن في العالم بشكل يمكن معه وصفها بـ”الثقافة العابرة للقارات”، التي تحاول من “العولمة” تمرير ونقل وترسيخ تأثيراتها في الثقافات الوطنية الأخرى.
والمفاجأة في هذا السياق، أن “الدين”، وبشكل أكثر تحديداً، الدين الإسلامي، يلعب الدور المميز والحاسم في حماية الهويات الوطنية والثقافية العربية، والإسلامية الأخرى، بالرغم من وجود التناقض الظاهري.. ذلك أن الدعوة الإسلامية نفسها تنطوي في جوهرها على بعد عالمي وكوني. ومهما يكن من أمر.. فإن نجاح “الإسلام” في حماية الجماعات والجاليات العربية والإسلامية من الانصهار والتماهي مع الثقافة الأميركية يذكر بالدور التاريخي للإسلام وقدرته على حماية الشعوب العربية من الانصهار في ثقافة الغزاة الذين استعمروا البلاد المشرقية لمئات السنين، لدرجة أن الكثير من الشعوب الغازية دخلت الإسلام وتبنت ثقافة الشعوب المستعمَرة، بشكل يخالف السياق التاريخي، ويخرج عنه، لصالح تأكيد قوة الدين الإسلامي وقيمه وأبعاده المادية والروحية.
غير أن أهم في الكتاب الذي بين أيدينا أنه لا يغرق في المناقشات النظرية، ولا يقيم عليها خطته، بل يجعل صلب رسالته في نقل تجربة ذاتية، تتصل وتتفاعل مع المحيط والناس والمؤسسات المدنية والحكومية، لشخصية دينية معروفة في مجتمع الجالية العربية والإسلامية، إضافة إلى كونها معروفة في الأوساط الدينية والرسمية في عموم الولايات المتحدة، فالكاتب.. السيد حسن القزويني، فضلاً عن كونه مرشداً لـ”المركز الإسلامي في أميركا”، وهو أكبر المراكز الإسلامية في أميركا الشمالية، فهو صاحب مسيرة حافلة من النشاطات والمشاركات واللقاءات والحوارات التي أهلته لأن يكون مرجعاً للصحافة الأميركية عن الإسلام تحاوره كبرى الوسائل الإعلامية الأميركية مثل صحيفتي “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”.
وإلى جانب ذلك فقد التقى القزويني مع الرؤوساء والمسؤولين الأميركيين البارزين، كما استضافه البيت الأبيض لاستشارته في الشؤون الإسلامية، وكان أول مسلم شيعي يفتتح دورة الكونغرس الأميركي 108 بكلمة ودعاء من وحي القرآن الكريم. فضلاً عن المحاضرات التي تزيد عن الـ 270 محاضرة في مختلف الكليات والجامعات والكنائس والمعاهد الأكاديمية الأميركية كجامعة “جورج تاون” و”ريتغرز” و”معهد السلام الأميركي”.
وتبقى النقاط الأكثر إثارة في الكتاب، هي تجارب الكاتب الشخصية مع الناس العاديين، وشؤونهم اليومية ومشكلاتهم واهتماماتهم وهمومهم وتطلعاتهم، والتي يمكن من خلالها معرفة مزايا وخصائص الجالية العربية والإسلامية وواقع حالها. وفي الكثير من التجارب الشخصية التي يسوقها المؤلف في كتابه والتي يتعامل معها السيد القزويني بروح انفتاحية وتفهم إيجابي، نكتشف الشروط الأساسية التي يجب تتمتع بها شخصية الداعية الإسلامية، بما في ذلك نبذ الفظاظة والغلظة والتعصب والتشجع على الحوار وقيم التسامح وقبول الآخر المختلف..
يتألف الكتاب من سبعة فصول: لماذا الدعوة الإسلامية في الغرب، وأهداف الدعوة الإسلامية في الغرب، وشروط الدعوة، وشروط الداعية، وأدوات الدعوة، والقوى المناهضة للدعوة الإسلامية، وآفاق الدعوة.
وتغطي مضامين الفصول ومحاورها مسحاً لمروحة القضايا والمسائل التي تتصل بحياة العرب المسلمين في الولايات المتحدة وشؤونهم اليومية، كما تتعرض إلى بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية العامة في البلاد، مثل حياة العصرنة والإباحة الجنسية، والحوار الإسلامي–المسيحي في الغرب، وأفكار بعض الجماعات المسيحية المتطرف وسلوكيات الوسائل الإعلامية المنحازة.
والأهم في هذا الكتاب، أنه يساهم في سد فجوة كبيرة في مكتبة تعاني من نقصان ملحوظ فيما يتصل بالتجربتين العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، ذلك أن معظم الكتب التي تناولت هذه التجربة كانت بأقلام الكتاب الغربيين الذين غالباً ما ينطلقون من آراء مسبقة لا تخلو من الانحياز والعصبية، أو سوء الفهم في أحيان أخرى.
كما أن مجمل التجارب الشخصية والنتائج التي يلخص إليها الكاتب، السيد القزويني، تشكل قدوة يحتذى بها لأي داعية إسلامي، ومعينا ومصدرا ضروريا لأي باحث اجتماعي في التجربة التاريخية للجالية العربية المسلمة في الولايات المتحدة، فضلاً عن فائدة الكتاب العميمة لجمهور القرّاء الأوسع.
Leave a Reply