جماعة 14 اذار تفوز في الانتخابات اللبنانية بعد انفاق مليار ونصف المليار دولار من الخزينة السعودية لشراء اصوات الناخبين، ايران ترتبك تحت وقع الصدمة الناتجة عن انكشاف حجم التذمر من دولة الولي الفقيه وتحول الاخير من منزلته القيادية الحيادية الى مجرد ديكتاتور ذي اجندة سياسية مدعومة بسلطة “الباسيج”، احمدي نجاد سيمضي في حماقاته لتاكيد ان “الشيعة” خصم تاريخي للغرب، دول “الاعتدال” العربية ستواصل نجاحها في توظيف “النجادية” لتعزيز التعبئة الاقليمية ضد الشيعة ولتبرير التقارب مع اسرائيل لاقامة نظام اقليمي جديد محوره التوازنات الناشئة عن الموارد الضخمة لآل سعود وتحالفهم الوطيد والراسخ مع المؤسسة الوهابية التي اعلنت ضمنيا نهاية صراعها مع الغرب المسيحي واليهود للتفرغ لصراع اكبر مع الشيعة، اميركا تتراجع عن التورط المباشر لصالح البحث عن وكلاء لمصالحها، السعودية هي الوكيل الاكبر المستعد دائما لدعم مصالح اميركا مقابل القضاء على اي خصم جيوسياسي او ايديولوجي اقليمي، اسرائيل تتقارب مع السعودية ومصر التي اصبحت نهائيا على ابواب معركة التوريث، القناع الذي تتخفى وراءه مملكة المال والنفط والمقدس، حسني مبارك يجتمع بالعاهل السعودي مرتين في 48 ساعة ظاهرها المصالحة الفلسطينية وباطنها تمهيد المسرح للمعركة القادمة. ساحة الصراع القادم ومحوره؛ العراق.
السعودية هي اكبر المتورطين بتصعيد العنف وزعزعة الاستقرار في العراق خلال الاشهر الاخيرة، والعنف سيستمر عبر منهج السيارات المفخخة لعدم اعطاء اي فرصة لالتقاط الانفاس لحكومة المالكي وتصعيد التذمر الشعبي وكشف عجز المالكي عن فرض الامن لاسيما مع انكشاف ظهره اكثر بفعل انقلاب الاكراد عليه او انقلابه عليهم وتآمر بعض الشيعة ضده ثم مواصلة السنة موقفهم الداعم لاضعافه بوصفه رفضا لواقع لا يريدون قبوله.
الميزانية التي رصدتها السعودية لاعادة تشكيل الوضع بالعراق بلغت بحسب مصدر كبير 10 مليارات دولار، وهو سيناريو يمر عبر عدة خطوات ويعتمد عدة بدائل وصولا الى تحقيق هدف قريب المدى يتمثل باسقاط المالكي واخر بعيد المدى يتمثل باعادة السلطة الى السنة في العراق. السيناريو قد بدأ تنفيذه وقام على اعادة تنظيم العمل الاستخباراتي العربي في العراق مدعوما هذه المرة من المخابرات الاسرائيلية والبريطانية والاميركية وهدفه الدخول بصراع حاسم مع الاستخبارات الايرانية، جزء من العملية يتطلب الحفاظ على وضع من عدم الاستقرار او الاستقرار الهش بالقيام بتفجيرات (لاسيما في المناطق الشيعية) لإرباك الحكومة ووضعها في موضع دفاعي ثم لتصعيد التذمر داخل الشارع الشيعي بهدف تفكيكه. يصاحب ذلك حرب اعلامية قوية تتمثل مرحلتها الاولى بتخويف الحكومة من انقلاب او تمرد عسكري تم استنفاذ صفحته الاولى عبر الايحاء بان حزب البعث اعاد تنظيم صفوفه وانه يستعد لتسلم السلطة وان عزت الدوري يقوده من الميدان، وبعد ان اصاب الفتور هذه الورقة تم استدعاء ورقة حارث الضاري باستغلال اتفاق عقده الاميركيين مع بعض الجماعات المسلحة لحمايتها وإعادة تأهيلها سياسيا شرط الانضواء في التحالف الاقليمي المناوئ لايران، ثم اصدار تلك الجماعات بيانها القائل بانها اختارت الضاري متحدثا عنها، لكن هذا البالون لن يكتب له الاستمرار طويلا لأن الضاري فقد اي قوة حقيقية على الارض ولأنه مازال مصدر شك للسعودية وورقة صراع بينها وبين قطر وفي الغالب سيتم رميه بعد استنفاذ الغرض منه.
المحور الاخر للتحرك هو سياسي-مالي يتجه لمحاكاة الدعم السعودي-المصري المغطى اميركيا واسرائيليا لجماعة “14 اذار” في لبنان ولكنه يواجه مهمة التعامل مع الاشكاليات الخاصة للوضع العراقي. ففي لبنان لا يشكل الشيعة اكثر من 40 بالمئة وبالتالي يسهل اقامة تحالف عددي مضاد لهم لاسيما في ظل نفور بعض المسيحيين من المنطق الجهادي لحسن نصر الله، ولكن في العراق يشكل الشيعة في اسوأ الاحوال 55 بالمئة من السكان (وفق هذه النسبة تم توزيع المقاعد على المحافظات من قبل فريق الامم المتحدة الذي عمل مع مفوضية الانتخابات) الامر الذي يتطلب وجودهم في اي تحالف حاكم، ولذلك سيتم البحث عن وجود شيعي صوري او محدود لتمرير هكذا تحالف واعطائه صبغة “وطنية”. سيكون اياد علاوي فرس الرهان بالنسبة للسعودية فهو كان ولازال رجلها بداية من الدور الذي لعبته السعودية في تشكيل حركة “الوفاق الوطني” مرورا بالضغط الذي مارسته على الاخضر الابراهيمي لاختياره رئيسا لوزراء العراق المؤقت وانتهاء بالتمويل الكبير والتغطية الاعلامية التي ضمنتها قناتا “العربية” و”الشرقية” المموليتين سعودياً لحملته الانتخابية في انتخابات مجلس النواب عام 2005. وطوال مدة وجوده خارج المنصب ظل علاوي يتحرك بين مقر اقامته في لندن وبين دول الخليج لضمان بقائه رقما في اللعبة الاقليمية ويبدو انه مازال صاحب السهم الاوفر في ان يقوم بهذا الدور لاسيما بعد وعود منحها لاكثر من دولة عربية بإعادة جميع ضباط الجيش السابق والقوى الامنية بتركيبتهما الديموغرافية والايديولوجية للعمل بما يعني اعادة تشكيل العقيدة العسكرية والامنية للعراق باعتباره البوابة الشرقية للعرب في مواجهة ايران. ويعني ذلك بالضرورة اعادة الدور القديم للعشائر العربية السنية في غرب العراق كمصدر اساسي لتجهيز القوى الامنية التي ستخوض صراعها الاول داخليا ضد الاحزاب والشخصيات والميليشيا المحسوبة على ايران وسيتم تصفيتها بعنف في ظل تعتيم اعلامي مطلق الامر الذي تدركه هذه القوى كما تدركه ايران مما سيدفعها الى القيام بعمل يستهدف حياة علاوي أو التأثير على امكانية خوضه الانتخابات.
الخطة السعودية تسعى الى اقامة تحالف سني عربي-كردي في مواجهة الشيعة، ويكون علاوي وبعض اعضاء القائمة العراقية وشخصيات شيعية من ما تبقى من حزب “الفضيلة” ومن الاخرين الذين سيتم شرائهم بالمال اعضاء في هذا التحالف. وليس سرا ان حزب “الفضيلة” كان قد فتح خطا للاتصال بالسعودية عبر وفد من اعضائه زارها عام 2007. الصراع كما تراه السعودية في العراق هو بين اهل السنة والروافض وبالتالي لا موجب لانقسام اهل السنة الى عرب واكراد، غير ان المشكلة الاساسية التي تواجه مثل هذا التحالف هي ان الثمن الاساسي له هو اقناع السنة العرب بقبول المطالب الكردية في كركوك الامر الذي لا تميل له التيارات السنية القومية لاسيما تلك المدعومة من سوريا، وهناك محاولات هدفها عقد صفقة سورية سعودية بهذا الاتجاه الا ان احتمالها ضعيف لان لدى سوريا مخاوفها الخاصة من اتساع الجغرافيا الكردية في العراق.
المشكلة الثانية هي ان دخول علاوي في تحالف مع الاكراد سيضعف فرصه بالحصول على اصوات في الشارع العربي السني والشيعي، ولذلك سيكون هناك ميل لزجه بقائمة منفردة تضمن له الحصول على حصته المعتادة من الاصوات الشيعية والسنية المتراوحة بين 5-10 بالمئة ثم دخوله في تحالف لاحق مع الاحزاب السنية والكردية وبعض الشيعة ليكون مؤهلا لمنصب رئيس الوزراء.
في نفس السياق تم انفاق اموال ضخمة هدفها استمالة بعض عشائر الجنوب واللعب على ورقة التناقض العربي الفارسي وهي نقطة كانت قد ادركتها القوى الشيعية سابقا الا انها قد تعجز عن استمرار احتوائها لاسيما مع تكثيف الهجوم الاعلامي على الدور الايراني وشيطنة الايرانيين وتكريس الفوبيا الشعبية من ايران وبالتالي خلق المزاج المناسب للانضواء بمشروع موارب وغطائه الدفاع عن “عروبة” العراق وجوهره اعادة صياغة المعادلة الطائفية في هذا البلد.
لقد نجح السعوديون حتى الان باستغلال التحول الاميركي الذي يرغب بتجنب التورط المكلف وبالتفرغ للازمة الاقتصادية فضلا عن تواجد عدد كبير من البراغماتيين داخل الادارة الجديدة، والرسالة الرئيسية هي ان على اميركا ان تعالج “الخطأ” الذي ارتكبته بتمكين ايران اقليميا في مقابل دور سعودي بتنفيس الازمة المالية الاميركية والانفتاح على اسرائيل.
20 مليار دولار هو قيمة صفقة الاسلحة التي تم الاتفاق عليها بين اميركا والسعودية مؤخرا وهي الرشوة التي تدفعها السعودية لضمان الدعم الاميركي لسياستها في العراق لاسيما بعد المخاوف التي استشعرتها من احتمال حوار ايراني-اميركي. الاميركيون اعطوا السعوديين ضوءا اخضر لتكثيف التدخل في العراق مع توفير الغطاء الاستخباراتي. وبالفعل اخذ التغلغل السعودي يتكشف اكثر من خلال فتح قنوات مع العديد من السياسيين العراقيين السنة والشيعة والاكراد. في المقابل لم تتضح بعد طبيعة رد الفعل الايراني في ظل انشغال “دولة الفقيه” في صراعها مع “الاصلاحيين” لكن من المحتمل ان تتخذ ايران احد سبيلين؛ اما فتح قنوات اتصال مع الاميركيين تقبل بموجبها التعاون المطلق معهم والتراجع عن رعاية الجماعات المتشددة، او انها ستحاول تصدير ازمتها الداخلية وتصعيد دعمها للجماعات المرتبطة بها عسكريا والقيام بعمليات ضد الاميركيين وتصفيات للمرتبطين بالسعودية داخل العراق، الامر الذي سيواجه بمعركة اعلامية وعسكرية وسياسية شرسة يتم التحضير لها منذ زمن لاسيما وان الانسحاب من المدن سيمنح الجيش الاميركي وقادته بعض الراحة والاستعداد لمعركة قادمة.
خيارات الايرانيين محدودة ما لم يجر تغيير شامل للخطاب السياسي والتوقف عن معاداة الغرب واسرائيل. لقد نجح النظام السعودي في تغيير الاجندة عبر تحالفه الوثيق مع اميركا ونفاذه لمعظم مراكز القوى في واشنطن الامر الذي حال دون معاقبته بعد 11 سبتمبر. ولأن الكيان السعودي قائم على تصدير نوعين من المنتجات، النفط والتطرف الديني المتمثل بالوهابية وانه لايستطيع الصمود اذا ما اتجه الى فك تحالفه مع المؤسسة الوهابية فقد تم اتباع استراتيجية استبدال العدو. فالوهابية حركة تطهيرية ترى ان استمراريتها مرهونة بوجود الاخر “الكافر” الذي تنبغي محاربته، ولأن هذا الآخر لابد وأن يكون خصما مناسبا لتطلعات العائلة الحاكمة وتحالفات النظام فقد تمت اعادة انتاج العدو عبر شيطنة الشيعة وتحويلهم الى الخصم الرئيسي الاخطر حتى من “اليهود”، وقد نجحت الآلة الاعلامية الضخمة لآل سعود في خلق معادلة قوامها ان ايران هي الخطر الاكبر جيوسياسيا والشيعة هم الخطر الاكبر ايديولوجيا ولعب النظام المصري دورا رئيسيا في المصادقة على هذا التوجه لضمان دعم اميركي اسرائيلي وسعودي لعملية التوريث التي يحضر لها لاسيما وانها لابد وان تكون مقترنة باختراع ازمة خارجية تلفت الانظار وخطر وشيك يستوجب القاء المعارضين بالسجن وليس هناك انسب اليوم من تهمة التشيع او العمالة الى ايران.
السعودية اوضحت للاميركيين ولشخصيات اقليمية انها لن ترضى ابدا بالمالكي رئيسا لوزراء العراق مجددا، ولذلك من المحتمل ان يتم استهدافه شخصيا جسديا او معنويا بشكل اكبر في المرحلة القادمة. وفي الغالب سيتم شن معركة هائلة لاسقاطه بالاستفادة من الثغرات في الحكومة حيث ليس خافيا ان طارق الهاشمي وهوشيار زيباري وبرهم صالح ومعظم الوزراء السنة يعملون ضده مع القوى الخارجية، وسيقدمون كل المعلومات المفيدة بهذا الشان. كما ان ضحالة الكثير من الشخصيات التي تعمل معه وارتباكها السياسي والاعلامي باستثناء عدد محدود من الاسماء، سيكون عاملا مساعدا في تقديم الكثير من الذرائع والمبررات للقيام بهجوم فاعل جدا ضده. وقد علمت من سياسي مقرب ان السعودية تعتبر سقوط المالكي امرا مفروغا منه وانها ستسعى لجعله حتميا بأي طريقة. وتظل المشكلة في تأمين تحالف ما بعد الانتخابات يؤمن لها ذلك، لكن السعوديين وهم يدركون صعوبة ايجاد تحالف راسخ سيراهنون ايضا على وضع سيكون معه من الصعب تماما انتخاب رئيس وزراء وبالتالي انتاج ازمة سياسية تخلق اجواء تمهد لتدخل اقليمي لانتاج اتفاقية طائف عراقية او لوضع العراق تحت وصاية اممية مجددا.
ان اللعبة الخطرة قد بدأت للتو، وأولئك المراهقين الذين ليس لهم من عمل سوى الحديث عن الخطر الايراني لا بد وان يدركوا ان هناك خطرا اكبر يحدق في العراق وبغالبية ابنائه، الصراع المقبل لا مكان فيه للاغبياء او السذج او النبلاء، انه صراع لا محرم فيه غير الهزيمة…
Leave a Reply