في هوليوود، معقل الصناعة السينمائية الأميركية وقبلة السينمائيين في العالم، تأتي بوليوود رمزاً لصناعة السينما الهندية. وهذا التماثل اللفظي (بين هوليوود وبوليوود) لا يأتي في سياق المنافسة على الجودة أو القيمة الفنية، وإنما يأتي في سياق المنافسة على شبابيك التذاكر في صالات السينما في جميع بقاع الأرض. تنافسٌ تحكمه عوامل لا تدخل في طبيعة العملية السينمائية بقدر ما تدخل في طبيعة السوق السينمائي، حيث تنتصر “فلسفة التسويق الصينية” في هذا المجال: إنتاج غزير وجودة أقل..
وهذا يعني بالضبط، أن “الصناعة السينمائية” في الهند، تستثمر مئات ملايين الدولارات في مجال الفن السابع، بشكل يوازي أو يزيد على الرساميل والأموال التي تتحرك في هوليوود. لكن.. ورغم كثافة الإنتاج البوليوودي لا يخرج الفيلم الهندي عن صورته النمطية الشائعة والمعروفة عند الجمهور السينمائي، على عكس الفيلم الهوليوودي الذي يتحرك في مجال متعدد الأطياف، من دون أن يتخلص من نمطية ما، مستترة، لا يحتاج اكتشافها إلى مزيد من العناء والدقيق.
في الفيلم الهندي، نحن أمام قصة يعاد إنتاجها باستمرار. كذلك الأمر نفسه بالنسبة للفيلم الأميركي وبوجود بعض الفوارق (أو الكثير منها في أحيان قليلة). ولكن هناك نقطة فرق جوهرية لصالح الصراع الدرامي في قصة كل من الفيلمين، فالصراع في الفيلم الهندي يدور في مناخات اجتماعية (طبقية غالباً)، وهذا يعني أن البطل الهندي يقود معركته الشخصية لمغالبة الفوارق الطبقية.. إنه غالباً شخص فقير يناضل من أجل الخروج من ربقة العوز والاضطهاد، لينجح أخيراً في الحصول على الثروة ويثأر من أعدائه الأثرياء، في دلالة شبه أكيدة على انعدام العدالة الاجتماعية في الحياة الهندية، والبطل الهندي بهذا المعنى يخوض جميع معاركه من أجل “المصير الشخصي” دون أن تنطبع صورته في أذهان المتفرجين كشخص أناني أو فردي، على العكس.. إنه أمثولة لإحقاق الحق.
أما البطل في الفيلم الأميركي، فهو يصارع في منطقة أخرى. إنه دائماً يحارب ضد عدو يهدد أمن البلاد، أو العالم، أو الكوكب، أو الكون، بين فيلم وآخر تتغير صورة العدو فمرة يكون إرهابياً، وأخرى كائناً فضائياً، وأحيانا يكون عاملاً طبيعياً، أو وباء، ..ألخ. وهكذا فإن البطل في الفيلم الأميركي هو “مخلص” أو منقذ، يريد دفع الشرور أو القضاء عليها، دون أن يأبه بـ”مصيره الشخصي” فهو على استعداد للتضحية به في سبيل الهدف المنشود.
وهذا الفرق الأساسي، ناتج بالضرورة عن طبيعة الفرق بين الثقافتين الهندية والأميركية، حيث العسف الاجتماعي في الأولى في أقصى درجاته، وحيث الدملة الإيديولوجية في جسد الثقافة الأميركية. وباختصار.. الفيلم الهندي يعكس مأزق الثقافة الهندية نفسها، بينما يعكس الفيلم الأميركي مأزق الثقافة الأميركية في علاقتها مع الثقافات الأخرى.
في أوسكار هذا العام، حاز الفيلم الهندي “مليونير العشوائيات” على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وربما هي المرة الأولى التي يفوز بها فيلم هندي بهذه الجائزة. والفيلم الفائز يدور في الفلك ذاته التي تدور فيه السينما الهندية حيث البطل يحقق انتقاله وانتصاره الخاص بالانتقال من أسفل السلم الاجتماعي إلى أعلى درجاته، من قاع الفقر إلى ذروة الثراء.
هذا هو الأمر.. سينمانات العالم تقدم صوراً ونماذج لأبطالها، فما هي صورة البطل في الفيلم العربي، وما هو النموذج الذي تقترحه الثقافة العربية؟!!..
Leave a Reply