يعد الشذوذ الجنسي في المجتمع الأميركي موضوعاً يقبل وجهات النظر الدينية والإنسانية والاجتماعية، لكن التقاليد الشرقية والعربية والديانات السماوية التي لا تزال الشريحة الأوسع من الجالية العربية تتمسك بها تجعل من الشذوذ الجنسي خطاً أحمر و«تابو» محرّم، حتى أكثر من بعض المجتمعات في البلدان العربية والمشرقية عموماً.
كريس رامازوتي |
لكن ذلك لا يمنع وجود عدد، يقول البعض إنه كبير، من العرب الشاذين مثل المثليين والمتحولين جنسياً. هؤلاء الذين انضوى العديد منهم تحت جناح «الجمعية»، انتقلوا من مرحلة الدفاع الى الهجوم.
ففي العام الماضي نظمت «الجمعية» وهي منظمة حقوقية تدافع عن الشاذين جنسياً، مسيرة استعراضية في قلب ديترويت رفعت خلالها أعلام جميع الدول العربية ونادت برفع الظلم عن هذه الشريحة.
من أحدث المواضيع التي تثير اهتمام الناس على مختلف مشاربهم (الدينية والفكرية والاجتماعية)، وذلك بسبب انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي، وبين العرب المقيمين في الولايات المتحدة، وانتقال دعاتها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحدِّيهم للقوانين والشرائع التي تُحرِّم هذا الفعل وتجرِّمه.
ورغم أن الأديان السماوية والفطرة الإجتماعية تُجمع على تحريم وتجريم هذه الآفة، إلا أن الطب يقدم مبررات علمية لبعض الحالات التي تشمل هذه الظاهرة الإجتماعية الآخذة بالتزايد.
نشر في في العدد السابق من صحيفة «صدى الوطن»، ضمن القسم الإنكليزي، تقريراً حول معاناة المثليين العرب من المسيحيين والمسلمين المقيمين في منطقة ديترويت، وبالأخص في ديربورن التي تحتضن مجتمعاً محافظاً بأغلبه، لا يمكن للشاذين فيه التعبير عن واقعهم أو الإشارة إلى أنفسهم بشكل صريح. حتى هؤلاء الذين ولدوا في الولايات المتحدة، ويعرفون حقوقهم جيداً، لم يجرأوا على الوقوف في وجه الجميع والقول: «نحن مثليون»!.
كريس رامازوتي، شاب لبناني الأصل، يرأس «الجمعية»، التي تأسست عام ٢٠٠٦ بغرض مساعدة المثليين العرب على التوفيق بين نشاطهم الجنسي وبين مجتمعهم، قائلا «لست خائفاً.. لا بد أن يبدأ أحدنا بالحديث». ولكن «شجاعة رامازوتي» هذه لم تصل الى «زملائه» فقد رفض العديد ممن التقتهم «صدى الوطن» الكشف عن هويتهم خوفاً من ردات فعل ذويهم والمجتمع بشكل عام.
يقرّ رامازوتي أن تقبل المجتمع العربي للشاذين من مثليي الجنس، وثنائيي الجنس أو المتحولين جنسيا يسير في بطء شديد على عكس الإنفتاح الغربي المتزايد بوضوح في السنوات الأخيرة. وعن تجربته في ديربورن شرح رامازوتي كيف طُرد من منزله وتعرضه لملاحقات أخيه الغاضبة، ولم يعد إلى المنزل إلا بعد ثماني سنوات. ويضيف قائلاً «آخر ما توقعته هو أن أصبح شاذاً جنسياً.. حاولت كثيرا قمع مشاعري لكنني لم أستطع». ويتحدث رامازوتي عن رهبة العديدين من الإنضمام إلى «الجمعية» خوفا من رد فعل المحيطين بهم. وقد انفصل العديد من الأعضاء السابقين والمتطوعين عن الجمعية لهذه الأسباب.
ريان (23 عاماً)، وهو عربي شاذ جنسياً من مدينة ديربورن، سبق وأن طرد من منزله واستقل عن أسرته، لم يسبق له الحديث حول المثليين من أبناء مجتمعه لكنه قال لـ«صدى الوطن» «كلنا نعرف أن مناقشة مثل هذا الموضوع تعتبر من المحرمات، ولكن عدد الشاذين جنسيا في تزايد وهم باتوا مستعدين لمناقشة هذا الموضوع.. ولكن السؤال.. من أين نبدأ؟». وتابع قائلاً «نحن نخشى ردة فعل من حولنا، فليس هناك من يقف إلى جانبنا ويدعمنا، كما أننا نخاف على سلامتنا أحيانا». وعن الأشخاص أو المؤسسات التي تدعم العرب الشاذين جنسياً، يضيف ريان بأن هناك تعتيم على الدعم الذي تقوم به هذه المؤسسات خشية من أن يقوم العرب والمسلمون المحافظون بالتعرض لهم والقيام بأعمال شغب ضدهم.
ويصف رامازوتي نظرة الجالية العربية والمجتمع الشرقي للموضوع بالقول بأن معظم أفراد الجالية العربية في ديربورن حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم التي جلبوها معهم من أوطانهم عندما هاجروا إلى الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للجيل الثاني من العرب الأميركيين (أبنائهم) الذين هم عرضة لأفكار ومفاهيم مختلفة عن تلك التي خبروها. «من الصعب أن يتقبلوا الفكرة خاصة بسبب نظرة الدين إلى الموضوع». ولكن رامازوتي استدرك بالقول إن «الجالية العربية والإسلامية في ديربورن بدأت تنفتح على حقوق المثليين».
مؤخراً شهدت «جامعة ميشيغن» فرع ديربورن ندوة للناشط فيصل علام، المعروف على المستوى الوطني بكونه مسلما مدافعا عن حقوق المثليين جنسياً، حيث ألقى محاضرة بعنوان «أصوات خفية: حيوات المسلمين الشاذين جنسياً» حضرها أكثر من 200 شخص بينهم العديد من أبناء الجالية العربية والإسلامية. ولكن تلك الأمسية التي نظمتها «الجمعية» لم تنقض على خير حيث أدى إنذار كاذب إلى نسف المحاضرة في حين قام رجال الأمن باصطحاب علام وناشطين آخرين معه إلى سياراتهم.
وناقش علام في كلمته الأسباب التي جعلته صوتاً مؤيداً «للجمعية»، وذكّر بأنه كان يتلقى دروس الدين وهو في سن الرابعة عشرة، وأن أحد هذه الدروس تناول موضوع إدانة الإسلام للشذوذ الجنسي وقال: «كيف يعطيني الله تلك الميول والأحاسيس ليرسلني إلى الجحيم… هذا غير منطقي». وقد سبق لعلام أن فاز بالعديد من الجوائز من منظمات إسلامية في الوقت الذي كان يعاني من صراع داخلي بين ميوله الجنسية وإيمانه بالله.
وبعد الصراع الداخلي المرير أصيب علام بانتكاسة صحية دفعته إلى دخول المستشفى وخسارته 30 باونداً، من بعد كرس حياته لمساعدة مثليي الجنس الآخرين الذين يعيشون المعاناة نفسها.
قام علام حينها بإنشاء بريد إلكتروني في الكلية التي يدرس بها لاستقطاب أمثاله من المسلمين المثليين جنسياً، وخلال فترة قصيرة، انضم آلاف المؤيدين الى القائمة البريدية.
وحسب معطيات علام، فإنه خلال الـ15 سنة الماضية، «برز ازدياد متنام في عدد الأشخاص المسلمين الذين يعترفون بشذوذهم الجنسي أو الذين يتقبلون الشذوذ والإسلام معاً دون وجود تناقض بين الأمرين». مشيراً الى «وجود نسبة قبول لفكرة أن يكون إمام المسجد شاذاً جنسياً، مثل أن تؤم إمرأة بالمصلين».
رامزوتي يتحدث أيضاً عن تعرضه للتهديد بسبب ميوله الجنسية، وكشف لـ«صدى الوطن» أحداثاً وقعت مع شاذين آخرين، حيث قال إن شاباً من ديربورن هدد أخته بالقتل عند معرفته بميولها الجنسية وارتباطها بفتاة.
يسعى رامزوتي وأنصار «الجمعية» إلى الوصول للجالية الكلدانية في ديترويت، والتي يصل عددها إلى 120 ألف نسمة، حيث تتشابه في أفكارها وعاداتها وتقاليدها مع الجالية العربية بالمحافظة والتماسك الأسري، وبالتالي يتشارك مثليو الجنس من العرب المسلمين المعاناة نفسها مع سائر الجاليات الشرقية. وبالفعل لجأ العديد من الكلدان الى «الجمعية» لمساعدتهم والدفاع عن حقوقهم.
وتقوم «الجمعية» بإحياء نشاطات أسبوعية لجمع مثليي الجنس العرب للتعارف واللقاء، كما وتقوم بعقد نشاطات شهرية بهدف تقديم العون والمساعدات المادية والمعنوية للأشخاص المطرودين من منازلهم والمنبوذين من المجتمع. وقد قامت المنظمة بتوفير الطعام والشراب والمساعدات المادية لثمانية أشخاص طردوا من منازلهم في ديربورن في العام 2011 ولإثنين في العام 2010.
ويضيف رامازوتي إنه «نظراً لرفض المجتمع الشرقي لتلك الحالة الإجتماعية فإن الشاذين جنسياً المقيمين مع أهاليهم يعيشون حياة إزدواجية ما بين الحياة الطبيعية وحياة الشذوذ وذلك لإخفاء الحقيقة عن أهاليهم ومجتمعهم، حيث يصبح حتى قبول هدية أو وردة من الطرف الآخر أمر صعب ومعقد، وإنهم غالباً ما يضطرون لتأليف القصص والأكاذيب لكتم الحقيقة».
وجهة نظر دينية
المرجع البري: الشذوذ الجنسي مرض
«صدى الوطن» طرحت ما ورد في تقرير الأسبوع الماضي على المرجع الديني عبد اللطيف بري، المعروف بانفتاحه في معالجة الظواهر الإجتماعية الغربية واستيعابها إسلامياً. ولكن بري أكد في مستهل حديثه على حرمانية العلاقة الجنسية المثلية في الدين الإسلامي سواء كانت بين ذكر وذكر أو بين أنثى وأنثى، مشيرا إلى الآية القرآنية «لتأتون الرجال شهوة من دون النساء». وأيضاً قوله تعالى في وصف المؤمنين «والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون». واعتبر بري أن كل علاقة جنسية خارجة عن المساحة التي حددها الشرع للعلاقات الجنسية هي خروج عن الشرع، «فإن إبتغى غير ذلك فأولئك هم العادون»، أي عدوا وخرجوا عن الشرع».
وناشد بري المصابين بتلك الآفة الإجتماعية إلى اللجوء إلى الأطباء المتخصصين بعلاج هذه المشكلة حيث أنها قضية منافية للفطرة البشرية والقيم الروحية والأخلاقية العامة والسائدة بين البشر.
كما وحث بري «المصابين» بمراجعة علماء الدين لمناقشة المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة والإرشاد الإجتماعي والنفسي، مؤكداً أن «الإستسلام للمرض والذهاب به بعيداً أمر خطير لا يقبله دين ولا عرف».
أما بالنسبة للأمثلة التي تناولها التقرير الذي نشر مسبقاً حول القضية من حالات طرد للشاذين جنسياً من المنازل وتخلي مجتمعهم عنهم، فقد أجاب بري «على المصابين أن يراجعوا العالم الديني الذي يثقون به». وأضاف أن «رجال الدين في الجالية يرحبون باستقبال جميع المنحرفين جنسياً، ومستعدون لبذل قصارى جهدهم لتقديم المساعدة لهم ومناقشة المشكلة من كافة جوانبها لمعرفة السبب الذي أدى بهم إلى هذا الإنحراف سواء كان جلدياً، فيزيولوجياً، نفسياً، تربوياً، أو أنه ردة فعل للوسط البيئي والمجتمع المحيط بهم، وأحياناً الكبت الإجتماعي أو الإحتكاك غير الطبيعي بين الإناث يؤدي إلى ظاهرة العلاقة الجنسية بين الطرفين فضلاً عن الهرطقة الأدبية والفلسفية التي يطرحها بعض الفلاسفة». وأورد بري مثالاً على ذلك قول الشاعر:
مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتُها معها، ولتشرينَ نواحْ
والباب تئنُّ مفاصلُه ويعربدُ فيه المفتاحْ
أشذوذٌ.. أختاهُ إذا ما لثمَ التفاحَ التفاحْ
وأعرب بري عن أسفه من أن «بعض الأدباء وعلماء الإجتماع ورجال القانون يشجعون هذه الظواهر الفاحشة». ورداً على تساؤل علام الواردة في التقرير (كيف يعطيني الله تلك الميول والأحاسيس ليرسلني إلى الجحيم؟.. هذا غير منطقي)، قال بري «إذا كان الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأصيب بمرض السرطان فهل يستسلم لذلك المرض؟. على الإنسان أن لا يستسلم لواقعه السيء وعليه تغيير ذلك الواقع عبر التواصل مع علماء الدين، فأما أن يستسلم فلماذا تلوم السارق عندما يلجأ للسرقة أو القاتل أو المجرم، فلماذا إذاً يلاحقهم القانون».
أما بالنسبة لحيثية ظاهرة الشذوذ الجنسي بين العالم العربي وبلاد الغرب وحتى الوجود العربي في الإغتراب تحدث بري قائلاً «هذه الظاهرة موجودة سواء في العالم العربي أو الغربي بعض أسبابها في العالم العربي هو الكبت الجنسي الشديد أكثر من اللزوم مع أن الإسلام وضع حلولاً فعالة جداً لهذا الكبت، لكن الكثير من المسلمين يستسلمون للتقاليد الصارمة الفتاكة الكابتة لمشاعر الإنسان ومنها المشاعر الجنسية. فالمشاعر الجنسية ليست نقمة إنما هي نعمة إلهية للإنسان وعلى الإنسان أن يوجهها بالإتجاه الإيجابي الصحيح الذي أراده الله وأرادتها الفطرة البشرية والطبيعة البشرية».
وتابع بري حول ظاهرة الشذوذ الجنسي في الغرب قائلاً «هنا في الغرب كانت هذه الظواهر متفشية كنمط وليست ناتجة عن الكبت، إلا أننا نجد بعض الأسر هنا في الجالية تمارس كبتاً شديداً جداً على الشاب أو الفتاة مما يدفعهم إلى الوقوع في هذه المعصية. لذلك فنحن نوصي هذه الأسر أن لا تتشدد في الكبت على أبنائها، كما نوصيهم ألا يتمتعوا كثيراً وكما يقول المثل «إذهب إلى أقصى اليمين تجد نفسك أقصى الشمال». فإن الكبت الشديد أحياناً يؤدي إلى نتائج تتناسب مع الفلتان الشديد، كما أن أبناء الجالية تتأثر بالأنماط الغربية التي تتعامل مع الإنسان كجسد حيث يشعرون أن الإنسان يملك جسده وهو حرٌّ في إستعماله كيفما شاء، وهذا أمر خطير يسمح للزوجين بالذهاب للفواحش وممارسة العلاقة المحرمة كيفما شاءا».
Leave a Reply