عماد مرمل – «صدى الوطن»
لم يكن ينقص سوى أزمة النفايات حتى تكتمل فضيحة النظام السياسي فـي لبنان وتفوح روائحه الكريهة فـي كل مكان.
وإذا كان أركان هذا النظام قد اعتادوا على الاستفادة من كل أزمة لتمديد عمرهم السياسي، وعلى استثمار كل ملف دسم لتقاسم الجبنة وتوزيع المغانم، فان ما حصل هذه المرة هو ان السحر انقلب على الساحر، إذ غرق المسؤولون فـي ملف النفايات واستعصت محاولاتهم لمحاصصة أرباحه على الهضم، برغم ان الصفقة كانت شبه منجزة.
جانب من الصدامات بين المتظاهرين وقوى الأمن في ساحة رياض الصلح وسط بيروت.(رويترز) |
لقد حصل ما لم يكن فـي حسبان الطبقة السياسية، بعدما استيقظ الشارع من سباته وخرج من قمقم الصمت الذي يقيم فـيه منذ زمن طويل، مستعيدا المبادرة والثقة فـي النفس، ومنتفضا على الامر الواقع والمستفـيدين منه، ما دفع الحكومة تحت ضغط الشارع الى الغاء نتائج المناقصات المريبة المتعلقة بمعالجة النفايات، والتي أفضت الى اختيار ست شركات، تبين ان أصحابها يرتبطون بنافذين سياسيين، وان اسعارها مرتفعة قياسا الى تلك التي تتقاضاها شركة سوكلين المنتهي عقدها.
بداية، اعتقد البعض ان اي حراك شعبي خارج اصطفاف 8و14آذار لن يعدو كونه نزهة صيفـية فـي وسط بيروت فـي عطلة الاسبوع، وبالتالي فان المسؤولين افترضوا انهم سيكونون امام احتجاج عابر وموضعي، لن يغير قواعد اللعبة التي تنظم الازمات والتسويات فـي لبنان.
لكن سرعان ما تببين ان السلطة أخطأت فـي حساباتها، مع تدحرج كرة الثلج وتعاظم الاعتراضات الشعبية التي جمعت اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب والأعمار والطبقات فـي ساحة الوجع المشترك والامل المشترك، فـي وسط بيروت، بالقرب من السرايا الحكومية.
بهذا المعنى، فان أزمة النفايات لم تكن سوى تلك الشرارة التي أشعلت برميلا من بارود الاحتقان المتراكم، بفعل تفشي الفساد الرسمي فـي جسم الدولة وعجز السلطة عن إيجاد حلول للمشكلات المزمنة التي يعاني منها اللبنانيون، بدءا من فضيحة انقطاع الكهرباء التي تشكل مثالا فجا عن سياسة الفساد والهدر، مرورا بشح المياه والبطالة والهجرة والدين العام، وصولا الى ازمة الحكم التي بلغت حدودها القصوى مع تعذر انتخاب رئيس الجمهورية واقفال مجلس النواب وشل العمل الحكومي..
وإذا كان الاحتجاج على عجز الدولة عن حل أزمة النفايات هو الذي حرّض المواطنين على النزول الى ساحة رياض الصلح استجابة لدعوة حملة «طلعت ريحتكم» المشتقة عن المجتمع المدني، إلا ان سقف المطالب الشعبية سرعان ما ارتفع حتى وصل الى حد المطالبة بإسقاط الحكومة ومجلس النواب ومحاسبة الفاسدين والدعوة الى اجراء انتخابات نيابية جديدة، فـي ترجمة لقرف الناس من الطبقة السياسية ورفض أي تعويم لها.
وهناك فـي لبنان من يعتبر ان الحراك الشعبي المدني يشكل فرصة نادرة للدفع فـي اتجاه فرض الاصلاح الجذري والتغيير الحقيقي، بدل الاستمرار فـي إجراء عمليات التجميل لنظام كريه ونتن لا ينتج إلا النفايات السياسية.
ويرى أصحاب هذا الرأي انه لا يجوز حصر الطموحات بإزالة النفايات العضوية او تخفـيض معدلات التقنين الكهربائي، لان المشكلات الاجتماعية والمعيشية التي يرزح المواطن اللبناني تحت وطأتها ليست سوى انعكاس لسلوك الطبقة السياسية، وبالتالي فان العلاج المفـيد والنهائي يكون فـي اجتثاث هذه الطبقة من جذورها وعدم إعطائها أي فرصة لتجديد خلاياها.. ومساوئها، الامر الذي يتطلب اسقاط النظام.
فـي المقابل، يشدد آخرون من المتحمسين للتحرك الاحتجاجي على ضرورة اعتماد الواقعية فـي الطرح، وعدم الانسياق وراء العواطف والانفعالات، حتى لا تُرفع مطالب غير قابلة للتحقق فـي هذه المرحلة، او قد تكون مادة للاستغلال من قوى سياسية. ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان الانتفاضة الشعبية يجب ان تعتمد التدرج فـي سقوفها، حتى لا تؤدي الدعسات الناقصة الى الانزلاق نحو الفوضى والمجهول، محذرين من ان التسرع فـي الخيارات الآن، قد يتسبب بالاحباط لاحقا.
وبينما اتهم المشرفون على التظاهرات فـي ساحة رياض الصلح القوى الامنية بتعمد الاعتداء عليهم وقمع تحركهم، وبانها تواطأت مع مندسين لخرق صفوف المحتجين وتبرير استخدام العنف المفرط ضدهم.. قال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«صدى الوطن» ان هناك أجندات سياسية تحرك بعض المتظاهرين فـي الشارع، مشيرا الى ان قوى الامن تتصرف على قاعدة مسؤوليتها عن حماية التحرك السلمي من جهة وحماية المؤسسات الرسمية والخاصة من جهة أخرى.
ونفى ان تكون مناقصات النفايات قد تمت على اساس محاصصة سياسية، لافتا الانتباه الى ان وجود صداقة او معرفة بين زعماء ورجال أعمال، لا يعني بالضرورة ان هناك صفقات ومحاصصات تجمعهم، لكن الجو الذي جرى تعميمه حول نتائج المناقصات ضغط على الحكومة فـي اتجاه الغائها.
وأشار الى ان أحد مديري الشركات الفائزة بالمناقصات اتصل به وأبلغه انه يريد الانسحاب، قبل الاعلان عن الغاء النتائج، بعدما اكتشف انه صاحب العرض الوحيد فـي المنطقة التي تقدم لمعالجة نفاياتها.
وأضاف: علينا ان نكون صريحين.. ان اصحاب الخبرة والاختصاص الذين يستطيعون العمل فـي مجال ازالة النفايات ومعالجتها، فـي لبنان، هم معروفون وعددهم محدود، وبالتالي كان من الطبيعي ان ترسو المناقصات على بعضهم، من دون ان يعني ذلك وجود محاصصة.
Leave a Reply