«الندوة» .. في باكورة نشاطاتها
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
إحياءً للروح الفكرية والثقافية في حياة الجالية العربية الأميركية، افتتحت «الندوة» (جمعية الفكر الحر)، باكورة نشاطاتها الثقافية بأمسية شعرية حاشدة أحياها الشاعر اللبناني شوقي بزيع في مدينة ديربورن.
الأمسية أقيمت في «المتحف العربي الأميركي» وقدمها باسم «الندوة»، الأستاذ عون جابر مرحباً بالحضور وضيف الحفل الشاعر بزيع، شارحاً بإسهاب، مهمة وأهداف الجمعية الجديدة.
«الندوة – جمعية الفكر الحر» منظمة غير ربحية، تتلخص رؤيتها بتعزيز الفكر النقدي والإبداع الفني والأدبي واحتضان التفكير العلمي والعقلاني في الجالية العربية، من خلال نشاطات دورية تحرك وتُشرك الرأي العام بالنقاش وتساعد على نشر إنتاج المساهمين من خلال نشاطات متعددة، إضافة إلى الإضاءة على الثقافة العربية في محيط متعدد الثقافات والانتماءات العرقية.
كما ستعمل «الندوة» على تنظيم مشاريع للتواصل الثقافي بين العالم العربي وبين الجاليات العربية في المهجر، والاستفادة من هامش الحرية في دولة ديمقراطية مدنية، حيث يمكن طرح ما لا يمكن طرحه في بلدان أخرى.
وبعد كلمة جابر الافتتاحية، والتعريف بالجمعية الجديدة وأهدافها، قدمت الشاعرة زينب عساف، الشاعر شوقي بزيع، الذي زار ديربورن ضمن جولة أدبية-استكشافية للولايات المتحدة شملت نيويورك وواشنطن.
اعتلى الشاعر بزيع المنبر مشعلاً حماسة وشوق الحضور المتعطش إلى الشعر والحس المرهف وسط ضجيج المصانع وأعباء الحياة الغربية والبنوك. وهذا ما برع به بزيع، مازجاً الدمعة بالبسمة، وهو المعروف بحسه الفكاهي وكرهه للصرامة الحادة.
عبّر الشاعر عن فرحته ودهشته بما وجده في ديربورن من ترحيب وروح شعبية، كأنه يتنقل ما بين «الشعيتية» و«السكسكية». أطلق العنان لقصائده المفعمة بالحياة، وهو الذي غنى مارسيل خليفة كلماته، فتنقل ما بين مشهدية شهيد المقاومة الوطنية بلال فحص وما بين «قمصان يوسف» و«متحف الشمع» و«الألزهايمر» وغيرها.
لقمصان يوسف حكاية خاصة مع الشاعر بزيع، الذي وجد ليوسف ثلاثة قمصان عوضاً عن واحد: قميص البئر (الذي عاد به أخوته إلى أبيهم)، وقميص زليخة (الذي مزقته بيديها) والقميص الذي رد بصر يعقوب. فقميص البئر هو قميص التجربة، وقميص زليخة هو قميص الشهوة أما قميص يعقوب فهو قميص الرؤية. وما بين التجربة والشهوة والرؤية يسبر الشاعر في قصيدته أغوار النفس البشرية عبر رؤيته الخاصة.
أما «متحف الشمع» وصراع الحكام مع شعوبهم، فاختصره بما يلي:
حينما تشرق شمس الملوك/ تذوب الشموع التي تشبه الناس…/ وإذ تغرب الشمس/ يحدث في الأرض ما يشبه الانقلاب:/ تصير الشموع ملوكاً/ لها نفس أشكال أسلافها/ ويذوب الملوك…
رسم الشاعر لوحة التحرير ومدينة بنت جبيل بقصيدة شخصية، تختصر نبض الرجل الجنوبي العاشق للحياة والفرح، عنوانها: «عبدالله عبد الأمير»، المعروف بالـ«أمورة» وهو الإسم المحفور في ذهن جيل كامل. ثم ألقى قصيدة «مسافة»، و«دير قانون النهر» المهداة للسيدة فيروز، و«حنين»، وسط تفاعل الجمهور مع حسه الشعري-الفكاهي-الفلسفي.
في الختام قدمت قنصل لبنان العام في ديترويت سوزان موزي ياسين، شهادة تكريمية للشاعر بزيع، كذلك تم تكريمه من قبل رئيس مركز «أكسس» حسن جابر، والدكتور السفير علي عجمي باسم «المركز العربي للثقافة والفنون».
ووصفت القنصل بزيع بأنه «هو قامة مبدعة في المشهد الثقافي اللبناني والعربي، صاحب الحضور الواثق والهوية الشعرية الفريدة، هو المؤمن بأن الشعر متاهة عذبة تلقي سلطان نفوذها على صانعها ومتذوقها في آن معاً، وتسكب الإحساس مقنّعاً بلغة المجاز، في سياق توازنات ذكية بين الشكل والمعنى، بين الصورة والفكرة.. ليس الشعر أن نبكي على ما ضاع من فردوسنا، بل أن نضرم تحت اللغة البكماء نيران المجاز».
وزار الشاعر بزيع مكاتب «صدى الوطن»، حيث استقبله الناشر أسامة السبلاني وفريق العاملين في الصحيفة، وقد أجرى معه الزميل عباس الحاج أحمد، مقابلة شاملة ستٌنشر في العدد القادم.
اختصر الشاعر بزيع زيارته الأميركية بمقال نشره في جريدة «الشرق الأوسط» تحت عنوان: «المغامرة الأميركية بين هجرة البشر والكلمات .. ثلاثة أسابيع في نيويورك وواشنطن وديربورن» ذكر فيه: «.. والحقيقة أن ديربورن، الشبيهة بقرية واسعة والتي تنتشر على جنبات شوارعها اللافتات التي تحمل بالعربية أسماء أصحابها وأنواع معروضاتها، تمنح زوارها شعوراً بالإلفة والحنو، وتجعل اللبنانيين منهم يشعرون كما لو أنها واحدة من قراهم الجنوبية الوادعة. أما الأمسية الشعرية التي أقيمت في «المتحف العربي الأميركي» فقد كانت مفاجأة المدينة الحقيقية بالنسبة لشخص مثلي لم تسبق له زيارتها من قبل. ليس فقط بسبب الحشد الغفير الذي غصت به القاعة بل بسبب ذلك الفيض من الحب والتواصل الإنساني والتفاعل الوجداني مع القصائد الملقاة في الآن ذاته».
يمكنكم مشاهدة الأمسية الشعرية كاملة على الرابط التالي: https://youtu.be/BOiNZ6t5xkY
نبذه عن الشاعر
عمل الشاعر بزيع بالتدريس قبل أن يلتحق بوزارة الإعلام. له إسهامات كبيرة في الصحافة الثقافية، ترأس القسم الثقافي في جريدة «السفير» عام 1992 قبل أن يتفرغ لكتابة الشعر. أعد برامج إذاعية متنوعة في عدد من الإذاعات اللبنانية الرسمية والخاصة، كإذاعة صوت لبنان العربي التي واكب عبرها الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. ساهم بقصائده في التحفيز على الصمود إبان حصار بيروت لما يقارب ثلاثة أشهر، بالإضافة لبرامج تلفزيونية ثقافية في تلفزيون لبنان الرسمي. له مساهمات في العديد من الصحف والمجلات، أبرزها: «الآداب» اللبنانية، «الراية» القطرية ويكتب حالياً ملحقات ثقافية لجريدة «الشرق الأوسط».
كتب الشعر بالعامية والفصحى. مزج كوب الشاي الجنوبي بروحانية التصوف، ورومنطيقية الريف بقدسية المرأة. له 19 ديواناً شعرياً. من «عناوين سريعة لوطن مقتول»، مروراً بـ«قمصان يوسف» وصولاً إلى: «إلى أين تأخذني أيها الشعر». حمل الشاعر شوقي بزيع الريف والأنوثة ليسير بلوحة ضيعته «زبقين» مجملاً كل الأمكنة.
Leave a Reply