بيروت – كمال ذبيان
الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية، ليس الأول في تاريخ لبنان، إذ بلغ الأربعة، وبدأ مع إستقالة بشارة الخوري، أول رئيس جمهورية بعد الإستقلال، تحت ضغط «ثورة بيضاء» أسقطته بعصيان مدني في أيلول عام 1952، فترك القصر الجمهوري لحكومة إنتقالية ترأسها قائد الجيش آنذاك اللواء فؤاد شهاب، ولم يدم الفراغ سوى أيام، حيث جرت إنتخابات وفاز كميل شمعون برئاسة الجمهورية، ويمر الإستحقاق الرئاسي في كل مرة تنتهي ولاية رئيس جمهورية، بأزمات سياسية ودستورية وتوترات أمنية وحروب داخلية، وتطلّع دائم الى التجديد والتمديد لكل مَن وصل الى القصر الجمهوري، حيث لم تخلُ نهاية كل عهد من خضة داخلية.
سليمان |
وإذا كان الشغور الأول في رئاسة الجمهورية مرّ بسلام، وفي فترة قصيرة، فإن الشغور الثاني وقع بعد إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل في 15 أيلول 1988، وملأته حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون، ووُلدت مبتورة مع إستقالة الوزراء الضباط المسلمين منها، لتواجهها حكومة كانت قائمة برئاسة سليم الحص، لأن صلاحيات رئيس الجمهورية قبل الطائف كانت تخوّله إصدار مرسوم إستقالة الحكومة وتشكيل أخرى، ولم يكن ملزم بإستشارات نيابية وفق ما ورد في الطائف وأصبح نصّاً دستورياً، فقرر الجميّل أن تكون رئاسة الحكومة مع شخصية مارونية، فرفض بيار حلو، لترسو على قائد الجيش الماروني، إلا أن خلال هذه الفترة الإنتقالية كانت البلاد تعيش في حرب أهلية، وإنقسام في المؤسسات الدستورية، وتوزعها جغرافياً وفق الفرز الطائفي، وساهم عون الذي كان يطمح ويعمل لإنتخابه رئيساً للجمهورية، مع «القوات اللبنانية» وقيادات مارونية روحية وسياسية في تعطيل الإنتخابات ورفض إسم أي مرشح ليس هو من ضمن اللائحة التي وضعها البطريرك الماروني نصرالله صفير، بعد أن تمّ إسقاط إتفاق الرئيس السوري حافظ الأسد والموفد الأميركي ريتشارد مورفي على إسم النائب مخايل الضاهر، فعمّت الفوضى التي هدّد بها مورفي، ودخل لبنان في حروب تحرير وإلغاء كان بطلها العماد عون الذي تصدّى لإتفاق الطائف، ورفض نتائج إنتخابات رينيه معوّض رئيساً للجمهورية ثمّ الرئيس إلياس الهراوي بعد إغتيال معوّض، ليعلن عون أنه هو الشرعية، ولا أي رئيس للجمهورية انتخب بقرار خارجي ووصاية سورية، ولم يخرج لبنان من الفراغ الرئاسي إلا بعد أكثر من عام، وبدأ في أيلول 1988 حتى تشرين الثاني 1989، ولم تسترد الشرعية القصر الجمهوري إلا بعد العملية العسكرية التي أطاحت بعون في 13 تشرين الأول 1990 وأخرجته من قصر بعبدا الى السفارة الفرنسية ثمّ لاجئاً في فرنسا، بعد معارك عسكرية ضارية، قُتل فيها المئات وجُرح الآلاف، وتشتت «أنصار الجنرال»، الذين كانوا يأتون إليه في القصر الجمهوري مؤيدين حربه ضد القوات السورية تحت إسم «التحرير»، وكذلك حرب «الإلغاء» الموجهة ضد «القوات اللبنانية» لصالح وجود الدولة اللبنانية.
أما الشغور الثالث، فكان في نهاية ولاية الرئيس إميل لحود في 17 تشرين الثاني عام 2007، حيث لم يتمكّن مجلس النواب من عقد جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية، فوقع الفراغ في قصر بعبدا، ولبنان يعيش إشتباكات ومعارك عسكرية متقطعة بدأت مطلع 2007، واستمرّت حتى 7 أيار 2008، حسم فيها «حزب الله» وحلفاؤه المعركة بعملية عسكرية وأمنية خاطفة، تمّ فيها الإستيلاء على مراكز «تيار المستقبل» في بيروت، ليعلن رئيسه سعد الحريري قبوله الموافقة على طاولة حوار ترعاها قطر في الدوحة، لإيجاد تسوية بين «8» و«14 آذار»، نتج عنها إتفاق أوصل قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية في 25 أيار 2008، فتراجع فريق 14 آذار عن ترشيح نسيب لحود، و«8 آذار» عن تأييد ميشال عون، لتنتج التسوية رئيساً للجمهورية صنع في الخارج، بعد ستة أشهر من الشغور الرئاسي، ووجود حكومة برئاسة فؤاد السنيورة غير ميثاقية بسبب إستقالة وزراء الشيعة لحركة «أمل» و«حزب الله» منها، ومجلس نواب مقفل أو معطل ومشلول لوجود حكومة لا تتطابق مع الفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تشير الى أن لا شرعية لسلطة لا تعبر أو تمثّل صيغة العيش المشترك.
وهكذا مضى الشغور الثالث دموياً، كما سلفه الشغور الثاني، ليدخل لبنان مرحلة الشغور الرابع بعد الإستقلال، والثاني بعد الطائف، ولعهدين متتاليين، إذ خرج الرئيس إميل لحود وترك القصر دون رئيس يخلفه ليسلمه مقاليد الحكم، ليحل مكانه الفراغ، ومثله حصل مع خلفه الرئيس ميشال سليمان الذي غادر القصر الجمهوري، ولم يتسلّم منه رئيس للجمهورية، فكما دخله شاغرا من رئيس خرج منه فارغاً، دون وجود مهلة زمنية لإنتخاب خلف لسليمان، إذ المهلة الدستورية إنتهت في 25 أيار، بعقد الجلسات المخصصة لإنتخاب رئيس للجمهورية دون نصاب، وهي ستبقى في هذه المراوحة، والدوران في الحلقة المفرغة، الى أن يحين موعد التسوية الإقليمية-الدولية، حول لبنان الذي ليست إنتخابات رئاسة الجمهورية، إستحقاقه الوحيد، بل الإنتخابات النيابية المؤجلة عاماً ونصف العام، ويبدأ موعدها الدستوري في 17 أيلول وحتى 17 تشرين الثاني المقبلين، والتي تأجلت وحصل التمديد لمجلس النواب بسبب الخلاف على قانون الإنتخاب، وتذرعاً بالوضع الأمني الذي كان متفجراً شمالاً، وإنعكاسات الأزمة السورية على الداخل اللبناني.
ولقد بدأ الشغور في رئاسة الجمهورية، ينعكس سلباً على عمل المؤسسات الدستورية الأخرى، إذ بدأ المسيحيون في «8» و«14 آذار» تعطيل جلسات مجلس النواب التشريعية، واشترطوا حضورها، بتلك التي ستبحث في تكوين السلطة أي قانون إنتخاب، أو ما تفرضه مصلحة الدولة العليا، أو حصول إتفاق مسبق على قوانين معينة، مثل قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي يوجد خلاف حولها، لجهة تمويلها وتحقيق إصلاحات إدارية، وأدّى ذلك الى تطيير جلسات مجلس النواب وكان آخرها في 27 أيار، وتنفيذ الأساتذة والمعلمين والموظفين الإداريين والمتعاقدين إضرابات وإعتصامات وتظاهرات، والتهديد بعدم إجراء الإمتحانات الرسمية مع إقتراب موعدها، وكلها تطورات سلبية ستنعكس في الشارع الذي قد لا يبقى مضبوطاً والذي تمكّنت الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، من تحقيق إنجاز أمني، بوقف المعارك في طرابلس بين باب التبانة وجبل محسن، واعتقال قادة المحاور واختفاء آخرين، وضبط الوضع الأمني في البقاع وإتخاذ تدابير أمنية في بيروت، ودعوة السعودية رعاياها للسفر الى لبنان، بعد أن عاد سفيرها علي عواض عسيري إليه، في إشارة إيجابية الى إستقرار الأمن فيه، والذي قد لا يستمر، إذا ما حصل خلاف في الحكومة وتمّ فرطها، حيث يدخل لبنان في مرحلة دقيقة وحساسة، والى المجهول، في ظل عدم وجود رأس للدولة، وتعطيل التشريع في مجلس النواب وممارسة ضغط مسيحي لإنتخاب رئيس للجمهورية الذي يشكّل غيابه عن منصبه ضرباً للميثاقية وفقداناً لمرجعية دستورية لا يمكن أن تأخذها أو تحصل عليها حكومة قد تفجرها الخلافات من الداخل، ليغدو لبنان، دولة فاشلة، فلا تحصل فيه إنتخابات نيابية، ولا رئاسية، ويستغرق تشكيل حكومة فيه نحو عام، في ظل إنقسام سياسي داخلي عميق، وجوار متفجّر بالصراعات المذهبية والطائفية والعرقية، تطال شظاياه لبنان، الذي يعيش أبناؤه صراعاً مذهبياً تمّ التعبير عنه في أكثر من حادثة.
فالقلق الذي ينتاب اللبنانيين، هو أن يملأ الشغور الرئاسي إنفجار أمني، أو عمليات إغتيال يجري الإكثار من الحديث عنها من قبل زعامات وقيادات وقوى في «14 آذار» وأيضاً من «8 آذار»، إذ يخشى آذاريو «14» من مسلسل إغتيالات يذكر بتلك التي حصلت في مطلع تشرين الأول 2004 بمحاولة إغتيال النائب مروان حمادة، ثمّ بالإنفجار الأمني الكبير بإستهداف موكب الرئيس رفيق الحريري بسيارة مفخخة بحوالي طن من المتفجرات، وما أعقب ذلك من إغتيال ومحاولات إغتيال لرموز من 14 آذار، الى أن حصلت أحداث 7 أيار في بيروت و11 أيار في الجبل، لينتهي شهر أيار بتسوية أنتجت رئيساً للجمهورية.
وقد زاد من خوف اللبنانيين، أن لا يمرّ الفراغ دون إنتكاسة أمنية كبرى، تستند الى ما حصل في مراحل سابقة، حيث رفع من منسوبه، تحذير لموفد الأمم المتحدة لتطبيق القرار 1559 الذي صدر قبل عشر سنوات عن مجلس الأمن الدولي تيري رود لارسن، من أن عدم حصول الإستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، قد يفجّر الوضع في لبنان، وهو ما بدأ يرد في تقارير دبلوماسية، ونصائح تصل الى المسؤولين اللبنانيين، أن يسارعوا للإتفاق على إنتخاب رئيس، قبل وقوع الإنفجار الأمني الذي صاحب فراغين رئاسيين، ليأتي الرئيس على نار حامية.
نصرالله: المقاومة لا تحتاج رئيساً يحميها
بنت جبيل – دعا الامين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، الى الهدوء والجدية فيما يتعلق الشأن اللبناني خاصة في موضوع رئاسة المجمهورية وعدم انتظار أي مستجدات إقليمية أو خارجية، مشيراً الى ان الفرصة لازالت متاحة من أجل انتخاب رئيس بجهود لبنانية، لافتاً النظر الى إن النقاش الجاري بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» هو نقاش جدي ويمكن ان يؤدي الى نتيجة.
وفي كلمة له ألقيت في مدينة بنت جبيل الجنوبية، بمناسبة الذكرى ١٤ للتحرير كشف نصرالله أن المفاوضات الحقيقية خلال الأشهر والأسابيع الماضية، لم تكن حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإنما كان يتم البحث في التمديد للرئيس ميشال سليمان و«من أجل هذا التمديد قدمت اغراءات كثيرة». وأضاف أن «حزب الله» لا يبحث عن رئيس يحمي المقاومة بل أن المقاومة هي من تحمي الدولة والشعب والكيان والشرف والامة، بل «أننا نبحث عن رئيس لا يتأمر ولا يطعن ويثبت على مواقفه بشأن المقاومة».
Leave a Reply