«قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» سورة يوسف الآية 86
هذا ما قاله النبي يعقوب عليه السلام حين عاد أبناؤه من مصر بدون أخيهم بنيامين، وبعد سنوات عديدة قضاها الأب حزناً على ولده الأحب إلى قلبه رغم علمه بأن يوسف وأخاه سوف يعودان إليه، لكنه اشتكى وبث حزنه لله سبحانه تعالى. والبث في اللغة العربية هو أقسى أنواع اللوعة وقلة الحيلة أمام المصاب الجلل والظلم، خاصة إذا كان من ذوي القربى والأرحام.
أنا الإنسانة البسيطة، وعلى طريقة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أقول: ما عبدتك يا الله خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنَّتك، عبدتك يا ربي بكل حب واقتناع لأنك الله المستحق للعبادة. لذلك جئت اليوم لأكتب إليك يا إلهي هذه الرسالة لأشكو لك بثِّي وحزني لعلمي اليقين إنك تعلم ما لا أعلم، ولكن اسمح لي أن أقول:
يا الله، أيها القادر على كل شيء، المدبر لهذا الكون الواسع الشاسع، لماذا يغلب الظلم العدل دائماً؟ لماذا تسمح قدرتك بأن ينهزم الخير أمام الشر؟ لماذا قضت مشيئتك أن يقتل قابيل أخاه هابيل؟ يا الله يا سامع الصوت ويا سابق الفوت، لماذا هذا الظلم وهذا الفساد وهذه المآسي، ألا هل من نهاية؟ يا رب يا من تقول للشيء كن فيكون، لماذا لا تقولها للمسلمين فيكونوا مؤمنين، لا سنة ولا شيعة ولا أحزاباً ولا طوائف. يا رب يا من تعلم السر وأخفى، أما من نهاية لهذا الفساد والإنحراف وسلب المال العام؟
يا رب يا رحمن يا رحيم، ملايين الأطفال والأمهات والضعفاء يبكون حول العالم، يعيشون في فقرٍ وعوز، لماذا؟ يا رب يا قادر يا مقتدر، لماذا سمحت قدرتك للإنسان بأن يملك كل هذه الأسلحة الفتاكة المدمِّرة لعبادك الفقراء المهمَّشين؟ يا رب قلت إنك قريب تجيب دعوة الداعي إذا دعاك، فأين تذهب دعوات الأمهات الفلسطينيات ورجاء الآباء الفلسطينيين، هل دعاء من ظَلمَهم وسَلَبَ أرضهم مقبول ومسموع ودعاؤهم هو قبض ريح؟
يا الله.. إلى أين يلجأ المظلوم المسحوق المسلوب الكرامة، الضعيف أمام الجبابرة والطغاة والفاسدين؟ لماذا المرض يفتك بالضعفاء والمساكين والأتقياء العابدين لك؟ يا رب، أَعلم وأؤمن جيداً بأنك الله الملك القدوس الذي لا إله إلَّا أنت عالم الغيب والشهادة، لذلك أشكو إليك وأبثك لوعتي من ظلم الزمان وأسألك يا رب، يا من يسبح لك من في السماوات والأرض، حبذا لو تركت الإنسان يأتي إليك بدون رجال دين وبدون منظرين ومبشرين.
حبذا لو خلت هذه الدنيا من الأديان والمذاهب والشيوخ والكهنة والآيات الكاذبة. حبذا لو شاءت قدرتك أن يسامح الناس بعضهم بعضاً، ويعيش الإنسان كإنسان دون غلبة شهوة الشر والتكبر والطغيان.
يا رب، في أول شهر رمضان، أشكو إليك معاناة الطبقات المسحوقة من شعوبنا، بينما ينشط الأغنياء والميسورون في البذخ والإنفاق وإقامة الحفلات والمآدب لبعضهم، فيما الفقراء في ضيق وحسرة.
لمَن غيرك يا الله أشكو إليه بثِّي وحزني؟
Leave a Reply