إتَّصل باراك بن حسين أوباما بميشال سليمان، وكانت فرائصه ترتعد من هيبة الرئاسة اللبنانية، متفقِّداً أحوال «شبه الوطن»، لأنَّ رئيس أميركا لا ينام اللَّيل بطوله قبل الإطمئنان على أحوال اللبنانيين، كما أوحى إلينا يوماً «ثوَّار حنيكر بوش» سابقاً إلى أنْ جاءَتْ «تأديبة» السابع من أيَّار فصُدموا بسهولة بيعهم من قبل رئيس أميركا وتَرْكِهم من قبل الأسطول الأميركي، المُرابط ليس بعيداً عنهم في عرض البحر. تُركوا لوحدهم ولمصيرهم حتَّى كادوا يوضِّبون حقائبهم للهرب!
لقد طار ساكن قصر بعبْدا فَرَحاً من هاتف أوباما وتعمَّد إعلانه على الملأ ولو أنَّه كان بقصد التقريع والتأنيب بسبب خوف الرئيس الأميركي على إسرائيل بعد فتح جبهة الجولان وانتصارات الجيش السوري والمقاومة في معركة القصير المفصليَّة. وعلى ذمّْة الراوي فانَّ الإتِّصال من البيت الأبيض جاء نتيجة إيعاز «قرطة حنيكر للخيانة الشعبية» للسفارة الأميركية للرَّد على خطاب السيَّد حسَن نصرالله الذي لم يُعجب سليمان بدليل أنَّه أصدَرَ بيان نقدٍ نادرٍ بعد خطاب السيَّد الكاسر للتوازن والمعادلات والذي جعل رُبَّ «ضارة» غارة إسرائيل على سوريا، «نافعة» لحركة المقاومة وحريَّتها العامة بحيث أُطلقتْ أيديها للحصول على السلاح النوعي ونيل هامش استرتيجي كبير للتحرُّك في الجولان الذي شهِد أوَّل ُردٍ سوريٍ ضدَّ عربة إسرائيلية عبرَتْ الخطَّ الفاصل وتركت إسرائيل في حيرةٍ من امرها مثل بالع الموسى! إسرائيل القلقة من حرب استنزاف تُشكِّل لها كابوساً مُرعباً منذ زمن الزعيم جمال عبد الناصر، لم تعُدْ مُرتاحةً اليوم رغم استقرار «الربيع العربي» لصالحها في كثير من البلاد العربية، وتشكيل حلفً موضوعي مع الإخوان السلفيين وأنظمة الردَّة. والقاعدة تُفيد بأنَّه كلَّما شُغِلَ بال إسرائيل كلَّما ارتاح لبنان وأنصار المقاومة من شرور أعمالها وآثام مخطَّطاتها. «السيِّد» أعلن بما معناه أنَّه لا يُوجد ما يُسمَّى حكومة غيرسياسية ومن دون ثلث ضامن، مما يتناقض مع رؤية سليمان والسنيورة وبندر بن بوش!
أوباما لن يكونَ أفضلَ حالاً من دبليو، فإدارته تحظى بأقل عدد من الموظفين السود، هذا عدا عن زيارته إلى إسرائيل وتلاوته فعل الندامة أمام المجرم العريق نتنياهو الذي أذلَّه علناً في أميركا وأيَّد جَهْراً خصمَهُ الجمهوري رومني. فهل سيكون فيه خير لقرطة «حصَب الله» التي لا تساوي شيئاً في السياسة الأميركية والمثل يقول «البومة لو فيها خير لم يتركْها الصيَّاد»!
كما لن يضير المُقاومة تصنيف أميركا وفرنسا وألمانيا لها بالارهاب. فالدولتان الأخيرتان هما آخر من يحقُّ له الكلام عن الإرهاب! ففرنسا التي تُمارس الإرهاب ضد المُحجَّبات ولا تزال تعتقل المناضل جورج عبدالله رغم انقضاء مدَّة محكوميته بسبب الضغط الأميركي الإسرائيلي عليها، وألمانيا ذات التاريخ النَّازي الإجرامي والتي تقودها امرأة متصهينة تظنُّ نفسها مارغريت تاتشر ثانية والتي وصفها قسمٌ كبيرٌ من البريطانيين بأقبح النعوت بعد موتها، ليستا بريئتَيْن من مُخطَّط الالتفاف على المُقاومة بعد كسر التوازن في «القُصير» بدليل التفجيرات الرهيبة في العراق والتشدُّد في الملف النووي الإيراني ونقل المعركة إلى طرابلس لتخفيف الضغط على القصير، والتحذير الأميركي الى «النائي بنفسه»، وهي السياسة التي ادَّتْ إلى الانفجار الأمني في طرابلس.
وعلى ذكر القُصير لا بُدَّ من الحديث عن «رجولة وشهامة» الأسير و«تمرجله» على… جُثَّة شهيد! فبعد «البهدلة» -الفضيحة التي يُقام لها ولا يُقعد والتي وجَّهها، وعلى «اليوتوب، أحد شيوخ القصير للأسير والقرَضاوي والرافعي ولَعْنِه لهم وشَتْمِهم بأقذع الأوصاف من على المنبر بسبب «جهادهم الهوائي» على طريقة «كراكوز صيدا»، تحركت همَّة الأسير الهارب من القصير إلى المقبرة السٌنِّية في صيدا، مقبرة «سيروب» التي دُفن فيها حتَّى عملاء لإسرائيل، من أجل منع مواراة جَدَث شهيد من أبناء المدينة ومن الطائفة السُّنية الكريمة وأبوه من أنصار الزرقاويين. الشهيد صالح الصبَّاغ يساوي ثقله ذهباً لأنَّه لم يتخطََّ الحاجز المذهبي البغيض فحسب، بل لبَّى نداء الواجب بالدفاع عن مقام السيِّدة زينب التي كأنَّها لم تكفِها الأهوال التي تزيل الجبال في حياتها الشريفة، بل يريد التكفيريُّون هتك مزارها بعد موتها كما فعلوا بقبر الصحابي حجر بن عدي. هذا الشَّاب يستحق التبجيل وطلب الرحمة له في زمن الأسيريين السلفيين الذين نسوا الإسرائيليين وتسلُّوا بذبح المسلمين! حتّى والد الصبَّاغ الذي شهِد فظاعة تصرُّف الأسير الهارب من القصير جرياً كالغزال، وَصَفَه بالعميل الإسرائيلي لأنَّه لم يراع حُرمة الموت في الإسلام.
والمُضحك في معركة القصير كل هذه التنديدات بمشاركة المُقاومة و«بالتدخُّل الأجنبي» (أي «حزب الله») في سوريا على حدِّ تعبير «الإتلاف» السوري، وكأنَّ كل هؤلاء المرتزقة المجرمين التكفيريين من الشيشان والخليج والأُردن وتونس وليبيا وحتَّى بلجيكا واستراليا إضافةً إلى عُقاب صقر والضاهر والحجيري والمرعبي والشهَّال وباقي السلفيين في لُبنان، غير محسوبين لأنَّه يحِق لهم ما لا يحِقُّ لغيرهم! بل الأنكى والأحط هو انتقاد أردوغان لتدخُّل «حزب الله» بينما يداه تقطُران دَماً من دماء الشعب السوري عدا عن مسؤوليته المباشرة في استمرار اختطاف الحُجَّاج اللُبنانيين الذين مرت سنةً كاملة على احتجازهم من قبل العصابات الإرهابية المسلَّحة وسط لامُبالاة من أعلى السُلطة الى السياسيين والنوَّاب المتقاتلين على الكراسي وحتَّى الشعب الذي تخدَّرَتْ أحاسيسه. أمَّا تيار «المستقبل» فقد أصدربياناً اتَّهم فيه أهالي المخطوفين بتحرُّكاتً غير بريئة، لأنَّه كله براءة ببراءة! ما هذه المتاجرة الرخيصة بآٓلام النَّاس؟!
بعيداً عن كل تُرَّهات بلد خيال الصحرا فانَّ الأمر الوحيد المُشرِّف في الأسبوع الفائت كان ذكرى عيد التحرير الذي أعطى العِزَّة والكرامة لشعبنا (رغم أنف السنيورة)، وأنهى عَصْرَ الذُّل والهزيمة، فللباطل جولة وللحقِّ جولات. أمَّا اللحظة السياسية الناصعة فتعود إلى الزعيم سليمان فرنجيِّة الذي زار مجمَّع «الحدث» ولم يتوارَ خلف أصبعه وكان صريحاً كعادته مؤكَّداً أنَّ مصلحة المسيحيين تكمُن مَعَ المقاومة. شتَّان ما بين سليمان وسليمان وما بين ميشال وميشال فليس كل «الميشالات» مثل بعضها وزرع المقاومة قطافُه آتٍ حتماً.
Leave a Reply