قلّما نلتقي بشخصٍ لا يحقق ذاته فحسب في أداء الأعمال الخيّرة وإنما في إلهامه الآخرين لأدائها أيضاً؛ الشيخ خليل بزي كان واحداً من أولئك الأشخاص، فالتواضع وعدم الغرور والبساطة من سجايا شخصيته وحضوره التي تقيِّم حياته وتفانيه في خدمة الله والإنسانية. إن رحلته نحو مرقاة الجنان هي مثال حيٌّ ورمزيٌّ في تخطّي العقبات والصدمات بالتحمل والصبر مدعومَين بالإيمان عبر مسيرة الحياة.
بتلقّيه هدايا الحياة وضيق الرزق من أهله، تعلّم الشيخ خليل بزي معنى الحب والنزاهة والالتزام من طريقة عيشهم. لقد عززت بساطة نشأته ثقته بنفسه وتحدّيه لفكره في اتجاه البحث ليفكّر ويستنبط ويُقنع بالحجّة والمنطق ويحقِّق، مما يوقظ ولعه بالتفوُّق وروح الشجاعة والكرم. والأهم أنه تعلم أهمية الإسلام الذي أصبح مهنته التي فرّغ لها حياته. حقاً، لقد تربّى الشيخ بزي على المثل العليا، كالتضحية بالنفس والشجاعة والثبات التي نمت وتهذّبت بأخلاق وقيم أهله.
إنها شخصية الشيخ خليل بزي الفردية التي أعطته الإحساس بالذات، مما جعله متميزاً؛ فهو لم يخسر فرديته ليكون كالآخرين، ولم يتكلم عما يجب أن يفعله وإنما مضى لفعل ما يجب إتمامه. في الواقع، ما يجب عليه فعله وما كان يريد أن يفعله وأحب أن يفعله هو الإسلام، فقد كان ذهنه منصرفاً إلى دراسة الإسلام الذي شغل أفكاره وكل نواحي حياته. كان فهمه للإسلام على أساس راسخ نتيجة لإرادته وتصميمه على سبر أغوار مبادئه وقيمه الجوهرية. هدفه الجوهري وعقائده النقية وضميره وقناعاته كانت ملهمته في رحلة الحياة؛ لقد رسّخ ذلك الإلهام فيه ماهية كيانه، إذ أن قلبه الطاهر كان مشبعاً بالتقوى والمعرفة. في عبادته وطاعته لله، لم يتق قلبه إلا إلى رضا الله وقبوله.
«أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقْوَى» الحجرات ٤٩:٣
«إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم» الحجرات ٤٩:١٣
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون» البقرة ٢:٢١
فالتقوى كنز لا يقدر بثمن ومفتاح لكل أبواب الخير ومرقاة على صراط الجنة. طوال تلك الرحلة من التقوى والاستقامة، تحمل الشيخ خليل بزي؛ ووصوله إلى شواطئ أميركا قدم له الفرصة الذهبية لخدمة الجالية في جنوبي شرق ميشيغن التي كانت قد تراخت جهودها بالنسبة إلى الإسلام. كانت هنالك عدة عائلات آتية من جنوب لبنان للإقامة في الضواحي من ميشيغن أو في هايلاند بارك وديربورن، وكان أولادهم يفتقرون إلى التنشئة من حيث التطبيقات الإسلامية الحياتية. بينما وجّهت بعض العائلات أولادها لصيام شهر رمضان، أهملت عائلات أخرى توجيه أولادها للقيام بهذا الواجب. ولكن، حتى الذين صاموا لم يتقيدوا بالركن الأساسي للإسلام، ألا وهو الصلاة. لقد اندمج الكثير من الأولاد بالاتجاه السائد في الثقافة الأميركية فتجاهلوا تقاليد وعادات ثقافتهم. في حين أن الجالية شاركت في المناسبات العائلية والتجمعات الاجتماعية، إلا أنها غير موحّدة لهدف الالتزام بالمبادئ والأعمال العبادية للإسلام.
كانت مسؤولية كبيرة تلك التي حملها الشيخ خليل بزي على عاتقه لتوحيد الجالية حول واجبهم كمسلمين؛ لقد وضع التعب واليأس وراءه وتابع الدفع إلى الأمام دونما ترددٍ في التزامه بتخليص الجالية من الرضا الذاتي وجلبها إلى جهد منسجم وموحَّد لتأدية الفروض المطلوبة في الإسلام. على سبيل المثال، كان أحد جهوده توفير الدفن الإسلامي اللائق للذين توفوا. كبائع متجولٍ للطعام يكتسب قوت عياله، كان كثيراً ما يترك عمله يوماً ليشرف على دفن أخٍ له في الإسلام. لم يؤدِ الشعائر الإسلامية الضرورية والصلاة على الميت فحسب، ولكن فعل ذلك لكثير من العائلات في الجالية على مدى نصف قرن من الزمن.
من إسهاماته الإسلامية الأخرى لجاليته التلاوات القرآنية ومجالس العزاء وتقدمات (أو إهداءات) في موضوع الإسلام. دونما كلل، كان يفتتح العروض بثلاث آيات من سورة البقرة. إنه الشيخ خليل بزي الذي بث الوعي في الجالية منذ البداية حول أهمية الإسلام، فقد كان شرارة التنوير التي هيأت الساحة لمجيء علماء آخرين.
في حياة كل جالية أبطال يتركون وراءهم أثراً على تاريخها خالداً يتعذر محوه ورؤيا لحياة جديدة أفضل للبناء على أساسها. بطلٌ هو الشيخ خليل بزي الذي يظهر حبه لجاليته في تاريخه الطويل في خدمتها. إن جاليتنا لتنمو وتزدهر من خلال التحمُّل والالتزام الدؤوب للشيخ خليل بزي. بتواضعه وانفتاحه على الجميع في جاليتنا، لقد وقف حقاً كنموذجٍ يُحتذى. لقد كان كالمنارة الهادية للأجيال الآتية؛ وبأسره للقلوب والعقول في الجالية، استطاع أن يوقظ روح الإسلام في كل من أفرادها.
نسأل الله أن يغدق بركاته على الشيخ خليل بزي وذويه ويهبهم المرقاة إلى الجنة.
Leave a Reply