هل أحسن المسلمون الشيعة تعلم الدروس من عاشوراء؟
شكلت ذكرى عاشوراء التي استشهد فيها الامام الحسين في كربلاء في العاشر من محرم سنة 16 هجرية في معركة كربلاء حدثا فريدا في التاريخ السياسي الاسلامي. فالامام الذي خرج ليحتج على السلطة السياسية، رغم علمه باختلاف الموازين، ادرك انه بغير صدمة كبرى في المجتمع العربي انذاك، لن يتحرك ماء الامة الذي اركدته سدود السلطة السياسية التي فسدت ونشرت الخوف والتضليل بين الناس وحولت الحكومة التي كانت من المفترض ان تُتداول بين نخبة لها صفات معينة للقيادة الى سلطة ملكية يتوارثها الابناء عن آبائهم كما في الدولة الاموية.وواظب المسلمون الشيعة على طول التاريخ على احياء الذكرى ونشأت ثقافة حسينية كاملة تدور حول الواقعة الكربلائية. غير ان البعض غالى في الحزن على الامام، وربما ساعد على ذلك التاريخ السياسي الذي عاش فيه الشيعة على مر العصور، ودخل الى ثقافة احياء الذكرى شعائر شبيهة بالتي مارسها بعض المسيحيين حزنا على صلب السيد المسيح من ضرب الرؤوس بالسيوف والمسيرات الدامية التي اصبحت تقليدا في بعض مناطق جنوب لبنان كما في النبطية او في جنوب العراق. وكان لانتشار الصور الدموية في وسائل الاعلام اثر سلبي على الصورة التي يقدمها البعض عن المسلمين عموما او الشيعة خصوصا في وقت تجتهد اطراف كثيرة في اظهار صورة سيئة عن المسلمين مستغلين مشاهد كتلك التي تساهم فيها هذه الصور الدموية.«صدى الوطن» التقت فضيلة الشيخ عبد اللطيف بري مرشد المجمع الاسلامي في ديروبرن لمناقشة الطقوس التي تمارس في عاشوراء وإلقاء الضوء على معنى الذكرى الحقيقي، وكان هذا الحوار:
– الطريقة التي يتم فيها احياء عاشوراء: تطبير، ضرب الرؤوس بالسيوف، مظاهرات فـي غاية القسوة والعنف ، هل هكذا تحيى ذكرى ثورة الحسين؟- اعتبر ان مثل هذه الاساليب في احياء عاشوراء لا تعبر عن الطريقة المناسبة والصحيحة لخط ومدرسة اهل البيت. فالاسلام لا يجيز التطبير وادماء الجسد بهذا الشكل الخطير حزنا على الامام الحسين (ع) لسببين: الاول، ان ذلك يوقع الانسان في الضرر البالغ وايقاع النفس في الضرر البالغ والتهلكة حرام؛ والثاني، انه يشوه صورة الاسلام ويشوة تعاليم اهل البيت وكأن اهل البيت (ع) مجموعة دموية وهذا عكس ما يريده اهل البيت (ع) وهو يمس تعاليمهم الانسانية السامية. ونحن ننصح الناس، بدلا من التطبير واهدار الدم بهذا الشكل المروع ان يتم التبرع به الى المؤسسات الخيرية لوجه الله وعن روح الامام (ع) ويُهدى ثوابه الى روح الامام الحسين (ع). وأنا اقوم شخصيا بذلك. وهي خير وسيلة للتعبير عن محبة الامام الحسين (ع) بطريقة انسانية، ونكون قد تقربنا بذلك الى الله عز وجل وخدمنا المرضى والمستضعفين.
– قد يقول الشيعي ان هذا القول الذي تفضلتم به عن حرمة التطبير هو فقط للاعلام، ويكون، بالتالي، موقفه، بأنه حر بنفسه وليس لأحد عليه شيء، ويزايد معقتدا انه بذلك يعبر عن حبه للحسين. – هناك طرق مختلفة للتعبير، والامام الحسين (ع) لم يدعنا الى استعمال الطرق غير الطبيعية وأئمة اهل البيت لم يفعلوا ذلك. وكل الطرق مسموحة مالم نضر بانفسنا ضررا بليغا او نشوة سمعة الاسلام، او نقع في محرم. وحرمة التطبير تدخل في البابين السابقين.
– ماذا عن الصور التي رايناها نقلا عن «رويتر» تصور اطفالا لا حول لهم يحملهم اباؤهم فتضرب رؤوسهم بالموس لينبجس الدم ويغرق به جسد الطفل. وهذه الصور تنشر فـي كل العالم، ما موقف الشرع من ذلك؟لقد استنكرت هذا، وكعالم دين اقول ان هذا الامر فيه حرمة شرعية وهذه الحرمة ناشئة من مفهومين الضرر البليغ على النفس وتشوية سمعة الاسلام بإظهار الاسلام دينا دمويا وهو دين السلام والحفاظ على الحياة وحمايتها.
– من اين جاءت ظاهرة التطبير؟- ظاهرة التطبير كانت مرحلة تاريخية مر بها الشيعة لإظهار بأسهم وشجاعتهم وأنهم أعزة – وليس كل الشيعة يقبلون هذا الاسلوب – وعلى من يمارسها ان يعي انها مرحلة مرت وانتهت. ففي تلك المرحلة كان الحسينيون يضطرون ان يظهروا عنفوانهم وشدتهم في وجه القوى التي كانت تقف في وجههم وتضغط عليهم وكان التطبير شكلا من اشكال اعلان القوة، لكننا انتهينا من تلك المرحلة ودخلنا الى المرحلة القيادية الواعية. والآن يجب علينا كمسلمين ان نعي ان دورنا في العالم دور قيادي عالمي انساني شامل ينشر مفاهيم العدل والتنوّر الانساني، ويجب ان نعيش القيم الاسلامية الحية لنقدمها للانسانية بشكلها التي اتى بها نبي الاسلام محمد (ص).
– بعيدا عن التطبير، لماذا يجنح الشباب اليافع الى نوع من الاسلام المتشدد الغريب، حتى هنا فـي ديربورن مثلا، تقام الكثير من حلقات اللطم؟- هذا ليس تشددا وظاهرة اللطم ليست حراما فهي تعبير فولكلوري عن الحزن. وكما يذهب البعض الى اساليب عديدة للترويح عن النفس كما الرقص مثلا عند آخرين يقدم الدين بديلا لطيفا للتعبير الديني بطريقة فنية راقية عبر هذه الحلقات الفولكلورية. واللطم غير مؤذ. وانا ادعو الى تطوير المنبر الحسيني ليشمل تمثيليات مسرحية يشترك فيها الشباب تمتلك الشروط الفنية لتقديم فاجعة كربلاء بصورتها المشرقة العظيمة ونحن في المجمع قمنا هذه السنة وشجعنا الشباب على ذلك. فكل ما يعبر عن الاسلوب الانساني المقبول في احياء ذكرى عاشوراء لا بأس به بل هو مطلوب ومحبوب.
– ما سبب استشهاد الامام الحسين، وكيف يمكن ان نستفيد من ذكرى استشهاده بدل تضييع كل عاشوراء فـي الحزن والبكاء. كيف يمكن ان نجعلها شحنة لتحقيق غاية محددة ارادها الحسين؟في الحقيقة، ان البكاء ظاهرة عاطفية وهي انبل ما في الشعور البشري، فالدمعة التي تسيل لآلام المظلومين تغسل الذات الانسانية من الداخل لتدفع بها ولتشحنها نحو السير في طريق القديسين والفضائل والحب والكرامة. والامام الحسين (ع) استشهد لتحقيق نتائج اعلنها في وصيته التي تركها الى اخيه ابن الحنفية قبل توجهه الى كربلاء حيث قال (باختصار) «.. انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي. اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن ردني اصبر والله خير الحاكمين» هذا نص عظيم. وهو قصد بذلك تصحيح مسيرة الاسلام، فهو لم يقم بثورة مدنية فقط بل كان لثورته ونهضته طابع سياسي اجتماعي قدسي روحي. ومن اهدافه دفع الظلم عن المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية، وايقاظ الامة من خدرها واعادتها الى وعيها العظيم الذي زيفه الحاكمون. لذلك كان لاستشهاده هذا التألق والتأثير في المجتمع الاسلامي.
– الم يكن يعلم بأنه مقبل على الموت، فهو يعلم ان عديده لم يكن يسمح له بالانتصار، فكان سيقتل لا محالة، فكيف كان سيصلح امر الامة ولا يملك المقومات للانتصار؟- هو ذاهب للاصلاح وليس للموت. ولم يذهب ليقاتل بالتأكيد فتحركة كان سلميا بدليل انه لم يبدأ القوم بالقتال وقال لهم اتركوني ارجع من حيث اتيت وكان حريصا على عدم اراقة الدم.
– ألم يقل لهم ذلك فقط ليلقي الحجة عليهم؟
نعم القاء الحجة موقف، والامام الحسين (ع) يعلم ان القوم لن يتركوه. ولكن حفظ السلام وعدم البدء في القتال مبدأ مهم في فلسفة اهل البيت التزموه منذ الامام علي (ع) بل هي اخلاق النبي الاعظم محمد (ص) في حفظ الحياة والدعوة الى السلام. والامام الحسين (ع) قام بتكليفه ومسؤولياته، حتى لو كان يدرك انه سيستشهد. فالقيادة حتى لو كانت تعرف انها لن تنتصر تبقى مسؤولة عن ايقاظ الامة، ولذلك فهو بعد ان جاءه خبر قتل رسوله الى الكوفة مسلم بن عقيل وعلم ان مسيرته لن تحقق النصر على جيش بني امية، اجبر على المسير الى كربلاء، علما ان عودته الى المدينة ستؤدي الى قتله بدم بارد ولن تعطي ذلك الدوي الذي يحدث الصدمة في الامة لإيقاظها من التخدير الذي غرقت فيه. وهذا هو هدف الامام الحسين (ع): ايقاظ الامة من خدرها. لذلك بعد قتل الامام الحسين (ع) لم تقم الثورات فورا لأن الامة كانت مخدرة، ولكن بدأت الامة تستيقظ فيما بعد وبدأت الثورات والتحركات والوعي الروحي ينتفض انطلاقا من هذا البريق الذي اشعله استشهاد الامام.
– هل تعتقد ان مجالس العزاء تحقق الغاية الحقيقية التي من اجلها استشهد الحسين، فكلها تركز على الجانب العاطفي وليس على القيم السياسية التي اراد الحسين (ع) تأجيجها فـي المجتمع من قبيل القيام فـي وجه السلطة الجائرة والدفاع عن الحرية؟- هناك جانبان في احياء مجالس عاشوراء: الاول، جانب القصة في مأساة كربلاء وهي رواية السيرة الحسينية ولها خطباؤها الذين يتلون السيرة، وثانيا، هناك علماء يحاضرون قبل مجلس العزاء في قضايا تهم المجتمع. ولقد تم تطوير المنبر الحسيني فاصبح الخطيب الحسيني ايضا يثير القضايا التي تهم الناس والتحدث عن قيم العدالة والوفاء والمروءة والحب والايثار والتواصل مع الله وقيم الشهامة حتى في التعامل مع الاعداء من خلال السيرة الحسينية. لذلك هناك خزين هائل في ثورة الامام الحسين (ع) يشكل رصيدا للمنبر الحسيني. فمجالس العزاء تطورت ليس فقط على اساس القصة الحسينية بل امتدت لتقدم نهضة فكرية وثقافية وروحية عارمة وتكون قوة قيادية تعيد ضخ الحياة والروح والحيوية في عقلية الامة ونهضتها.
– ما رأيك فـي الطقوس التي تنتشر اليوم بين الشيعة، الى جانب طقوس عاشوراء كوضع اليد على الرأس والوقوف عند ذكر الامام المهدي، فـي وقت لا يقف نفس الشخص عند ذكر الله او حتى النبي الكريم؟- يعني وضع اليد على الرأس هو تعبير رمزي، كما يرفع احدهم يده للتعبير عن التحية ونحن نرفع يدنا عند التكبير لله تعالى في الصلاة ونقف او نسجد عند رفع الاذان، فكل الشعوب تمتلك رموزا لها مفاهيم تتفق عليها. ومن تلك الرموز وضع اليد على الرأس عند ذكر الامام المهدي (ع) وذلك لأننا نحترم الامام الثاني عشر الذي سيظهر ليملأ الدنيا قسطا وعدلا بعدما ملأت ظلما وجورا ويشكل الامتداد الحي لقيادة النبي (ص) وسيرته. هذه الاشارة هي دليل على الاحترام والتقدير للامام واننا جاهزون كي نعضد الامام عند ظهوره وهي ليست عملا واجبا في الشريعة على اي حال.
– كلمة اخيرة فـي ختام الحديث- اود ان اشير الى ان عاشوراء ليست للشيعة وحدهم بل هي ارث لكل المسلمين لأن هذه الصحوات التي نراها في مد التاريخ الاسلامي تعزى في اساسها الى الصحوة العظيمة التي اطلقتها فاجعة كربلاء ومسيرة الامام الحسين. فنحن بحاجة ماسة الى مفاهيم كالكرامة والعزة والحرية والحب والوعي والعقل واليقظة التي نشرتها ثورة الامام الحسين (ع) والتي تسهم في تربية الاجيال من ابنائنا على مفاهيم سامية وتعمل على تقدمنا.
Leave a Reply