عماد مرمل
يتميز إمام مسجد القدس في صيدا، وأحد أبرز رجال الدين السنّة في لبنان، الشيخ ماهر حمود بجرأة ووضوح في الموقف، يجعلانه يذهب بعيدا في صراحته وشفافيته.
لا يجيد الشيخ فن تدوير الزوايا، ولا يعتمد في كلامه على مصافي التكرير. ما يجول في فكره، ينطق به من دون لف او دوران، وهو الامر الذي جلب له الكثير من المتاعب، وكاد يهدد حياته في أكثر من مرة.
«صدى الوطن» حاورت حمود حول وضع غزة، ودلالات ظاهرة «داعش»، فكانت له مقاربة صريحة لهذين الملفين، حيث هاجم الربيع العربي الذي خذل الفلسطينيين، وأشار الى ان تنظيم «داعش» أسوأ في تصرفاته من الخوارج. وفي ما يلي نص الحوار:

فـي أي سياق تضع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة؟
انا أعتبر ان العدوان الاسرائيلي على غزة جاء في سياق التعبير الطبيعي عن النزعة العدوانية الاسرائيلية المتأصلة في الكيان الاسرائيلي، وما دام هذا الكيان موجود، فان احتمالات شن حروب مستقبلية على الفلسطينيين والعرب تظل قائمة. وما يجعل غزة هدفا ثابتا هو رمزيتها التي تختصر الكثير من أسباب الصراع، جهوزية المقاومة الفلسطينية التي تشكل قلقا مستمرا لاسرائيل، التخاذل العربي الذي يشجع العدو على حروبه، والحصار الذي يتوهم الصهاينة انه اضعف المقاومين واستنزف قدراتهم.
كيف تفسر الوحشية التي اتسم بها العدوان، وأدت الى سقوط ألاف الضحايا من المدنيين؟
يبدو واضحا، ان الاسرائيليين فشلوا في تحقيق اهدافهم العسكرية من العدوان، سواء لجهة تدمير أنفاق الجهاد ومنع إطلاق الصواريخ على عمق كيان الاحتلال، وملاحقة كوادر المقاومة، فلجأوا الى الانتقام من المدنيين للتعويض عن عجزهم، في محاولة لتأليب الراي العام في غزة على المقاومة، والضغط على قيادتها ودفعها الى الاستسلام والخضوع لمطالب الاحتلال وشروطه، لكن تبين انه كلما سال المزيد من الدم، كلما أصبح الفلسطينيون أكثر صلابة وتمسكا بحقوقهم.
هل فاجأك موقف الانظمة العربية الذي تراوح فـي زمن الربيع العربي المفترض بين التخاذل والتواطوء؟
لقد ثبت ان ما سمي بالربيع العربي جاء بقرار أميركي، وهو في الاساس الاسم الحركي لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة الى تحقيقه، ويرمي الى تفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها، بالشكل الذي يتلاءم مع المصالح الاميركية والاسرائيلية. صحيح، ان الشعوب تحركت بصدق وبراءة في البداية للتخلص من الظلم وتحقيق الاصلاح، لكن الصحيح أيضا ان هذه الثورات لم تحافظ على نقائها ومنطلقاتها، بعدما دخل الاميركيون على الخط وتولوا إدارتها وتوجيهها في الاتجاه الذي يناسبهم، وهكذا شعرنا ان فلسطين لم تكن حاضرة، او على الأقل لم تكن أولوية في برامج تلك الثورات التي رفع بعضها شعارات تعكس الميل الى التخفيف من الالتزامات حيال قضايا الامة.
كيف تنظر الى موقف مصر تحديدا، وهل تعتقد انه ينسجم مع موقعها ومع الآمال التي كانت معلقة عليها؟
لقد تهيأ للكثيرين ان الرئيس عبد الفتاح السيسي هو تتمة لعبد الناصر وشعاراته القومية والعروبية، وبالتالي فقد كان يُنتظر من مصر في عهده ما هو أفضل بكثير لنصرة غزة ودعمها في مواجهة عدوان اسرائيلي غاشم يستهدف بالدرجة الاولى الشعب الفلسطيني بمعزل عن التسميات التنظيمية والحركية، علما انني شخصيا لم أتفاجأ بطبيعة رد الفعل المصري، لانني اعتبر ان السعودية التي ساهمت بقوة في الإتيان بالسيسي الى السلطة إنما تؤثر تأثيرا كبيرا على قراراته، ومن المعروف ان سياسة السعودية تتعارض مع المقاومة وثقافتها، لاسيما إذا كانت هذه المقاومة محتضنة من إيران.
هل تعتقد ان حركة حماس أخطأت على مستوى خياراتها المتصلة بالاوضاع الداخلية فـي بعض الدول العربية كمصر وسوريا، وبالتالي فان التخلي عنها جاء فـي إطار تدفيعها ثمن هذه الخيارات؟
ان حماس أخطأت، بكل وضوح، في سوريا ومصر، لكن كم يبلغ حجم هذا الخطأ بالمقارنة مع العزة والكرامة اللتين صنعتمها حركة حماس للامة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي منذ تأسيسها. إن ألاخطاء المرتكبة لا يجب ان تغطي على انجازات تلك الحركة وتضحياتها على مدى سنوات من المقاومة ضد العدو، تماما كما ان المعترضين على تدخل حزب الله في سوريا، وأنا أخالفهم الراي، لا يجب ان يتجاهلوا الانتصارات النوعية التي حققها الحزب في صراعه مع اسرائيل.
هل انت من القائلين بان انتصار غزة حتمي، على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعته؟
غزة في حكم المنتصرة، لان العدو لم يستطع ان ينجز أيا من أهدافه المعلنة او المضمرة، فالصواريخ والانفاق والارادة باقية، والمجاهدون احتفظوا بزمام المبادرة في ايديهم، الى حد انهم كانوا يرفضون وقف إطلاق النار على التوقيت الاسرائيلي، ويصرون على ان تُنفذ شروطهم. لقد وقع الاحتلال في المأزق، برغم العنف المفرط الذي استخدمه ضد قطاع محاصر، بل ان هذا العنف هو في الاساس للتغطية على المأزق ومحاولة التخفيف من وهج الانجاز الفلسطيني.
بالانتقال الى ظاهرة «داعش».. كيف تنظر الى ما يقوم به هذا التنظيم من أعمال قتل وتهجير فـي الاماكن التي يسيطر عليها، كما حصل فـي الموصل مؤخرا، حيث تعرض المسيحيون لتهجير جماعي؟
يمكن القول ان تنظيم «داعش» سبق الخوارج في الكفر والتخلف والانحراف عن الدين، والقتل من دون حساب ومن دون سند إسلامي حقيقي، بل ان الخوارج حافظوا على النصارى والكنائس، خلافا لارتكابات «داعش» بحق المسيحيين..
ما هي الخلفيات الكامنة، برأيك، وراء هذا التنظيم؟
أنا أشعر بأن «داعش» مخترق من جهات أجنبية لتشويه الاسلام والحركات الاسلامية، وإلا كيف له ان يحصل على كل هذه الكميات من المال والسلاح التي أتاحت له توسيع نفوذه بشكل سريع في سوريا والعراق.. ان ما يجري ليس بسيطا، وعلينا التدقيق جيدا في ابعاده ورعاته.
كيف ينبغي التصدي لهذه الظاهرة؟
ان التصدي لها ليس أمرا سهلا، لاسيما انه لا توجد حتى الآن مرجعية دينية لدى السنّة، قادرة على قيادة المواجهة، فلا الازهر يستطيع ان يؤدي هذا الدور كما ينبغي، ولا السعودية هي بهذا الوارد مع انه سبق لها ان اكتوت بنار التطرف، بل الغريب انها تحاول توظيف «داعش» لتصفية حسابات مع خصومها، وهو الامر الذي سيرتد عليها لان الارهاب عابر للحدود ولا يمكن التحكم بوجهته، وإذا كانت الرياض تتوهم انها تستطيع ان تحارب التطرف على أرضها، وتستثمره خارجها لخدمة مصالحها، فهي ستكتشف ان هذه اللعبة ستنقلب عليها عاجلا أم آجلا.
أي دور يمكن ان يؤديه الاعتدال السني فـي مواجهة التطرف؟
المشكلة ان هذا الاعتدال ليس منظما، إنما في النهاية لا بد له من ان ينظم، وما يجدر التوقف عنده هو ان الامة وضعت كل آمالها ووظفت كل طاقتها في حرب 1967 بقيادة عبد الناصر، فكانت الهزيمة التي شكلت صدمة، ثم راهنت الامة على الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، ومرة أخرى كانت الخيبة عام 1982.. كل هذا التراكم زرع اليأس في نفوس البعض ومهد الطريق امام اتساع التطرف، فيما راحت المقاومة الشيعية ضد الاحتلال الاسرائيلي تتصاعد، في تعبير عن مفارقة لافتة للانتباه وهي ان هناك فئة تختلف في مذهبها عن الاكثرية في المنطقة هي التي تحمل قضايا الامة المتصلة بمواجهة اسرائيل والاستعمار.
لماذا أصبحت من مؤيدي تدخل «حزب الله» العسكري فـي سوريا؟
لقد ثبت باليقين ان قرار «حزب الله» بالقتال في سوريا كان في محله، ولم يعد هناك من مجال امام اي اجتهاد في هذا المجال.. ولو ان الحزب لم يقاتل المجموعات التكفيرية لكان ما حصل في الموصل قد وقع في أكثر من منطقة في لبنان.
Leave a Reply