بكل إحترام وتقدير نعود مرة أخرى للقارىء الكريم بعد غياب طال أكثر من ثلاثة شهور، ربما يطرح سؤال كبير عن غياب الكتّاب فجأة هل هو خاضع للمزاج أم هو مرهون بعلاقة الكاتب مع الجريدة التي يكتب فيها، هذا التصور يمكن الأخذ به في عالمنا العربي الذي تحيط به الهواجس والخوف من تفسير الكلام وتأويله وتحويله من حق الى باطل ومن باطل الى حق، الكاتب في علمنا العربي المبجل! محاط بمثلث الرقابة، فإذا نجا من مقص الرقابة في جريدته المحكومة بسياسة الدولة، لم ينج من رقابة الأجهزة الأمنية، فإذا أحسنت الحكومة بالكاتب ظناَ تبقى الرقابة الدينية تترصد له في كل ما يقول ويكتب.لكن من الصعب أن يأخذ هذا التصور في العوالم الحرة التي تعج بالمؤسسات الإعلامية المستقلة ذات العراقة والتاريخ النزيه، ولعل بعض مؤسساتنا الاعلامية العربية التي إختارت العوم في بحر الحرية تعدّ نموذجاً في مساحة الحرية ما دامت غير محكومة بأموال إمبراطوريات العوائل العربية، جريدة «صدى الوطن» نموذجاً، التي تصدر باللغتين العربية والإنكليزية وهي أشبه بالبوفيه المفتوح تجد فيها ما لذ وطاب، وربما تجد طبقاً لا يوافق مزاجك لكنه عند غيرك أشهى الأطعمة، ولا يحق لأحد أن يعترض إذا ما سلط الكاتب الضوء على قضايا تعالج مشاكل معقدة تصل الى حد الحرمة في عالمنا العجيب.ولن أقول سراً عن عرض بضاعتي التي حملتها معي خلال سفرتي الأخيرة لوطننا العربي، فبرغم من إرتفاع المؤشر في الرسم البياني بين الإنجازات الناجحة والإخفاقات القاتلة، يوضح التراجع المخيف في النمو الإقتصادي حيث التضخم وإرتفاع الأسعار في كل شيء وزيادة نسبة الفقر، أما الوضع السياسي فالتراجع في إلإصلاحات وصل الى القاع، هذا الأمر لا يترك للمراقب أن يتحدث بنفس إيجابي ويتعمد إخفاء الحقائق.رأي الناس من كل الطبقات والشرائح الإجتماعية تتجه صوب النقد والتذمّر من الأوضاع، فتضغط على أصحاب الأقلام أن يصيغوا خطابهم باتجاه النقد وهو أمر مكلف ربما يكون الثمن غالياً إذا أغضب المسؤول، وفي الوقت الذي يكمن شعور النقد في نفوس الغالبية من قراء الصحف، فإن طغيان هذا الشعور عند الأغلب من الكتّاب والصحفيين، وهو أمر تفرضه المهنية وإستشعار المسؤولية وهي من أبسط وظائف الصحافة التي تكشف مواطن الضعف والخلل في المجتمع وترصد الأخطاء والتجاوزات والسلبيات، وتضع مؤشر النقد على ما يهم ويشغل الناس خصوصاً إذا وصل التجاوز إلى التعدي على حقوق الناس ومحاربتهم في أرزاقهم ومعيشتهم وأمنهم الإجتماعي، وهذه المساحة مكفولة بنسبة متفاوتة، لذا نجد كتّابنا يميلون لهذا النوع من النقد فهو لا يمس السلطة السياسية وفي نفس الوقت يدغدغ عواطف الناس ويحاكي آلامهم.أما حق النقد في الإصلاح السياسي فهو غير مكفول ورغم أن النقد السياسي بضاعة مرتفعة الثمن لكنها ليست مضمونة النتيجة، وفرسانها قليلون، وقد إستطاع بعض من أولئك الفرسان أن يوازنوا بين عرض الواقع بكل تجلياته وينقلوا الصورة بكل تفاصيلها، متخذين من الموضوعيه حجر الأساس في ممارسة النقد الصحفي، فعيناً على من يريدون العبث بمقدرات الناس وعيناً على ما يبعث الأمل والنهوض به مهما صغر وقلّ الإنجاز، حيث من المؤكد أن دور الصحافة كوسيلة نقد وكشف الأخطاء والسلبيات مهمة لخدمة مصالح المجتمع، لن يغيب عن الصحفي دوره في الحفاظ على المصلحة العليا للمجتمع.
Leave a Reply