الانتخابات تعيد تشكيل التوازنات السياسية في البرلمان العراقي على حساب حلفاء إيران
بغداد
أسفرت الانتخابات العراقية التي جرت الأسبوع الماضي عن تغييرات كبيرة في التوازنات السياسية القائمة في البرلمان، بتنامي كتلة «التيار الصدري» على حساب القوى الحليفة لإيران، وعلى رأسها «الحشد الشعبي» الذي فقد عشرات المقاعد في المجلس المقبل.
الفائز الأكبر كان رجل الدين مقتدى الصدر، بالصورة التي رسمها لنفسه كمعارض لكل من إيران والولايات المتحدة، حيث وسعت كتلته –وهي الأكبر بالفعل في البرلمان المؤلف من 329 مقعداً– قاعدة تمثيلها النيابي إلى 73 مقعداً، صعوداً من 54 في البرلمان السابق، فيما تراجعت كتلة «تحالف الفتح« التي تمثل فصائل «الحشد الشعبي» إلى 14 مقعداً نزولاً من 48.
وعلى غير المعتاد، جاءت كتلة سنية موحدة في المرتبة الثانية، مما قد يمنح الأقلية السنية أكبر قدر من النفوذ تتحصل عليه منذ سقوط صدام حسين.
وحصلت «كتلة تقدّم» على المرتبة الثانية بـ38 مقعداً، متقدمة بمقعد واحد على كتلة «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والتي حققت مكاسب هائلة بحصدها 37 مقعداً.
وإلى جانب «ائتلاف الفتح» بزعامة هادي العامري كانت كتلة «القوة الوطنية لائتلاف الدولة» بقيادة عمار الحكيم وحيدر العبادي من أبرز الخاسرين.
وفي خطوة مفاجئة استطاع ناشطون شاركوا في الانتخابات ضمن قائمة «امتداد» الحصول على نحو 10 مقاعد في النتائج الأولية، كما استطاع المستقلون أن يشكلوا اختراقاً كبيراً بحصولهم على نحو 20 مقعداً.
وتأخذ الكتلة البرلمانية الأكبر، على عاتقها مسؤولية ترشيح رئيس وزراء، بعد المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات، وعقد أولى جلسات البرلمان الجديد.
وتعتبر هذه الانتخابات المبكرة الأولى التي تشهدها البلاد منذ عام 2003، والانتخابات الأولى التي تجري بعد استقالة حكومة منتخبة، هي حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت إثر احتجاجات شعبية حاشدة في 2019، بعد عام على تشكيلها، ليتولى رئاسة الحكومة بعد ذلك الرئيس مصطفى الكاظمي.
نزاهة الانتخابات
شملت الانتخابات العراقية أكثر من 80 دائرة انتخابية في 18 محافظة عراقية، شارك فيها أكثر من ثلاثة آلاف مرشح.
وأشادت الحكومة العراقية بالانتخابات، وقال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الانتخابي، مهند نعيم، إن «هذه الانتخابات هي الأكثر نزاهة منذ 2003».
وأعلنت المفوضية أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 41 بالمئة. وتحتسب المفوضية نسبة المشاركين إلى نسبة المسجلين في قوائم الاقتراع، وعددهم بحسب آخر إحصاء للمفوضية 20 مليوناً.
وينتظر العراقيون الآن مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج المعلنة، والتي يتوقع أن تصدر خلال الشهر الحالي، بعد صدور النتائج الرسمية، ليدعو الرئيس برهم صالح، بعدها إلى انعقاد مجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وبينما عجّل أنصار التيار الصدري بالاحتفال، أعلن بعض الخاسرين عن رفضهم وتشكيكهم في نزاهة العملية الانتخابية.
وكانت قناة تلفزيونية عراقية، قد نقلت عن العامري رفضه لنتائج الانتخابات، وقال العامري: «لا نقبل بهذه النتائج المفبركة، مهما كان الثمن وسندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة».
وتزايدت المؤشرات خلال الأسبوع الماضي على رفض تحالفات وأحزاب عراقية نتائج الانتخابات وليس الطعن في نتائجها فحسب، ما قد يؤدي إلى عدم الاعتراف بالنتائج النهائية، التي قد تعلن خلال أيام قليلة، ويدخل البلاد في أزمة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات.
من جانبه أعلن ما يعرف بـ«الإطار التنسيقي»، الذي يضم قوى سياسية شيعية، تقديم طعنه في نتائج الانتخابات الأخيرة، وقال الإطار الذي يضم قوى سياسية وفصائل شيعية، كـ«تحالف الفتح» و«دولة القانون» و«عصائب أهل الحق» بالإضافة إلى كتائب «حزب الله» وتيارات أخرى في بيان له: «حرصاً على المسار الديمقراطي وصدقيته ولتحقيق موجبات الإنتخابات المبكرة التي دعت إليها المرجعية الدينية والتي أكدت على أن تكون حرة آمنة ونزيهة ومن أجل تجاوز الشكوك والاشكالات الكبيرة التي رافقت انتخابات 2018 وأدت إلى انسداد سياسي تطور إلى أحداث مؤسفة عام 2019 ومن أجل دعم العملية الديمقراطية ونزاهة الانتخابات قدمنا جميع الملاحظات الفنية إلى مفوضية الانتخابات وقد تعهدت المفوضية بمعالجة جميع تلك الإشكالات بخطوات عملية».
نفوذ إيران
رغم أن نتائج الانتخابات وجهت صفعة لحلفاء إيران في البرلمان العراقي، إلا أن العبرة تبقى في نسج التحالفات لتشكيل الأغلبية التشريعية اللازمة لتسمية رئيس وزراء جديد للبلاد.
ويعتبر مراقبون أن إيران، التي عرفت بأنها القوة الإقليمية، الأكثر تأثيراً على الساحة العراقية عبر حلفائها، ستتضرر كثيراً بنتائج الانتخابات، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة تراجع نفوذها في بلاد الرافدين.
وقال دبلوماسي غربي لوكالة «رويترز» إن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني كان في بغداد لحظة إعلان النتائج الأولية، ولا يزال يفتش عن وسيلة للاحتفاظ بالسلطة في أيدي حلفاء بلاده. وأضاف لـ«رويترز»: «بحسب المعلومات المتوافرة لدينا، كان قاآني في اجتماع مع أحزاب الجماعات الشيعية… سيبذلون قصارى جهدهم لمحاولة تشكيل أكبر كتلة في البرلمان رغم الصعوبة الشديدة لإدراك هذا الهدف، نظراً للقوة التي يتمتع بها الصدر».
وفي العلن، نفت كل من طهران وبغداد وجود قاآني في العراق، لكن مصدرين إيرانيين اتصلت بهما «رويترز» أكدا ذلك.
وربما كان ذلك دافعاً لتفسيرات مختلفة، لما ورد في خطاب الصدر بعد الفوز، حيث دعا إلى عدم التدخل «الخارجي والإقليمي» في نتائج الانتخابات وقال «ليكن واضحاً للجميع أننا نتابع بدقة كل التدخلات الداخلية غير القانونية، وكذلك الخارجية التي تخدش هيبة العراق واستقلاليته».
ونقلت الوكالة أن حلفاء إيران قد يستخدمون –في البداية– الأطر القانونية للاحتفاظ بالسلطة وإذا لم ينجحوا فسيخرجون إلى الشوارع للقيام بنفس الشيء الذي تعرضت له مقارهم الحزبية خلال فترة الاحتجاجات عام 2019، على يد أتباع الصدر.
وقال المتخصص في شؤون الفصائل المسلحة في العراق بـ«معهد واشنطن» حمدي مالك، إن المالكي «أنفق أموالاً طائلة على الحملات الانتخابية وضرب على وتر الحنين إلى الماضي، في إطار جهوده للفوز بالانتخابات.
كما قال مسؤول من «منظمة بدر»، المتحالفة مع إيران، إن أحد أسباب سوء نتائج «تحالف فتح» هو أن أنصاره حولوا ولاءهم ونقلوا أصواتهم إلى المالكي، معتبرين أنه «حصن أشد قوة في مواجهة الصدر».
Leave a Reply