ألفا قتيل وجريح … وطهران ساهمت فـي التهدئة بغداد – دفن سكان مدن الجنوب وبغداد قتلاهم وأزالوا الحطام من الشوارع بعد عودة الهدوء إلى المدينة الواقعة بجنوب العراق مطلع الأسبوع الماضي ولكن الاشتباكات استمرت في بغداد على الرغم من هدنة لإنهاء أسبوع من العنف. وطلب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من مقاتليه التوقف عن القتال الأحد بعد نحو أسبوع من حملة أمنية استهدفتهم مما أشعل القتال الذي امتد الى كل منطقة الجنوب والعاصمة. وعادت الحياة ببطء إلى طبيعتها في البصرة حيث لم يعد مقاتلو جيش المهدي التابع للصدر يحملون الأسلحة علانية في الشوارع كما كان الحال لعدة أيام. ويبدو أن الفشل في هذه المعركة عزز مكانة الصدر، لا سيما أنه لم يلحق الهزيمة بالجنود العراقيين وحسب، بل تمكن من تصوير نفسه صانعا للسلام، وإظهار المالكي وأميركا معتدين ليسوا أكفاء.ثم إن ما آلت إليه تلك المعارك يصب في مصلحة إيران حيث التقى الصدر بمندوبين عن الحكومة العراقية لبحث وقف لإطلاق النار. ويدفع هذا الفشل عدة أسئلة الى الواجهة: هو مصير نفط العراق خاصة وأن 80 بالمئة منه في أيدي مليشيات الصدر؟- إذا كانت القوات العراقية عاجزة عن هزيمة مليشيات في البلاد حتى بمساعدة أميركية، فماذا يمكن أن يقال عن وضع الجهود الأميركية حول تدريبهم؟ خاصة أن رفع اليد عن المهام وتركها للعراقيين المؤهلين يعتبر أساسا في انسحاب القوات الأميركية.-ماذا تعني هذه النتيجة بالنسبة للاستقرار الذي تجلبه زيادة القوات الأميركية؟-ما هو بالضبط دور الولايات المتحدة في هذه المعارك، وماذا يمكن قوله عن المهمة في العراق؟ وقد أجمعت الصحف الأميركية على أن معركة البصرة كانت فاشلة، وأنها أتت بنتائج عكسية، وقالت إن نتائج المعركة أثبتت أن الصدر بدا رجل
سياسة وحرب في نفس الوقت، داعية إلى التركيز على الوحدة الوطنية بوصفها مطلبا يرغب فيه جميع الأطراف بالداخل والخارج.وتبين خلال الأسبوع الماضي ان طهران ساهمت في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والحكومة العراقية.وأعلنت أوامر الصدر بعد مفاوضات مكثفة، تخللتها رحلات قام بها برلمانيون عراقيون إلى إيران. ونقلت صحيفة «يو اس أي توداي» عن نواب عراقيين إن مسؤولين إيرانيين ساهموا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الصدر والحكومة العراقية. وقال النائب السني أسامة النجيفي، الذي شارك في الوساطة، إن ممثلين عن حزب «الدعوة»، بزعامة المالكي وحزب شيعي آخر سافروا إلى إيران لبلورة الاتفاق مع الصدر، مشيرا إلى أن الوسيط كان قائد قوة «القدس» الإيرانية، التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية. وأكد النائب عن «الدعوة» حيدر العبادي الدور الإيراني في المفاوضات. وأضاف النجيفي «كل ما سمعناه يؤكد أن الصدريين كانوا يتحكمون في نهاية العملية في البصرة بمناطق أكثر مما كان لديهم عند بدايتها… لقد أدركت الحكومة أن الأمور لا تسير على الطريق الصحيح». وقال مسؤولان عراقيان، لـ«اسوشييتد برس»، إن النائبين هادي العمري وعلي الأديب طلبا من السلطات الإيرانية وقف تدفق السلاح إلى جيش المهدي وإقناع الصدر بالاستجابة لمبادرة حفظ ماء الوجه. وشدد المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ على أن «الحكومة لم تكن طرفا في المفاوضات، لكن هناك جهودا لرموز سياسية… نداء مقتدى الصدر ملزم، ومن يستهدف مؤسسات الدولة يخرق تعليمات الصدر». ووصف المالكي، من البصرة، وقف القتال بأنه «فرصة لالتقاط الأنفاس، من اجل أن نرتب أوراقنا وجهودنا لاعمار العراق». وقال إن العمليات العسكرية ستستمر «لملاحقة كل المجرمين، وإيقاف كل النشاط الإرهابي والإجرامي ونشاط العصابات المنظمة التي تستهدف المواطنين». وفي واشنطن، رحب مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية طوم كايسي بقرار الصدر. وقال «نعتقد انها خطوة ايجابية». واضاف «من المهم ان يتعاون كل العراقيين مع الحكومة، وان يعملوا في اطار النظام السياسي القائم». وشدد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، في الدنمارك، على أن ارتفاع العنف في جنوب العراق وبغداد لن يجبر واشنطن على تغيير خططها لسحب القوات في تموز المقبل، موضحا أنه سيكون بامكان قائد قوات الاحتلال الأميركي في العراق الجنرال ديفيد بتراوس تقديم صورة أكثر اكتمالا لخططه عندما يرفع تقريره إلى الكونغرس الأسبوع المقبل. وبعد عودة الهدوء الى البصرة وبغداد ومدن جنوبية، بدا يتكشف هول الكارثة التي نجمت خلال ستة أيام من المعارك. وقال مسؤولون عراقيون إن 500 شخص على الأقل قتلوا، وأصيب حوالى 1500 شخص. وأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف مقتل 215 شخصا على الأقل، وإصابة 600 بجروح في مواجهات البصرة. وأسفرت معارك دارت السبت الماضي في مدينة كربلاء عن مقتل 12 شخصا. ولم تنج مدينة الناصرية والقرى المحيطة بها من الاشتباكات، التي أوقعت 85 شخصا، وإصابة أكثر من 200. وأشارت شرطة الكوت إلى مقتل حوالى 50 شخصا، كما قتل 8 في بابل. وفي بغداد، قتل 140 شخصا، وأصيب أكثر من 650، خلال المواجهات التي دارت غالبيتها في مدينة الصدر وفق مسؤولين في الأجهزة الصحية العراقية.
جولة الصراع لم تكن حاسمة رغم ان المعارك بين الميليشيات الشيعية وقوات الأمن العراقية أوقعت مئات القتلى لكنها لم ترجح أيا من الخصمين الرئيسيين لمواجهة حاسمة ما تزال بعيدة بالنسبة لمستقبل العراق. ولم يدع رئيس الوزراء نوري المالكي والزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر الانتصار بعد المواجهات التي أبرزت خلافات عميقة بين الرجلين. لكن المالكي مؤيد للتعاون مع الولايات المتحدة ويمثل تيارا شيعيا محافظا تشكلت وجهات نظر قادته حيال العالم إبان مرحلة وجودهم في الخارج. وقد اتهم الميليشيات الشيعية بأنها «أسوأ من القاعدة». ويؤمن الصدر المناهض بشدة للأميركيين، بعقيدة شعبوية مغروسة في سلالة دينية حاربت الرئيس الراحل صدام حسين داخل العراق. ويتهم التيار الصدري حكومة المالكي بأنها فاسدة ويطالبون باستقالتها. ولم تتضح معالم العمليات العسكرية في البصرة منذ 25 الشهر الحالي والتي كان من الصعب تحديد أهدافها. فقد أعلن المالكي ان العملية العسكرية موجهة ضد «العصابات الإجرامية» التي تخيف السكان ولم يذكر جيش المهدي بالاسم. كما انه أعطى العملية أبعادا مهمة عبر إشرافه شخصيا على سيرها. وعلى الصعيد الميداني، أعلن ضباط في الوقت ذاته ان هدف عملياتهم هو جيش المهدي خصوصا وان الكل يعرف ان المناطق المستهدفة تشكل ابرز المعاقل لهذه الميليشيا. وقد تلقت القوات العراقية النظامية تدريبات تحت أنظار البريطانيين لاستعادة السيطرة على أحياء في البصرة اكثر مما كانت تتعلق بحملة مداهمات فيها. ومنذ الساعات الأولى للاشتباكات، تحولت العملية المعلنة للشرطة إلى معركة مخططة للمواجهة اضطرت بموجبها المقاتلات الأميركية للتدخل دعما للقوات العراقية. ولا توجد إحصاءات جدية للخسائر في صفوف الميليشيات والقوات النظامية لكن مشاهد بثتها شاشات التلفزة تظهر عربات عسكرية للشرطة والجيش محطمة ومحترقة. كما أعطى انتشار الميليشيات في الشوارع الانطباع بأنهم يتحركون بكل حرية على الأقل في محيط النواحي التي يسيطرون عليها تقليديا. وما يزال جيش المهدي يسيطر على الأحياء التي تشكل معاقله في المدينة الجنوبية. اما في بغداد، فلا تشير المعطيات العسكرية إلى تطورات كون المعاقل التي يسيطر عليها جيش المهدي ما تزال بحوزته في حين يتمتع مقتدى الصدر بسلطة لا ينافسه أحد عليها. على الصعيد السياسي، فان المواجهة بين الزعيم الشيعي والمالكي أظهرت نقاط الضعف والقوة لدى الرجلين. فقد وضع المالكي
مصداقيته على المحك عبر توليه قيادة العمليات وهو يخرج من هذه المغامرة معطيا الانطباع بان المهمة لم تنجز بعد. ومع ذلك، ليس هناك ما يقلقه حيال التراجع في شعبيته خصوصا وانه لم ينجح مطلقا في إقناع العراقيين بأنه الرجل المنقذ الذي سينهي الفوضى في البلاد. كما ان باستطاعته الاتكال على حلفائه السياسيين التقليديين، واشنطن والأكراد والشيعة المحافظين الذين لا خيار آخر لهم لمنصب رئيس الوزراء.اما بالنسبة لمقتدى الصدر، فقد اظهر قوته مجددا عبر قدرة مقاتليه على مواجهة التحدي الماثل في هجوم يستهدفهم. لكنه في النهاية كان مضطرا إلى مطالبتهم بوقف الاشتباكات نظرا للكلفة البشرية المرتفعة التي من شانها المس بشعبيته الحريص عليها كثيرا بين جماهير الشيعة.
Leave a Reply