وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
على وقع التظاهرات الاحتجاجية في مناطق مختلفة من العراق، تستمر المساعي لإيجاد حل للأزمة المستفحلة في البلاد، والتي بدأت على أثر احتجاجات مطلبية في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهي الأوسع منذ الاحتلال الأميركي للعراق، على خلفية مطالب معيشية محقة، ومعاناة كبيرة يرزح تحتها الشعب العراقي، في ظل فساد منقطع النظير، ينخر كل الأجهزة الرسمية. وتتركز تلك الاحتجاجات كما بات معلوماً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وقد وصلت في بعض الأحيان إلى حد المواجهة المباشرة مع القوات الأمنية، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الجانبين، كما حصل منذ أيام في محافظتي النجف وكربلاء خلال حادثتي الحنانة والتربية بالإضافة إلى حادثة السنك في بغداد.
استمرار الاحتجاجات الدامية
ميدانياً، ومن جملة ما تشهده الساحة العراقية من توترات، تبرز حادثة استهداف منزل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بصاروخ واحد، إضافة إلى استهدف صاروخي لقاعدة عسكرية تؤوي جنوداً أميركيين ودبلوماسيين، في محيط مطار بغداد الدولي، مما أدى إلى جرح ستة جنود، وهو الهجوم التاسع الذي تتعرض له قواعد عسكرية عراقية تضم جنوداً أميركيين، خلال الأسابيع الستة الماضية.
كما سُجل الأربعاء الماضي سقوط صاروخين قرب مطار بغداد، ونشوب حريق في وزارة العلوم والتكنولوجيا، وفي أحد المخازن بمنطقة الوثبة وسط بغداد، وليل الخميس قُتل سبعة عناصر من «الحشد» وجُرح العديد من عناصره، إثر تفجير انتحاري استهدف أحد مراكزه في سامراء.
بصمات «داعش» تظهر بوضوح، يقول مراقبون، فلا تكاد تمر أيام إلا وتُستهدف القوات الأمنية و«الحشد الشعبي»، وقد أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية العثور على خمسة أوكار للإرهابيين، وعلى عدد كبير من العبوات الناسفة في كركوك.
الصدر يتمسك برئاسة الحكومة
في سياق المشاورات المستمرة للوصول إلى حكومة ترضي الأطراف كافة، رشحت معلومات عن أن التيار الصدري يصر على تسلم رئاسة الحكومة، مستغلاً الوضع الإقليمي والدولي وحتى الداخلي من أجل بلوغ هذا الهدف، ولعل ذلك قد يكون بالتنسيق مع أطراف إقليميين ودوليين، قدّم لهم الصدر سابقاً أوراق اعتماده.
ويبدو أن الأحزاب الأخرى الفاعلة منها وغير الفاعلة، مضطرة للقبول بهذا الخيار، منعاً للانزلاق نحو الخيارات الأسوأ وأبرزها الحرب الأهلية وعودة الاحتلال الأميركي. هذا فيما نفى «تيار الحكمة الوطني» في العراق طرحه أي مرشح لمنصب رئاسة الحكومة، مشدداً على أن رئيس مجلس الوزراء المقبل يجب أن يكون مستقلاً حقيقياً، وعلى أن يتم تكليفه لمدة زمنية محدودة، وأن يحظى بالقبول الشعبي.
وسط هذه الأجواء الملبدة، برزت زيارة لافتة لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لواشنطن بهدف لقاء وزير الخارجية بومبيو ومساعد وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر. كذلك، في إطار الحراك السياسي المتواصل، استقبل السيد عمار الحكيم رئيس «تيار الحكمة الوطني» سفير الاتحاد الأوروبي الجديد في بغداد مارتن هوستن، لمناقشة التطورات في البلاد.
التحقيق مع مسؤولين حاليين وسابقين
بشتى الطرق تواصل السلطة في بغداد محاولة إثبات حسن نواياها الإصلاحية تجاه المتظاهرين، وفي كل يوم تطالع هيئة النزاهة، الشارع العراقي بأسماء جديدة صدرت بحق أصحابها أوامر قبض واستقدام، بينهم نواب ومسؤولون محليون على خلفية تهم بالفساد وهدر للمال العام، إضافة إلى وزير وخمسة نواب حاليين ووزيرين سابقين. كما أوضحت الهيئة أنه تم إصدار أوامر استقدام بحق 38 عضواً حالياً وسابقاً في مجالس المحافظات، إضافة إلى محافظ واحد واثنين من رؤساء مجالس المحافظات الحاليين، فضلاً عن ستة من المدراء العامين ووكيل وزير واحد.
كما حكمت محكمة استئناف واسط بالإعدام على ضابط وبالسجن سبع سنوات بحق آخر بتهمة قتل متظاهرين وهو أول حكم من نوعه منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية.
خلاف حول القانون الانتخابي
بسبب خلافات حول مساحة الدائرة الانتخابية، تعثر البرلمان العراقي في تمرير قانون الانتخابات ولم يفلح في التصويت عليه، حيث انقسمت الكتل السياسية بين مطالب بتعدد الدوائر الانتخابية في المحافظات، ومطالب بأن تكون الدائرة واحدة، ما اضطُر رئيس البرلمان لإعادة المشروع إلى اللجنة القانونية بغية الخروج بصيغة توافقية.
موقف المرجعية الثابت
المرجعية الدينية العليا في العراق ومنذ بدء الاحتجاجات، دأبت على أخذ جانب المتظاهرين، وعلى التشديد في كل خطبة جمعة يلقيها ممثلها في المحافظات، على ضرورة تلبية مطالب المتظاهرين المحقة وحمايتهم وعدم التعرض لهم، وأيضاً على ضرورة رفض التدخل الخارجي في الشؤون العراقية.
لكن في الوقت عينه، لم تغفل المرجعية مطالبة المتظاهرين بعدم التعرض للأملاك العامة والخاصة، وبعدم تركها لاعتداءات المندسين، ودعتهم إلى تمييز صفوفهم ومحاربة المخربين.
وكانت على مدى عدة أيام، قد خرجت تظاهرات مؤيدة للمرجعية الدينية في محافظات عديدة، حيث ملأت الحشود ساحة التحرير في بغداد، وهي تحمل صور المرجع السيستاني وتهتف باسمه، وفي محافظة واسط خرجت حشود غفيرة من وجهاء ومشايخ عشائر الزركان تضامناً مع المرجعية والمتظاهرين السلميين.
التصويب على إيران والحشد
إحراق القنصلية الإيرانية في النجف أكثر من مرة، واستمرار التصويب على إيران واتهامها المستمر بتدمير العراق ونهب ثرواته، يلقى استهجاناً لدى الإيرانيين الذين يرفضونه جملة وتفصيلاً، ويذكّرون العراقيين بما قدّموه لهم من مساعدات في المجالات كافة، ولا سيما الاقتصادية والأمنية منها، وبدورهم الفاعل في محاربة «داعش» وطرده، بعد أن وصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
من هنا، ينطلق الإيرانيون إلى القول إن هذه الاتهامات ليست بريئة، ولا علاقة لها بالمطالب الشعبية، ولا تمثل الشعب العراقي، وإن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء مطلقيها، إمعاناً منها في التضييق على إيران، مستغلة الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها العراقيون للنفاذ منها وبث الشقاق والفرقة بين الجارين الشقيقين.
الاتهامات تتواصل أيضاً «للحشد الشعبي» بالتنكيل بالمتظاهرين، فيما «الحشد» والقوات الأمنية ينفيان ذلك بشدة، بل ويؤكدان القيام بحماية المتظاهرين، وبأن هناك طابوراً خامساً يعمل على إثارة الفتنة من خلال اختراق المتظاهرين والقيام بأعمال عنف تخرج عن الإطار السلمي الذي انطلقت الاحتجاجات على أساسه، مثل حرق المقار الحكومية وأعمال تعذيب وقتل لبعض عناصر الحشد أنفسهم.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء الركن عبد الكريم خلف قوله إن القائد العام أصدر توجيهاً بعدم تدخل «الحشد الشعبي» في قضايا تخصّ الأمن.
التكليف بات وشيكاً
المشاورات حول تأليف الحكومة مكثفة وتكاد تصل إلى خواتيمها، هذا ما يقوله رئيس «كتلة السند» في البرلمان العراقي النائب أحمد الأسدي.
وحول مواصفات رئيس الحكومة المقبلة أشار الأسدي إلى أهمية نيله قبول المرجعية والمجتمع الدولي، وأن يتمتع بالخبرة والكفاءة والنزاهة الكافية، وأن يتعهد بإخراج البلاد من الأزمة وإعادة الأمن وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات بعد إقرار القانون الانتخابي، على ألا تتجاوز مدة حكومته عاماً واحداً.
وأكد الأسدي أنه قد يجري خلال الأيام القليلة المقبلة تكليف شخصية تأليف الحكومة، بعد أن تقدم كل كتلة مرشحها وفق الآليات الدستورية المعتمدة، علماً أن المهلة الدستورية شارفت على نهايتها، ولم يبقَ سوى خمسة إلى سبعة أيام كحد أقصى، حيث يجب على الرئيس المكلف تأليف حكومته خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً وعرضها على مجلس النواب.
وحول موقف المرجعية اعتبر الأسدي أنه كان واضحاً منذ البداية، وأنها –أي المرجعية– منحازة للجماهير وتطالب بالإصلاحات، وهي تعلن بوضوح وقوفها إلى جانب المتظاهرين السلميين، لكنها في الوقت عينه تطالبهم بتمييز صفوفهم عن المندسين وطرد المخربين لأنهم يشوّهون سمعة التظاهرات ويسيئون إليها، ويقودون البلاد إلى الخراب، ويستدرجون التدخل الخارجي، مشدداً على أن المرجعية هي الراعية لمصالح الأمة وحفظ النظام العام.
وفيما يتعلق باتهام «الحشد» بقتل المتظاهرين اعتبر الأسدي أنه اتهام بائس ومعروف المقاصد والنوايا، لعدة أسباب أهمها أن المتظاهرين هم أصلاً «جمهور الحشد الشعبي وأبناء بيئته» كما أن الحشد جزء من القوات المسلحة المكلفة حماية الحدود، وأن معركته هي ضد الإرهاب، مستشهداً بسقوط تسعة من أفراد الحشد في سامراء إثر هجوم انتحاري قبل دقائق قليلة من إجراء حوارنا معه.
يلفت الأسدي إلى أن الحشد أعلن بوضوح عدم مشاركته أو حضوره في أية ساحة من ساحات التظاهر، كما أن ذلك لم يُطلب منه من الجهات الرسمية، لأن مهمته قتالية بحتة ضد الجماعات الإرهابية. ويضيف الأسدي أن الحشد هو من أهم نقاط القوة لدى الشعب العراقي، لذلك هو في دائرة الاستهداف، كما أنه داعم للمتظاهرين ولمطالبهم، وسيبقى الأيقونة التي يعتز بها الشعب العراقي.
وعن سبب تركز التظاهرات في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، يقول الأسدي إن تلك المناطق هي الأكثر حرماناً مع أن منها تخرج ثروات العراق وينحدر منها أكثر من نصف عدد النواب، وكذلك رئيس الوزراء، وهي مع ذلك لم تحصل على ما تستحقه. وقد قدمت الكثير من الشهداء، ما يستوجب الاهتمام بها والالتفات إلى مطالب أهلها.
وعن وجود طابور خامس، يقول الأسدي إن تظاهرات من عشرات الآلاف لا يمكن أن تخلو من بعض المندسين التابعين لبعض أجهزة الاستخبارات الخارجية، في استغلال واضح لمعاناة الشعب من أجل التخريب ونشر الفوضى.
Leave a Reply