وليد مرمر
في عام 1968 نزلت قوة كوماندوس إسرائيلية بقيادة رفائيل إيتان مطار بيروت وقامت بتدمير 13 طائرة مدنية تابعة لشركة الميدل إيست. وجاءت العملية –كما زعمت إسرائيل وقتها– رداً على هجوم من قبل فلسطينيين اثنين تابعين لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» على طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال في مطار أثينا أسفر عن مقتل أحد الركاب.
وفي عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان رداً على محاولة اغتيال سفيرها في لندن من قبل مجموعة «أبو نضال» كما ادعت، ثم أشرفت لاحقاً على مجازر صبرا وشاتيلا.
فقد كان لبنان لسنوات طويلة مضت، مكسر عصا وساحة لتصفية الحسابات بين إسرائيل وكل أعدائها أينما وجدوا.
لكن هذا كان قبل ظهور المقاومة اللبنانية واشتداد عودها وصولاء إلى إرساء التوازن الحالي الذي حصّن لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية بعد استباحته لعقود.
وهاهي إسرائيل تعيث فساداً في سوريا، عبر دعم المجموعات المسلحة وشنّ الغارات المتكررة على الأراضي السورية. وكانت لافتة –الأسبوع الماضي– الغارة التي نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية على سيارة كانت في طريقها إلى بيروت عند نقطة المصنع الحدودية، حيث لم تجرؤ المسيّرة على استهداف ركاب السيارة، فقامت بإطلاق صاروخ تحذيري أمام السيارة مما دعا من بداخلها لمغادرتها فوراً، وعلى الأثر تم استهدافها بصاروخ آخر أوقع أضراراً مادية فقط.
لقد أرست المقاومة توازناً تاريخياً غير مسبوق مع إسرائيل. ففي العام الماضي وبعد استهداف اسرائيل لمقاتلين لبنانيين في سوريا، قامت المقاومة باستهداف ناقلة جند في مستوطنة أفيميم الحدودية، دون إصابة أي من جنود الاحتلال. وقد قامت حينها وسائل الإعلام «السيادية» بالتشدق بأن المقاومة تعمدت عدم إصابة الهدف وذلك لعدم الرغبة في التصعيد مع إسرائيل. ولكن التحقيق الذي أجرته المخابرات العسكرية الإسرائيلية أثبت أن المقاومة تعمدت إيقاع إصابات بشرية ولكن «الصدفة» حالت دون ذلك.
فلقد اعتبرت تحقيقات عسكرية أجراها قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أمير برعام، أن عدم سقوط جنود قتلى في عملية أفيفيم، التي نفذها «حزب الله»، مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي، كان من قبيل الصدفة، وأنه خلافاً لتقديرات إسرائيلية سابقة بأن مقاتلي الحزب تعمدوا عدم استهداف جنود، فإن العملية كانت تهدف إلى قتل جنود إسرائيليين فعلاً، و«لحسن الحظ» لم يُقتلوا، حسبما نقلت عنه صحيفة «يسرائيل هيوم».
لقد جاء هذا الرد الجريء وقتها ليؤكد لإسرائيل بأن استهداف أي لبناني داخل أو خارج لبنان سيؤدي حتما إلى رد مقابل ضد إسرائيل. فبعد أن كانت إسرائيل ولعقود طويلة تستبيح الأراضي والأجواء اللبنانية كيف وأينما شاءت وتقوم باعتقال وخطف من شاءت من داخل الأراضي اللبنانية، أصبحت اليوم تسارع إلى تسليم قوة اليونيفيل، مجرد راع لبناني دخل الأراضي المحتلة خطأً، وفي اليوم نفسه، خوفاً من أية عواقب محتملة!
لم تكن عملية قصف المسيرة للسيارة اللبنانية في سوريا هي الحدث الوحيد الفارق في زمن الكورونا. ففي الأسبوع الماضي حدث أمر آخر استرعى اهتمام المراقبين. فلقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه أطلق بنجاح، أول قمر صناعي عسكري للبلاد وهو قد استقر على ارتفاع 425 كيلومتراً. وجاءت هذه المحاولة بعد محاولة فاشلة أجريت منذ أكثر من شهرين. وللقمر الصناعي العسكري أهمية بالغة في جمع المعلومات والصور والمسح الطوبوغرافي ودقة تصويب الصواريخ الباليستية.
الولايات المتحدة نددت بإطلاق القمر الصناعي، وقال وزير خارجيتها مايك بومبيو إن الأمر بمثابة تحد لقرار أصدره مجلس الأمن الدولي عام 2015، مشدداً على أن إيران ستتحمل مسؤولية أفعالها.
ورغم أن القرار يدعو إيران للامتناع لمدة ثماني سنوات عن العمل على تطوير صواريخ باليستية مصممة لحمل أسلحة نووية، وذلك كجزء من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع ست قوة عالمية، إلا أن الصاروخ لم يصمم ولم يتم استخدامه لحمل أسلحة نووية فضلاً عن أن الاتفاق النووي قد تم نقضة من قبل إدارة دونالد ترامب، وبالتالي فإن القرار لم يعد ملزماً لإيران.
وقبل عملية الإطلاق بأيام جرت مناوشات في الخليج العربي بين قوارب عسكرية إيرانية وسفن أميركية صرح ترامب على أثرها بأنه أعطى أمراً للبحرية الأميركية بأن ترد على «الاستفزازات» الإيرانية بحزم.
ربما نجح كورونا حتى الآن بتأجيل أو تبريد الكباش الأميركي الإيراني عبر اللاعبين الأصيلين أو «البروكسي» لفترة وجيزة، ولكن التطورات الأخيرة في سوريا وإيران والخليج تنبئ بأن التصعيد العسكري ما زال وارداً… رغم أنف كورونا!
Leave a Reply