واشنطن - كشفت وثائق جديدة، سمحت السلطات الأميركية بنشرها أخيراً، عن وجود معلومات «قد» تربط موظفين حكوميين سعوديين بمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهذه الـ«قد» كانت كفيلة بإخفاء 28 صفحة لأكثر من 13 عاماً دون سبب وجيه، سوى أن الروح الانتقامية التي سيطرت على البلاد في أعقاب الهجمات ومهّدت حينها لغزو أفغانستان والعراق، لم تعد سارية اليوم، فمرّت الصفحات السرية مرور الكرام.
ومنذ عام 2003، عملت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، ثم إدارة الحالي باراك أوباما، على إخفاء 28 صفحة من تقرير تابع للكونغرس بشأن تلك الهجمات.. وكانت الأسباب المعلنة وراء هذا الأمر هو أن ما تكشفه الصفحات يمس الأمن القومي، وأن نشرها ستكون له نتائج سلبية تطال المصالح الأميركية في العالم وستضعف قدرة واشنطن على جمع المعلومات الاستخباراتية عن أشخاص مشتبه في تورطهم بعمليات إرهابية.
الحقيقة التي لم يرغب بوش وأوباما بكشفها أن هذا القسم من تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 أيلول يتحدث بشكل محدد عن «دور سعودي محتمل» في تقديم المساعدة أو الدعم للإرهابيين أو حتى التواصل معهم قبيل تنفيذهم الهجمات.. وكلما كان البعض يثير القضية ويسأل عن تلك الصفحات وما ورد فيها من أدلة أو تكهنات بشأن دور الحليف العربي في أحداث 11/9، كان الجواب الرسمي هو عدم وجود أي أدلة أو اتهامات موجهة للرياض أو موظفيها الرسميين فيما ورد في التحقيقات، وأن كل ما تتناقله وسائل الإعلام والجرائد مجرد تخمينات وشائعات عارية تماماً عن الصحة.
مع قدوم عام 2015، بدأت الأصوات المطالبة بالكشف عن نص الصفحات السرية تتعالى، وبدأ أهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر يطالبون الكونغرس بالسماح لهم بمقاضاة الحكومة السعودية لدورها المزعوم في ما عصف بنيويورك في ذلك اليوم الأسود.. وبذلك بدأ الحديث يدور حول ضرورة نشر الصفحات السرية لوضع حدٍ لهذا الأمر، و«لتبرئة» الحليف الأقرب في العالم العربي من تلك التهم وتجنب تدهور العلاقة المميزة معه.. وفي الوقت نفسه، هددت الرياض، وإن بصورة غير مباشرة، من أن موافقة الكونغرس على مشروع قانون يسمح بمقاضاتها بسبب أحداث نيويورك سيدفعها إلى بيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 750 مليار دولار.. والرئيس الأميركي بالطبع لم يتوان عن تأكيد موقفه الرافض لإقرار المشروع، فقد هدد بعدم التوقيع على القانون إن تم التصديق عليه في الكونغرس.
الصفحات محل النقاش نُشرت، والآن يمكن للجميع الاطلاع عليها وتحليل ما جاء فيها بشكل كامل.. أهم ما جاء فيها هو أن أشخاصاً تواصلوا أو قدموا مساعدة أو دعماً لبعض منفذي هجمات 11 أيلول، وأن هؤلاء الأشخاص، وفق وثائق صادرة عن مكتب التحقيقات الفدرالي ومذكرة من وكالة الاستخبارات المركزية، «قد» يكونوا من موظفي الحكومة السعودية وأن اثنين على الأقل منهم تابعين لجهاز المخابرات السعودي.. لكن التقرير يؤكد أن المعلومات الواردة يجب التأكد من صحتها من خلال مزيد من التحقيقات، التي يجب أن تجريها الأجهزة الأمنية المختصة.
الصفحات تذكر أسماءً محددة لأشخاص تقول إنهم «قد» يكونوا موظفين في السفارة السعودية أو موظفي استخبارات سعوديين أو مسؤولين في وزارة الداخلية، وأن تقارير مختلفة عنهم جاءت لمكتب التحقيقات الفدرالي قبل عام 2001.
المعلومات تتطرق حتى لأخ غير شقيق لأسامة بن لادن، كان موظفاً في السفارة السعودية بواشنطن وقت وقوع الأحداث.
بعد سرد هذه المعلومات، يعود التقرير إلى تأكيد عدم القدرة على حسم مستوى الارتباط المباشر بين الحكومة السعودية والأنشطة الإرهابية عالمياً أو في داخل الولايات المتحدة، إن وجد هذا الارتباط.. وهذه النقطة تحديداً هي التي استخدمها المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست عندما أكد أن النتيجة التي توصلت إليها اللجنة في تحقيقها هي عدم وجود أي دليل على قيام الحكومة السعودية كهيئة أو أي مسؤول سعودي كبير بتمويل تنظيم «القاعدة» أو مساعدته.
ترحيب سعودي
من جهتها، رحّبت السعودية على الفور بالكشف عنها، وعبّرت عن أملها في أن يبدد ذلك أي شكوك حول ضلوعها في الهجمات. وأوضح السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عبدالله آل سعود في بيان، أنّ «الصفحات أكدت أنه لا الحكومة السعودية ولا أي مسؤول سعودي كبير أو أي شخص يعمل نيابة عن الحكومة السعودية قدم أي دعم أو تشجيع لتلك الهجمات» في العام 2001.
وأمل بأن يساعد الكشف عن هذه الصفحات «في تبديد أي تساؤلات أو شكوك متبقية بخصوص تصرفات السعودية أو نياتها أو صداقتها الطويلة الأجل مع الولايات المتحدة».
Leave a Reply