أفرج هذا الأسبوع عن القرار “الزاني” بعد سلسلة مخالفات قانونية وقضائية غير بعيدة عن محكمة صهيونية، وبرمجة “تسريبات” مضبوطة على إيقاع سياسي هادف ومدروس. وبعد الإطلاع على هذه “القمامة” العدلية وأضحوكة “الأدلة الظرفية” و”الإستنتاج”، لم نجد أن “القرار” يستحق أن نتناوله في مقالٍ خصوصاً أنه بدا وكأنه مجموع من قصاصات الصحف ومستند إلى معطيات إتصالات خليوية ثبت أن إسرائيل “ملكتها” بالكامل. كل ما يمكن قوله “تمخض الجبل (بعد ست سنوات) فولد… فأراً”. يكفي هذا القدر ولنتحدث في المفيد.
نزل المطر بعد عاصفة صغيرة في عز الصيفية في بعض بقع ديربورن في ولاية ميشيغن، التي تتمتع بطقس متقلب أكثر من مواقف وليد جنبلاط، فانقطع التيار الكهربائي عن عدد كبير من الأحياء السكنية قبل ساعةٍ واحدةٍ من حلول موعد الإفطار. أميركا دولة عظمى وتملك بنية تحتية أعظم، لكن شركة “دي تي إي” التي تحتكر قطاع الكهرباء لسببٍ لا نفهمه، تكاد تصبح أسوأ من “شركة كهرباء لبنان”. فالتعطيل يقع عند أول “زخة” مطر لأن الكابلات والمعدات قديمة قدم أميركا نفسها وتصليح الأعطال يأخذ عادةً يوماً بأكمله، لكن عندما يحين موعد فاتورة الكهرباء فإن “دي تي إي” لا تمهل ولا تهمل! البعض منا أمضى فطوره على ضوء الشموع يكاد لا يرى طعامه والشراب. أنا لا أشكو من تقصير شركة الكهرباء المريع، على العكس فالخير فيما وقع. لقد جعلتنا الشركة نتذكر اهلنا وأحباءنا في بلد “خيال الصحرا” وهم يتسحرون ويفطرون من دون نور إلا نور وجه ربهم العلي القدير الذي يمنحهم هذه القدرة على الصبر الأسطوري. نحن هنا لم نتحمل ليلة إفطارٍ يتيمة من دون كهرباء في حياتنا المرفهة، في حين أن أترابنا وأرحامنا في بيروت (غير الإدارية) والضاحية الجنوبية ومناطق الحرمان التقليدية في الجنوب والبقاع والشمال يأكلون معظم الوقت في العتمة ووسط الحر الشديد والغلاء الفاحش أكثر من السياسيين أصحاب الجيوب الملآنة والبيوت المبردة والأمعدة المتخمة، عتم الله أبصارهم وختم على قلوبهم. ولكن إذا حصلت المعجزة وقام أحد الوزراء من أصحاب الضمير بمحاولة تأمين الكهرباء لكل بيت في “شبه الوطن” على مدار ٢٤ ساعة، قامت المناكفات السياسية والأنانيات الفئوية لتمنع هذا الإنجاز للشعب اللبناني.
مشكلة الكهرباء مزمنة في “شبه الكيان” الذي لا يفعل سياسيوه شيئاً لمواطن إلا وقت الإنتخابات، تتناقلها الحكومات فيما بينها منذ إنتهاء الحرب الأهلية من دون حلٍ في الأفق. وعود الربيع التي اطلقتها الحريرية منذ التسعينيات لم تتحقق، كما لم تقم حكومة فؤاد السنيورة بأي إنجازٍ في هذا المجال ورفضت عرضاً إيرانياً بحل أزمة الكهرباء. ورغم أن حكومة “المغترب سعد” وضعت مشروعاً للحل إلا أنه بقي على الورق، إلى أن جاء الوزير النشيط جبران باسيل وأخرجه من الأدراج لينفذه فقامت قيامة التيار “الزرقاوي” عليه من أجل عدم تمرير المشروع المصدق من قبلهم. والأطرف في كل هذه الهمروجة “الزرقاوية”، محاضرة المدعو غازي يوسف عن “الشفافية”! الشفافية، يا غازي يوسف -إذا لم تعلم- كلمة لامعنى لها ما لم تستعمل مع معلمك فؤاد السنيورة الذي “تصرف” بـ١١ ملياردولار وبأموال الإغاثة والوديعة السعودي و”هبتها” لحل مشكلة جبل نفايات صيدا.. والقائمة تطول. ثم لماذا يختار التيار “الزرقاوي” دائماً غازي يوسف “الشفاف” جداً بدليل أنه كان من الأشخاص المحظيين بمنح جان بولتون “درع الأرز” تقديراً لخدماته الجلى… لإسرائيل. لماذا يختارونه ليرد على وزراء شفافين مثل الوزيرين شربل نحاس وباسيل، ممن يريدون فعلاً مصلحة المواطن وسيادة القانون والدولة التي تريد جوقة “١٤عبيد زغار” أن تعبر إليها (ولو سباحةً)؟
السياسيون لم ينقسموا فقط على لقمة عيش المواطن، بل على القضايا السياسية كلها لاسيما الموقف من سوريا بعد أن أعلن “سعد المصطاف” الحرب عليها مقرناً عودته الميمونة إلى بيروت بسقوط النظام في دمشق. إذاً هي معركة كسر عظم لا يبدو أن جمهوره متحمسٌ لها رغم المحاولات الطائفية البائسة في طرابلس وصيدا وتشدق بعض الجماعات المتظاهرة ضد سوريا وهتافاتها النابية التي أقل ما يقال فيها أنها صفة المتكلم. هذه الجماعات لم نر وجوهها المكفهرة في مناصرة الشعب المصري أو البحريني أو السعودي أو حتى الفلسطيني الغزاوي في عز الحرب الإسرائيلية عليه!
هذا الإنقسام أدى إلى الإفراج المسرحي السريع عن مهربي أسلحة إلى سوريا بعد تهريبهم إلى طرابلس وإحضار قاضٍ مطيع من إجازته من أجل إطلاق سراحهم. ما أسرع “العدالة” اللبنانية عندما تكون في إمرة السياسة “الزرقاوية”، أما سجناء رومية فلهم الصبر والسلوان ماعدا سجناء “فتح الإسلام” الذين منهم من خرج من السجن بسحر ساحر ومنهم من فر بظروفٍ “مغمضة” ومنهم من ينتظر خروجه قريباً! كما إنسحب الإنقسام على “متفجرة إنطلياس” التي روجت الدعاية “الغوبلزية النازية” إنها من صنع المقاومة في ذكرى انتصارها المجيد، خصوصاً بعد مسارعة صقر صقر المتحمس إلى الإدعاء على “مجهول بتجهيز عبوة ناسفة” وذلك قبل أن ينتظر نتيجة التحقيقات، مقدماً لجمعية الصداقة اللبنانية-الإسرائيلية ترسانة إعلامية حرزانة قبل أن يتبين أن الإنفجار ناجمٌ عن قنبلة يدوية بسبب خلاف فردي. وكم كان منفراً منظر إجتماع “مجلس الدفاع الأعلى” برئاسة ميشال سليمان وحضور أشرف ريفي، الذي إستقل طائرة خاصة في اليوم التالي إلى السعودية للإجتماع بمرجعيته! الظاهر أن محاكمة ريفي على عصيان أوامر رؤسائه لا تقع في صلب “العدالة” اللبنانية المتفرغة لأمور أهم.
لقدخابت آمال الإعلام المضاد بتلبيس المقاومة تهمة الإرهاب في إنطلياس وفي الإستعراض المسرحي الهزلي الأخير للمحكمة الإسرائيلية-البيلمارية، لكن، مهلاً، يمكن أن يعوض صقر٢ وسعيد ميرزا عن ذلك بالإدعاء على “قارورة الغاز” التي انفجرت في الضاحية
Leave a Reply